رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالصور.. جولة "الدستور" داخل معالم مدينة رشيد الأثرية

جريدة الدستور

رصيد عريق من التاريخ احتفظت به رشيد بين الأثار والأماكن التاريخية، فهى تعتبر المدينة الأولى في مصر بعد القاهرة التي مازالت تحتفظ نسبيا في بعض أجزائها بطابعها المعماري المميز، بما تحويه من آثار ترجع إلى العصر العثماني.

تقع المدينة على الضفة الغربية لفرع رشيد، يحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الغرب خليج أبوقير، ومن الجنوب تل أبومندور، فهي تبعد عن الإسكندرية مسافة 65 كيلو مترا، وعن العاصمة 263 كيلومترا.

اشتق اسمها من "رخيت"، ثم تحول إلى الاسم القبطى "رشيت"، ليتحول فيما بعد إلى رشيد، فهي تشتهر بزراعة النخل، لذا يطلق عليها مدينة المليون نخلة، كما تشتهر بالصيد، تتواجد على فرع من فروع النيل يسمى قديما بالفرع البولبتينى.

وترصد "الدستور" خلال جولتها بالمدينة السياحية، تاريخ "رشيد" العريق:

- متحف رشيد الوطني
من قلب رشيد، يوثق المتحف الوطني، كفاح أهل المدينة والمعارك التي خاضها ضد المستعمر الفرنسي والانجليزي، داخل أحد المنازل الأثرية وهو منزل "حسين عرب كلي" الذي كان محافظًا للمدينة خلال العصر العثماني، فقد افتتح المنزل كمتحف حربي في عام ١٩٥٩، عند زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للمدينة خلال الاحتفال بالعيد القومى لمحافظة البحيرة، وخلال عام ١٩٨٦، تم تطوير المتحف وأعيد افتتاحه ليعبر عن تاريخ مدينة رشيد.

يتكون مبنى المتحف من ثلاثة طوابق تمثل نموذجًا للعمارة الإسلامية في العصر العثماني، يضم الدور الاول نموذجا من حجر رشيد الذي كشف عنه في رشيد عام 1799، يجاوره تمثال للعالم الفرنسي فرانسوا شامبليون، علاوة على عرض لصورة من وثيقة جلاء القوات الانجليزية عن رشيد 1807، ومجموعة من الأسلحة تعود للعصر العثماني.

وانتقالا إلى الدور الثاني لتشمل مقتنيات العرض المتحفي بداخله تمثالان الأول لمحمد علي باشا والي مصر منذ عام 1805 إلى 1849، والتمثال الثاني لعلى بك السلانكلي محافظ رشيد وقائد المقاومة الشعبية للحملة الإنجليزية 1807، إضافة إلى مجموعة من الأسلحة المتمثلة في البنادق والطبنجات تعود للقرن الـ19، مع عرض لمجموعة متنوعة من العملات الفضية.

أما الطابق الثالث والأخير والذي خصصت إحدى غرفه للاستقبال مع عرض لمجموعة من الأواني الفخارية المطلية بألوان مختلفة، زخارف نباتية وهندسية ومسارج تعود للعصر المملوكي، لتجاورها غرفة المكتب والتي زينت حوائطها بمجموعة من اللوحات المطبوعة بالأبيض والأسود تمثل بعض الوظائف في العصر العثماني.

وزينت حوائط المتحف لوحات توثيقية توضح ملامح الحياة الاجتماعية ذات سمة خاصة، حيث كان التركيب الاجتماعي للفئات التي عاشت في رشيد، بمن فيهم أهالي رشيد أنفسهم، أيضا صورا للمعارك وللحياة الأسرية والصناعات الحرفية والشعبية ومخطوطات وأدوات للحياة اليومية.

يتبع المتحف حديقة تخصص للأنشطة، يتوسطها 4 عمدان، 3 من الجرانيت الأحمر على الطراز الروماني البطلمي، والرابع من العصر البيزنطي ويسمى العمود المجدول، علاوة على مدفعين للقتال وليسا للتحصينات.

- قلعة قايتباي برشيد
على البر الغربي لفرع رشيد تعد قلعة "قايتباي" أحد أهم الحصون في العصر المملوكي، شيدها "قايتباى" أحد سلاطين المماليك، وبحسب الصفحة الرسمية لوزارة الآثار، فالقلعة كان الغرض الرئيسي من بنائها صد الغارات الصليبية التي كانت تهاجم سواحل الدولة المملوكية في مصر والشام.

