رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا أحد يحب الأتراك فى صربيا.. "الدستور" فى بلجراد: 96 ساعة فى مدينة شرقية داخل أوروبا

جريدة الدستور

الحياة فى العاصمة الصربية بلجراد تبدو «رائقة»، والشعب يتسم بخفة الظل، ويعشق السهر والضحك، رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، فى تركيبة سكانية فريدة تجمع بين صفات الشرقين والغربيين فى الوقت ذاته.

ولم يقتصر الأمر على البشر فحسب وإنما وصل إلى «الحجر»، فالمبانى هنا، ورغم تحول أغلبها حديثًا إلى الطابع الغربى فإنها، لا تزال تحتفظ بسحر الشرق، وتشبه كثيرًا مبانى القاهرة الخديوية.

على هامش معرض بلجراد الدولى للكتاب فى دورته الـ٦٤، وعلى مدار ٤ أيام، رافقت «الدستور» الوفد المصرى المشارك فى فعاليات المعرض، الذى حلت فيه مصر كـ«ضيف شرف»، وخلال السطور التالية نرصد المظاهر الثقافية فى العاصمة الصربية، حيث الكتاب يحتل مكانة بارزة فى حياة شعبها، وحيث المتاحف شاهدة على عراقة بلد كان مطمعًا للغزاة على مر العصور.

كما سنعرف أسباب كره الصرب للأتراك، وحكاية قلعة «مكدان» التى لا تزال شاهدة على مذابح العثمانيين ضد أبناء الشعب الصربى، ونأخذك فى جولة للتعرف على أبرز معالم العمارة فى شوارع المدينة العتيقة، بجانب زيارة متحف الروائى الصربى الأشهر، الحائز على جائزة نوبل فى الأدب ١٩٦١، إيفو أندريتش، فضلًا عن التعرف على نجاحات الجناح المصرى فى المعرض.


