رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تُسبب نصف وفيات الأطفال.. كيف تصدت الصحة لأمراض «التقزم والسمنة» في المدارس؟

جريدة الدستور

تعتبر مصر إحدى دول إفريقيا التي تصدر الأطفال فيها أعلى معدلات سوء التغذية، بسبب انتشار أمراض الأنيميا والسمنة والتقزم، لا سيما بين طلاب المدارس من الأطفال، فعادة ما يرتبط النظام الغذائي لهم بتلك الأمراض.

اتساقًا مع ذلك، تبنت وزارة الصحة والسكان، مبادرة جديدة مع وزاة التربية والتعليم، للكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بين الأطفال من سن 6 إلى 12 عامًا في المرحلة الابتدائية، ولكن لم تكن هي الحملة الأولى من نوعها، ففي ديسمبر الماضي أعلنت التعليم عن حملة للكشف عن أمراض السمنة والتقزم والأنيميا، في 81 مَدرسة بحيث تشمل 500 طالب في كل إدارة بإجمالي 1500 طالب في كل مديرية.

وقبل البدء الفعلي للحملة الثانية التي تشترك فيها الصحة مع التعليم، كان لـ"الدستور" حديث مع مصابين بـ"الأنيميا والسمنة والتقزم" يروون حكاياتهم مع تلك الأمراض، فهي قابلة للتعايش والتكيف معها من خلال اتباع نظام غذائي سليم.

بتول: "لا تحتاج الأنيميا إلى علاج لأنها وراثية"
بتول ماهر، والدة لطفلين أصيب كل منهما بمرض "الأنيميا"، تقول: "لدينا تاريخ عائلي في الإصابة بالأنيميا فوالدهم وعمهم أيضًا يعانيان من المرض نفسه، بدأ الأمر مع ابنتي حين كانت في عمر سنة وشهرين، فقمت بإطعامها بعضًا من البسلة، لكني فوجئت بأن وجهها أصبح شاحبًا والبول أصبح أحمر".

تضيف: "على الفور أجرينا تحاليل الدم اللازمة التي أسفرت عن وجود تكسير في الدم، وأخبرنا الطبيب أنه علينا مراقبتها، وفي اليوم التالي نقوم بإجراء تحليل آخر، وإذا استمر التكسير سنقوم بنقل الدم لها، ومع الوقت تحسنت الأحوال وتعافت منه تمامًا، وهي الآن في سن العاشرة ولا تعاني من مشكلة".

تابعت: "الطفل الصغير أيضًا، صاحب السنوات الخمس، عندما قمنا بالتحليل له وجدنا نسبة الأنيميا تكاد تقترب من الطبيعية، وأيضًا كان يعاني من تكسير كريات الدم، لكنه استعاد عافيته وتم شفاؤه منها، فالأنيميا لا تحتاج إلى علاج أو نظام غذائي لأنها في الأغلب جينات متوارثة".

إخصائي: "الأنيميا تؤثر بالسلب على نمو الأطفال"
الدكتور محمد إبراهيم، أخصائي تحاليل طبية، يعرف الأنيميا بأنها فقر الدم؛ الناتج عن نقص في عدد كرات الدم الحمراء والهيموجلوبين، وهو الجزء الأساسي من كرات الدم الحمراء المرتبط بنسبة الأكسجين في الدم، والتي تسبب التعب والإرهاق وتسارع نبضات القلب وضيق التنفس والصداع وصعوبة التركيز والدوخة وشحوب البشرة.

وعن العلاج، يقول الطبيب إنه يتوقف على سببه، موضحًا أن مرض الأنيميا ينقسم إلى عدة مجموعات مختلفة؛ وأبرزها فقر الدم الناجم عن نقص الحديد (الأكثر شيوعًا)، حيث ينطوي علاج هذا النوع من فقر الدم في المعتاد على تناول مكملات الحديد الغذائية، مشددًا على أهمية حملة الصحة لكون معدل الأنيميا بين أطفال المدارس ارتفع ويؤثر بالسلب على نموهم.

أستاذ علم اجتماع: "الأنيميا تؤثر على أنشطة الطفل"
الأنيميا مرض غير مؤثر على الطفل نفسيًّا بشكل مباشر، بحسب الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، التي أكدت أن حالة الخمول والضعف التي تتسبب فيها تفقده الرغبة في ممارسة حياته بشكل سليم، ومع الوقت ينأى عن المشاركة في أي نشاط مع زملائه نتيجة إحساسه بالإعياء والمرض المستمرين.

توضح أن ثلاثية المعادلة التي تلعب عليها الدولة في هذه الحملة ستعيد الشباب للمجتمع بشكل عام بعد أن فقد روحه لسنوات عدة، بسبب سلوكيات غذائية خاطئة من طعام غير صحي وسريع ، لذا فيجب العمل بشكل مواز على إعادة تأهيل الأمهات على عادات غذائية صحية حتى لا تضيع هذه الجهود سُدى.