بنيت القلعة من الحجر الجيري والطوب الرشيدي والأعمدة التي تدعم البرج الرئيسي، فهي مكونة من سور خارجي مستطيل الشكل يدعمه أربعة أبراج ركنية على شكل ثلاثة أرباع الدائرة، وتحصر هذه الأبراج فيما بينها من الداخل عدة مستويات بها فتحات مخصصة لرمي السهام على المهاجمين، ويتوسط القلعة مسجد خصص لصلاة الجنود.

سميت قايتباي باسم "حصنن سان جوليان" بعدما أرسل نابليون فرقة عسكرية من حملته على مصر إلى القلعة واستمرت بها حتى عام ١٨٠٠، وأقاموا فيها فتحات صغيرة في الأبراج لاستخدام البنادق، عام ١٧٩٨.

- اكتشاف "حجر رشيد"

في أغسطس ١٧٩٩، عثر القائد الفرنسي "بوشار" الذي كان مكلفًا بالعمل في ترميم القلعة على حجر يشكل جزءًا من جدار قديم، وهو الحجر الذي عرف لاحقًا باسم "حجر رشيد" والذي ساهم في الكشف عن الكثير من طلاسم الحضارة المصرية القديمة، ولكنه لم يمكث في مصر نُقل إلى المتحف البريطاني بلندن، بعدما استولى عليه الجنود البريطانيون عام 1801، إثر هزيمة جيش نابليون في مصر، وهو مازال محل التفاوض بين وزارة الآثار المصرية والجهات البريطانية لاستعادته مرة أخرى.

تتوسط ساحة قلعة قايتباي نموذج من حجر رشيد، والذي اكتشفت طلاسم لغته المصرية القديمة على يد العالم الفرنسي فرانسوا شامبليون، لترى لوحا من البازلت الأسود منقوش عليه نص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة.

فالخراطيش الموجوده في النص الهيروغليفي، والتي تضم اسماء الملك بطليموس بمثليها في النص اليوناني المعروف ترجمته فتمكنوا من تميز اسم بطليموس، وكانت البداية التي تبعها في حل باقي كلمات اللغة، فالنص عبارة عن قرار اصدره الكهنه المصريون المجتمعون في مدينه منف عام 196 ق.م ليظهروا اعترافهم بأفضال الملك بطليموس الخامس وليسبغوا عليه الألقاب الملكية المقدسة

- كنيسة مارمرقس الآثرية
تحتضن مدينة رشيد واحده من أقدم وأهم الكنائس المصرية والتي يعود تاريخها للقرن الخامس من الميلاد ولكن بسبب تواجدها تحت منسوب نهر النيل غرقت وغمرتها المياة الجوفية، ليحكي مينا ذكي، مسئول مبادرة الجولة، أنه في عام 1681 م أنشأت الكنيسة الجديدة على أطلال الكنيسة الغارقة وبالإحداثيات ذاتها، ولكن مع اختلاف موضع المذبح والذي بنى في الجهة المعاكسة للمذبح القديم، ثم أعيد تجديدها في عام 1973.

وتابع أن الكنيسة على الطراز القديم وخصصت بها فتحات للسقف للتهوية والإنارة علاوة على احتوائها على عمودين من الجرانيت الأحمر جلبوا من أسوان تم الاعتماد عليهم في الكنيسة القديمة، ولكن بعد تعرضها للغرق استخدموا في بناء الكنيسة الجديدة أنذاك، وفي مايو 2010 تم تدشين مذابح الكنيسة بعد التجديد مكملا أن الكنيسة ملحق بها مدرسة لرعاية أصحاب الهمم، في عام 2000

- بيت الأمصيلي
أحد أقدم المنازل الأثرية التي تحتضنها رشيد، بناه عثمان أغا الطوبجي، عام 1223هـ - 1808م، ونقلت ملكيته فيما بعد إلى أحمد الأمصيلي، القادم من مدينة أماسيا بتركيا.