بيوت تشبه القاهرة التاريخية.. شعب يحب السهر.. والمحال تُغلَق فى الثامنة مساءً

منذ اللحظات الأولى لوصولنا إلى مدينة بلجراد، جذبت انتباهنا مظاهر العمارة القديمة، لتشعر بأنك فى القاهرة التاريخية، لكنها تختلف بكثافة الخضرة والأشجار التى ترافقك أثناء سيرك فى الشوارع، فنادرًا ما تجد شارعًا خاليًا من الأشجار والخضرة بشكل عام، فى ظل تمتع البلد بالخضرة الكثيرة والأشجار متوسطة الارتفاع التى تتوازى مع جميع الشوارع.
العمارة فى بلجراد تتنوّع أشكالها بطريقة ملحوظة، فوسط ناحية «زيمون» فى القسم الشمالى من المدينة، المبانى وفق النمط المعمارى النمطى لأوروبا الوسطى، حيث تسود البيوت القرمدية «المطلية بالجبس» والشوارع الضيقة، بينما بلجراد الجديدة مشيدة وفق الأنماط المعمارية الحديثة، فتنتشر فيها الشوارع الفسيحة وبها الأبنية الأسمنتية الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية.
ويسيطر على بلجراد الطابع الغربى فى العمارة، وتحولت بشكل تدريجى من مدينة ذات طابع شرقى إلى مدينة غربيّة الملامح، وشُيدت فيها مبان وفق النمط التقليدى الحديث، والرومانسى، والأكاديمى.
وتولّى المعماريون الصرب المشروعات العمرانية فى المدينة، خلال أواخر القرن التاسع عشر، بعد أن كان يتولاها أجانب، فأنشأوا عددًا من المعالم، أبرزها: المسرح الوطنى، القصر العتيق، وكاتدرائية القديس ميخائيل، وأضافوا إليها فى أوائل القرن العشرين مبنى الجمعية الوطنية فى صربيا والمتحف الوطنى، وفقًا لنمط الفن الحديث.
من الناحية الإنسانية، تبدو الحياة فى بلجراد رائقة، فهم شعب يتسم بخفة الظل، يعشق السهر والضحك، رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، فمتوسط الأجور ليس مرتفعًا مثل بقية الدول الأوروبية، ويتراوح ما بين ٢٥٠ و٥٠٠ دولار شهريًا، ويعتبر ذلك المبلغ بالنسبة لهم ضئيلًا، لكنهم يعيشون به دون اعتراض، لأنهم يعملون على بناء الدولة، ويسعون للحاق بركب جيرانهم الأوروبيين.
يعيش الجميع فى سلام تام، ويسود الهدوء الأجواء، حتى مظاهراتهم تبدو هادئة تمامًا، فجذب انتباهنا وجود مظاهرة فى حديقة أمام الفندق الذى أقمنا فيه، وتحيط بأحد القصور الرئاسية بوسط المدينة، وتبعد ٥٠ مترًا فقط عن مبنى البرلمان، وعند استفسارنا عن الأمر، عرفنا أنها بسبب زيارة رئيس الوزراء الروسى إلى بلادهم، فالشباب من أبناء عاصمة صربيا رفضوا تلك الزيارة، اعتقادًا منهم أنها بداية لعودة صربيا لتكون تابعة لروسيا كما كانت من قبل، وكشف لنا أحد المسئولين بالفندق أن رئيس صربيا حدد للمتظاهرين يوم السبت من كل أسبوع للتظاهر والتعبير عن رأيهم كما يريدون، لكن تلك المظاهرات والاعتصامات، دون هتافات، أو تعطيل لحركة المرور أو أى أعمال شغب.
والجميع فى بلجراد يحترم القانون والنظام، وكان ذلك واضحًا بشكل كبير فى إشارات المرور، فالكل يلتزم بها، ولا يعبر أحد الطريق مخالفًا، ويغضبون بشدة مما يفعل ذلك الخطأ الجسيم بالنسبة لهم.
وتنفذ المحال التجارية القانون أيضًا فى مواعيد الفتح والإغلاق، فيتم فتح المحلات فى التاسعة صباحًا وتغلق جميعها فى الثامنة مساءً باستثناء الكافيهات التى يستمر بعضها طيلة الـ٢٤ ساعة، كما ينفذ العاملون بالمحال قانون رد البضاعة أو استبدالها لمدة ١٤ يومًا من تاريخ الشراء إذا لم تعجب «الزبون»، دون أى إزعاج أو مماطلة.
الطقس فى بلجراد متقلب باستمرار، حتى إننا نمر بالفصول الأربعة فى يوم واحد، وتكرر الأمر عدة أيام، فظهر فيه مزيج من عدّة أنماط مناخية: المحيطى، والقارى الجاف، والرطب شبه المدارى.


الكل يكره العثمانيين بسبب مذابحهم وقت الاحتلال.. والمبانى العتيقة شاهدة على الجرائم