أم ماريا: "اهتممت باتباع نظام غذائي صحي تجنبًا للسمنة"
"ماريا"، 4 أعوام، فتاة عانت في بداية ولادتها من القابلية لزيادة وزنها عن الطبيعي، بحسب والدتها التي تقول: "راعيت وزن ابنتي بعد ولادتها مباشرة لأني وجدت أنها قابلة للسمنة، وهذا الأمر في حاجة إلى توعية النساء به".

تضيف: "وبعد قراءتي في هذا الموضوع اتجهت لإبعادها عن الأكلات غير الصحية، والتي تحتوي على مواد حافظة، كما نظمت لها نظامًا غذائيًا بمواعيد ثابتة لتتعود عليها، فالطفل حسبما يتم تربيته وتعويده على أفعال معينة فإنه يكبر عليها".

متخصص سمنة: "الأنظمة الغذائية الخاطئة السبب"
يكشف الدكتور سيد محمود، متخصص في علاج السمنة والنحافة، أن مرض السمنة هو أحد الأمراض الأكثر انتشارًا في مصر، وذلك بسبب الطريقة الخاطئة التي يستعملها كثير من المواطنين عند الطعام، وعدم إدراكهم حجم السموم الداخلة في جسدهم.

يضيف: "كما أنهم يتساهلون في أكل أي طعام أيًا كان طعمه ونوعه، فالبعض يعتقد أن مرض الأنيميا ينتشر بين النحفاء فقط، إلا أنه متواجد بين مرضى السمنة، وذلك لعدم تنوعهم في تناول الأغذية، وبحثهم الدائم عن الدهون في الطعام".

يؤكد أن النحافة أيضًا مرض ولا بد من محاربته بشكل سريع عن طريق تنظيم وجبات الطعام، والمتابعة المستمرة من قبل أطباء متخصصين، مبينًا أن المبادرة ستسهم في الحد من انتشار تلك الأمراض عن طريق إرشادات طبية.

خبير نفسى: "السمنة تؤدي بالطفل إلى الانطواء أو العدوانية"
أما الدكتورمحمد عبدالمنعم، خبير علم النفس التربوي، يرى أن مشكلة السمنة يعاني نفسيًا منها الأطفال مِن الذكور أكثر من الإناث على عكس السائد؛ لأن نشاط الذكور الحركي يفوق الإناث، وهو ما تحول السمنة دون تحقيقه، فلا يستطيع عيش حياته بحرية كما يريد.

يضيف: "رويدًا رويدًا يبدأ فى العزلة والانطواء عن ذويه، خاصة إن كان يتميز بطول القامة، فهو يشعر بعدم التوافق فهو يشعر أنه أكبر من زملائه في المدرسة، وفي بعض الحالات يبدأ الطفل في معاداة وكره نفسه أو يفرط في تناول الأطعمة غير الصحية لأنه يجد فيها ملاذه المريح".

ويوضح أن حملة الصحة في حالة نجاحها ستغير من ثقافة المجتمع ككل والبداية مع الأطفال هي الأمثل، فهم حجر أساس المجتمع وإصلاح الأفكار والتنوير والثقافة، فيما يخص الصحة والبنية الجسدية يبدأ من عندهم، مشيرًا إلى أن عيادات الجراحة بدأت تعج بحالات لمن هم أقل من ١٨ عامًا لإجراء عمليات تكميم معدة وشفط دهون.

هيلين: "أعاني من نظرات السخرية والشفقة"
هيلين، 50 عامًا، سيدة تعاني من مرض التقزم، رغم أنها تخطو شوارع العاصمة ذهابًا إلى عملها وعودة إلى منزلها، لكنها تُقابل من المارين في الشوارع نظرات تتراوح بين السخرية والشفقة، تقول إنها عانت منه منذ ولادتها، لكن أسبابه ليست وراثية غير معلومة فهي الوحيدة في عائلتها التي تعاني منه.

ترى "هيلين" أنه إذا وُجد العلاج الذي يساعد الطفل على عدم المعاناة من التقزم بدون جراحات فسيكون أمرا جيدا، خاصة أن الطبقات الأقل اجتماعيًا وماديًا تعاني بشكل أكبر لأنهم يُقابلون بتنمر أكبر من الطبقات الأعلى.

أخصائي غدد صماء: "التقزم مرض جيني"
يعلق الدكتور حسين أبو صالح، إخصائى الغدد الصماء، بإن قِصر القامة ليست حالة مرضية، إلا أن زيادته عن حد معين قد يصل إلى درجة التقزم، وعندها يتحول إلى حالة طبية واضطراب في النمو، نظرًا لأن هناك قرابة 200 سبب يؤدي إلى حدوث القزامة.

يضيف: "هناك قسمان كبيران، هما القزامة غير المتناسقة، وفيها يكون حجم الجسم بكامله أصغر من الطبيعي، فيبدو الجسم متناسقًا بالنسبة لأجزائه فقط، والقزامة المتناسقة تكون فيها بعض أجزاء الجسم أصغر من المعتاد بينما بعضها الآخر متوسط الحجم أو طبيعي".