المنزل يتكون من 3 طوابق، كما يقول محمد فرج، أحد المرشدين، الدور الأرضي يتكون من غرفة الاستقبال، والتي تميزت بنوافذها المرتفعه لإضاءة وتهوية الغرف، وحجاب خشبي مزين بخشب الخرط بنظام التجميع والتعشيق بالصناعة اليدوية، كما أن أسقف الغرفة المعلقه تتزين بالأطباق النجومية وتتوسطها سره يزينها الأرابيسك ويتدلى منها المشكاه لإضاءة الغرفة، علاوة على دفن الدواليب الحائطية في جدرانيها والتي يبلغ عرضها مايقرب النص متر بعرض حوائط المنزل.

بنيت الواجهه على طراز الدلتا والذي تميز بالطوب المنجور المطلي باللونين الأحمر والأسود بالتبادل في زخرفة الواجهات مع استخدام الكحلة ذات اللون الأبيض كمونة بارزة بينهم، من مدخل المنزل الرئيسي تجد سلما حجريا يصل بك إلى الطابق الثاني وهو ما يسمى السلامليك والمخصص للرجال، ليكون في مقدمة الطابق الثاني دكة لاستقبال الضيوف والمعروفة "بالتختبوش" كما أن به غرفتين رئيسيتين تميزت بحوائط خشبية تزينها النقوشات الصدفية بالخط الكوفي الهندسي، وتواجد عدد من المشربيات لتطل على الشارع الخارجي، كما خصص بالطابق ذاته غرفة لسماع الموسيقى، حيث تمتاز بتواجد دواليب خشبية مزخرفة ومطعمة بالعاج والصدف، خصص فيها جزءا علويا لتواجد السيدات لسماع ومشاهدة فرق الموسيقى.

ويتابع فرج: يلاحظ أن أرض المنزل بميل منسوبها، وهناك آراء تقول أن سببه تخفيف الأحمال عن واجهه المنزل، كما أن المسافة بين سقف الطابق الأرضى وأرض الطابق الأول العلوي لم تكن متلاصقة وهناك مسافة تقدر بـ40 سم تقريبا، مؤكدا أن الطابق الثالث العلوي والمعروف بالحرمليك مغلق نظرا لأعمال الترميم.

ملحق بالمنزل طاحونة أبوشاهين والتي بناها الطوبجي في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبحت فيما بعد وقف للمجلس المحلي ليواصل فرج، أنها عبارة عن ساحة تحتوي على مطحنتين للغلال كانت تدار بالخيل الموصول بترث لإدارة رحايا الطحن، كما أن القسم الثاني منها اصطبل لاستراحة الخيل واطعامه ليتفرع منه حديقة صغيرة سميت "بالمراغة" لراحة الحيوان المسئول عن الطحن كما تفيد الوثيقة التاريحية الخاصة بالطاحونة، كما يوجد غرفة علوية بسلم خاص وهو مكان مخصص لاستراحة السايس.

- مسجد زغلول
يصطحبنا أحمد رفعت مدير جمعية الأثريين المصريين، بجولة داخل مسجد زغلول، أهم وأقدم مساجد مدينة رشيد فيرجع نسبه "لزغلول" أحد كبار التجار وأحد مماليك هارون، أنشأ عام 1587 وتوسع على ثلاث مراحل.

ويوضح رفعت، أن المسجد له أهمية أثرية، فيعتبر من أواخر العصر المملوكي وفي بداية ازدهار رشيد كمدينة تجارية كبرى بعد اضمحلال مدينة الإسكندرية، وتحول تجارة مصر مع أوروبا عن طريق رشيد، كما أن المسجد كان نقطة تمركز إنطلاق اشارة المقاومة ضد حملة فريزر عام 1807، عندما اتفق على بك السلانكلي، حاكم رشيد أنذاك، مع أهالي رشيد، لمقاومة الاحتلال لتستمر من شهر مايو حتى سبتمبر.

يتميز المسجد بطرازه الفريد حيث كانت تملأه العمدان الأثرية التي يرتكز عليها قوام المسجد من مختلف الطرز البيزنطية والرومانية والاسلامية، ولكن بسبب سوء حالته تعرضت هذه العمدان للتلف كما تلفت القباب التي كانت تعلو سقف المسجد.

منبر المسجد يتكون من قاعدة يزخرف جوانبها مفاريك خشبية بالتجميع، ويقع المحراب الغربي في الجهة الجنوبية الغربية وهو عبارة عن تجويف نصف دائري يتصدرة عقد منكسر يرتكز على عمودين من الرخام ويزينه صفوف من الطوب المنجور يتناوب فيه اللون الاحمر والاسود.