لم أتخيل أن طلبى فنجانًا من القهوة التركى سيكون سببًا فى استفزاز النادل الصربى، فالرجل تحولت ابتسامته الهادئة إلى غضب واضح على ملامح وجهه، وعندما استفسرت منه، قال إن الصرب يكرهون الأتراك بسبب ما تعرضوا له على أيدى أجدادهم العثمانيين من عذاب وخراب طوال فترة احتلالهم الدولة.
فى بلجراد، لا تزال بعض المبانى التى تعرضت للتخريب على أيدى العثمانيين، كما هى، تركتها الحكومات المتعاقبة لتكون شاهدًا على همجية العثمانيين، ولتذكر الأجيال الحالية واللاحقة بما فعله الأتراك من مذابح وخراب، ومن بين تلك المبانى مبنى وزارة الدفاع الصربى، وقلعة «مكدان».
وتعد قلعة «مكدان» أقدم مبانى المدينة، وتقع اليوم ضمن حدود المنتزه الذى يحمل نفس الاسم، وفيها جرت العديد من مذابح العثمانيين ضد أبناء بلجراد.
وتظهر الآثار المتواجدة فى القلعة أن أقدم حضارتين قامتا فى المنطقة هما حضارتا «الڤينكا» و«ستارخيڤو»، اللتان تعودان للعصر الحجرى الحديث، أى منذ ما يُقارب ٧ آلاف سنة، وقد سيطرتا على كامل البلقان بالإضافة لأجزاء من أوروبا الوسطى وآسيا الصغرى، ويعتقد بعض العلماء أن الرموز «الڤينكيّة» التى عُثر عليها فى تلك المنطقة تُمثل إحدى أقدم الأبجديات المعروفة فى العالم.
ومرت مدينة بلجراد بما يقرب من ١١٥ حربًا، خاضتها أمم مختلفة لتسيطر على المدينة طمعًا فى موقعها الاستراتيجى، وتمّت تسويتها بالأرض ٤٤ مرة على يد بعض تلك الجيوش، وخضعت خلال العصور الوسطى لسيطرة الروم البيزنطيين، والبلغار، والمجر.
وفى سنة ١٥٢١ ميلادية غزاها العثمانيون، إلا أنها استطاعت التخلص من الحكم العثمانى، الذى ترك آثارًا جسيمة فى المدينة وتراثها، ومعمارها التاريخى حتى يومنا هذا، وبعدها أكمل حلف «ناتو» مسيرة التدمير التى بدأها العثمانيون.
وتحت الحكم العثمانى شهدت صربيا انتهاكات واسعة، إذ جرى القضاء على النبلاء فى كل الأراضى الصربية جنوب نهرى الدانوب وسافا، وأصبح الفلاحون تحت وصاية «السادة العثمانيين»، وفر الكثير من رجال الدين أو أجبروا على البقاء فى الأديرة المنعزلة.
كما اعتبر الصرب المسيحيون أقل شأنا من الباقى، وتعرضوا للضرائب الباهظة، وألغى العثمانيون البطريركية الصربية عام ١٤٥٩ ولكن تمت إعادة تأسيسها فى ١٥٥٧. واستمرت الثورة الصربية من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية أحد عشر عاما، من ١٨٠٤ حتى ١٨١٥، ومرت الثورة بانتفاضتين منفصلتين، حيث ظفرت صربيا بالحكم الذاتى عن الدولة العثمانية ١٨٣٠ تطور فى نهاية المطاف نحو الاستقلال الكامل ١٨٧٨.


كيف خطف الجناح المصرى الجميع فى معرض كتاب «بلد المكتبات ؟»