ويرى الطبيب، أن معظم أسباب التقزم تتراوح بين حالات جينية أو اختلالات هرمونية، فعلي سبيل المثال "القزامة التكوينية" وهو مرض جيني يولد فيه الطفل لأبوين طبيعيين بنسبة 80% من الحالات، ويمكن أن ينقل المصاب بهذا المرض الجين لأبنائه.

يوضح أن هناك تنوعا في مضاعفات ذلك المرض بشكل كبير، حيث يتم تشخيص الحالة عن طريق أخذ القياسات اللازمة كالطول والوزن ومحيط الرأس، ومقارنتها بالنسب المفترضة بالنسبة للعمر، كما يتم استخدام التصوير بالأشعة لإيضاح بعض التشوهات الخلقية في عظام الأطراف والجمجمة والتعامل معها كل على حدة.

وعن المبادرة، يقول: "تعمل على القيام ببعض الفحوصات الجينية لاكتشاف المتلازمات المصحوبة بقصر القامة، والتي يرجع ظهورها إلى أساس خلل جيني ما، بالإضافة لقياس نسبة بعض الهرمونات في الدم، ويتم تقييم الحالة عن طريق فريق طبي متخصص لعلاجها مبكرًا".

أستاذ علم الاجتماع: "التكيف مع التقزم لا يحمي الطفل من شعوره بالنقص"
ويرى الدكتور أنور حجاب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن من يعاني من مشكلة التقزم، فالتكيف معها فيما بعد لا يكفيه لمنع شعوره بالنقص عن ذويه، رغم أن المتقزمين أو قصار القامة استطاعوا الدمج في المجتمع ونالوا العديد من الحقوق والوظائف، لكن هذا الأمر أيضًا لا ينفي معاناتهم من مشكلات نفسية.


يؤكد "حجاب"، أن الحملة التي تم إطلاقها ستسهم بشكل كبير في التقليل من أعداد المرضى، وبشكل تدريجي سيُمحى من مصر نهائيًا، موصيًا بتوفير أطباء وأخصائين نفسيين لتأهيل الأطفال وتوعيتهم بأهمية العلاج مستقبلًا وكيف سيصنع هذا فرقًا في حياتهم.

أما بالنسبة للسمنة، يقول: "يشعر الطفل السمين في كثير من الأوقات بالحرج من الظهور أمام الآخرين، سواء في المدرسة أو النادي وغيرها من الأماكن التي يحرم من ممارسة نشاطه الحركي والاجتماعي فيها ،لما يعانيه من النظرة الانتقادية وكثرة التعليقات على شكله وتصرفاته وحركاته، الأمر الذي يشعره بالنقص وضعف الثقة بالنفس والخجل الاجتماعي".

إخصائي عظام: "لا بد من توفير العلاج وتثقيف المرضى"
أما الدكتور محمد أحمد، إخصائي عظام بمستشفي أم المصريين، أكد أن الأمراض الثلاثة "الأنيميا والتقزم والسمنة" تؤثر بشكل كبير على القوى البدنية لجسم الإنسان، وأن معظم الأطفال يصابون بهذه الأمرض نتيجة الطعام الملوث وغير الصحي، وكذلك المواد الحافظة التي تتسبب في انتشار الأمراض داخل الجسم بشكل كبير.

ويضيف: "من الممكن مقاومة هذه الأمراض الثلاثة التي تؤثر على الأطفال عن طريق وجبات غذائية منظمة بدلًا من الأدوية، لكون الأدوية تعمل بشكل سريع لكنها تؤثر على صحة الطفل في دخول مواد كيميائية إلى معدته.

أما عن "المبادرة" فيرى أن كونها تهدف إلى الكشف المبكر شئ جيد، إلا أنه لا بد من توفير العلاج وتثقيف المرضى بنواحي هذه الأمراض ومخاطرها، ما سيجعلهم أكثر أمانًا وعدم تعرضهم لمثل هذه الأمراض.

معدلات التقزم تتخطى الـ21%
حسب أحدث تقارير منظمة اليونسيف في 2014، تعتبر مصر ضمن ٣٦ بلدًا يتركز فيها ٩٠% من عبء سوء التغذية العالمي؛ ووصلت معدلات التقزم بين الأطفال دون الخامسة إلى ٢١% في ٢٠١٤، بينما وصلت معدلات نحافة الأطفال ونقص الوزن إلى ٨ و٦% على الترتيب، أما الأنيميا تؤثر على 27.2% من الأطفال دون سن الخامسة.

ووضعت منظمة "الفاو" أحدث إحصائية لها في عام 2014 تفيد أن واحد من بين كل ٣ أطفال في مصر يعانى منالتقزم، وتحتل محافظة القليوبية المركز الأول على مستوى الجمهورية في الإصابة بالمرض بنسبة 65%.

كما أصدر المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية، تقريره في 2014 يؤكد فيه أن 20% من أطفال مصر يعانون التقزم الناتج عن سوء التغذية، و27% من الأطفال تحت خمس سنوات مصابون بالأنيميا، وعانى 41 مليون طفل دون سن 5 سنوات زائدي الوزن أو مصابين بالسمنة، واعتبرت أن أمراض السمنة والتقزم والأنيميا تسبب نصف وفيات الأطفال حول العالم.