ويتوسط المسجد بالقرب من المحراب دكة المبلغ وهي تتميز بطرازها الفريد حيث إنها المكان المخصص داخل المسجد الذي يجلس عليه المبلغ حتى يقوم بترديد تكبيرات الإمام في الصلاة حتى يتثنى لجموع المصلين في الصفوف الخلفية متابعة تكبيرات الإمام ومن ثم متابعة الصلاة، وهي تعتبر من العناصر المستجدة على عمارة المسجد ادى زيادة جموع المصلين وعدم وصول صوت الامام لهم في الصفوف الخلفية على ابتكارها، فهي محمولة على ست اعمده مثمنة من الرخام ونقشت على جوانبها كتابات من الحفر البارز وسقف دكة المبلغ مذهب يتكون من براطيم وألواح خشبية نفذت بها الزخارف بالتذهيب عبارة عن اشكال سداسية وثمانية يتم الوصول اليها عن طريق سلم خشبي.

تضمنت أعمال الترميم أكثر من مرحلة منذ عام 2005 م، وبحسب الصفحة الرسمية لوزارة الأثار أنه في مايو 2018 افتتح الدكتور خالد الغناني وزير الاثار المسجد في إطار التعاون بين وزارة الآثار ووزارة الأوقاف لترميم وإعادة فتح المساجد الأثرية، جاء ترميم مسجد زغلول، حيث كان يعاني القطاع الغربي للمسجد من ارتفاع منسوب المياه الجوفية بداخله، كما أنه يعاني الشروخ وارتفاع نسبة الرطوبة، وانهيار أجزاء كثيرة من الجدران والأعمدة والأكتاف الحاملة للمسجد؛ واندثار معظم زخارفه، الامر الذي دفع وزارة الآثار للتدخل الفوري وإعداد مشروع لترميمة.

فشملت أعمال الترميم تدعيم أساسات المسجد والمباني والأرضيات والقباب وعزلها بنفس المواصفات الفنيه والأثرية، وأعمال النجارة ودورة المياه وأعمال الكهرباء، وأعمال الترميم الدقيق للمنبر ودكة المبلغ واللوحات التأسيسة، وأعمال الهندسة الالكترونية، وفك المأذنة طبقًا لقرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية حيث إنها كانت تعاني من أضرار جسيمة وأوشكت علي الانهيار، كما تمت أعمال فك الحوائط والقباب والأعمدة، وتم وضع الأساسات الخازوقية به. ولاتزال أعمال الترميم مستمرة بداخله.

- منطقة أبومندور
منطقة عامرة في العصرين البطلمي والروماني، لكنها اندثرت عقب بناء مدينة الإسكندرية عام ٣٣١ ق.م بسبب تحول التجارة عنها.

ويعد أبرز معالم المنطقة مسجد أبومندور والذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من تل أبومندور جنوبى مدينة رشيد على الضفة الغربية لنهر النيل، فصاحب المسجد هو محمد أبوالنضر والذي يتدرج نسبه حتى البتول السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وفي عام 991 ميلاديا جاء الى مصر برشيد، وعاش بهذه المنطقة 11 عاما ليعلم الناس أمور دينهم ويأمهم في الصلاة حتى توفي عام 1002 م.

والمسجد عبارة عن مساحة مربعة مقسمة إلى ثلاثة أروقة، وله أربع واجهات، يتوسطه المحـراب جدار القبلة والمنبـر من الخشب ريشتاه من الخرط الخشبى المعقلى وأشكال لأطباق نجميه، أما الضريخ ف يقع فى الجزء الجنوبى الشرقى من جدار القبلة وبابة من مصراعين من الخشب المزخرف باطباق نجمية وأشكال هندسية ومطعم بالعاج والصدف، كما يعلو حجرة الضريح القبة التى تقوم على حطات من المقرنصات، ثم المـئذنـة التي تقع فى الجهة الجنوبية الغربية ولها قاعدة مربعة يعلوها طابق مثمن مزخرف بمقرنصات بارزة تقوم عليها دورة المؤذن.

وتم تجديد المسجد في عهد الخديوي عباس الثاني عام 1312 هـ وأخيرا تم تجديد منطقة أبومندور في سبتمبر 2017.