الثقافة فى بلجراد حاضرة بشكل كبير، فتلك المدينة تتميز بانتشار المكتبات بصورة ملحوظة للجميع، حتى إن بعض شوارعها يضم قرابة ٧ مكتبات، والبعض الآخر مكتبتين، وفى العموم لا يخلو شارع واحد من مكتبة.
أضف إلى ذلك التماثيل التى تزين الميادين والشوارع، فكل ميدان به تمثال لكاتب أو أديب، أو شخصية عسكرية لها تأثير ومكانة كبيرة فى قلوب أبناء البلد، كما أن الموسيقى الشعبية تجوب الشوارع والميادين من حين لآخر على مدار اليوم، وهذا دليل واضح على تحضر مواطنيها وثقافتهم العالية، وساهم فى أن يكون لمعرض بلجراد الدولى للكتاب صدى وإقبالًا كبيرًا من المواطنين مختلفى الثقافات ومتباينى الأعمار.
وشارك فى الدورة الـ٦٤ من معرض بلجراد الدولى للكتاب قرابة ٤٤٠ دار نشر، تنوعت ما بين دور النشر العامة والخاصة، ومن أبرزها: «فولكان»، و«لاجونا»، و«جيوبوتكا»، فضلًا عن دور النشر التابعة للجامعات، ودور النشر التابعة للدولة، وهى الدور الخاصة بالشرطة والجيش، وأجنحة المؤسسات الدينية، من الكنائس والأديرة.
ولم يقتصر المعرض على دور النشر المتخصصة فى بيع الكتب فقط، إنما كان هناك أجنحة متخصصة لإجراء «مساج» لرواد المعرض، وكذلك أجنحة خاصة ببيع الألعاب للأطفال، والأجهزة الإلكترونية الصغيرة، وشهد إقبالا كبيرًا هذا العام تخطى الـ٤٠٠ ألف مواطن صربى، ويعتبر هذا الرقم بالنسبة لهم كبيرًا، خاصة أن عدد سكان دولة صربيا لا يتعدى الـ٧ ملايين مواطن، منهم فى بلجراد وحدها قرابة الـ٢ مليون.
وشاركت مصر فى المعرض كضيف شرف، لأول مرة فى تاريخها، وجاءت تلك المشاركة مؤثرة بشكل كبير فى المواطنين الصربيين، الذين استقبلوها بفرح وسعادة عارمة، خاصة أن الجناح المصرى صُمم على التراث الفرعونى، الذى يعشقه العالم أجمع.
ومثل مصر فى المعرض، الذى أقيم فى الفترة من ٢٠ حتى ٢٧ أكتوبر الجارى، عدد من قطاعات وزارة الثقافة، وهى: دار الأوبرا المصرية، والمركز القومى للترجمة، ودار الكتب والوثائق القومية، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية، والمركز القومى للسينما، والهيئة العامة للكتاب.
وسلمت مصر سجل ضيف الشرف للدورة الـ٦٥ من المعرض، المقرر إقامتها فى ٢٠٢٠، إلى رومانيا، فى حفل الختام الذى أقيم مساء الأحد الماضى، فى قاعة المعارض الدولية بصربيا.
وترأست وزيرة الثقافة المصرية وفدًا مكونًا من ٦٠ فنانًا وأديبًا ومفكرًا فى معرض بلجراد، وقالت إن دعوة مصر للمشاركة كضيف شرف فى الدورة الـ٦٤ من معرض بلجراد الدولى، أحد أعرق المعارض المتخصصة فى أوروبا، تعكس الدور المؤثر للقوى الناعمة فى التواصل مع الأمم.
وصُمم الجناح المصرى بشكل يعبر عن الحضارة المصرية على مساحة ٢٠٠ متر، وضم ٥٣٥ عنوانًا من إصدارات قطاعات وزارة الثقافة المختلفة، بالإضافة إلى أنشطة فكرية وفنية تبرز الهوية المصرية المتفردة والحراك الإبداعى فى المجتمع.
ونجح الجناح المصرى فى خطف الأنظار بطابعه الفرعونى وبما يحتويه من كنوز الكتب باللغات العربية والإنجليزية، بجانب الأنشطة الفنية والأدبية والفكرية.
وتواصلت الأنشطة الفكرية والفنية المصرية المصاحبة على مدار أيام انعقاد المعرض، وشملت حفلات لفرقة باليه أوبرا القاهرة، وورشًا فنية تشكيلية متنوعة وأخرى للخط العربى وفن الكاريكاتير للطفل، بالإضافة إلى عروض للأراجوز وأمسيات موسيقية وشعرية، إضافة إلى عدد من حفلات توقيع الكتب والندوات والأفلام السينمائية من إنتاج المركز القومى للسينما.
وأقيمت الفعاليات بمشاركة المبدعين المصريين والناشرين: محمد سلماوى، ومحمد بغدادى، وهانى شمس، وحسن زكى، ومى خالد، ومنصورة عزالدين، وسلوى بكر، وشريف بكر، وطارق الطاهر، والدكتور ممدوح الدماطى، والدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومى للترجمة، والفنان خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، والدكتور أحمد عواض، رئيس هيئة قصور الثقافة، وآخرين.
كما تضمن برنامج البعثة المصرية لقاء وزيرة الثقافة مع نظيرها الصربى فالدان فوكو سافلجيفيتش، بمقر وزارة الثقافة والإعلام، إلى جانب زيارة مشتركة وجولة فى المتحف الوطنى فى بلجراد أعقبه مؤتمر صحفى صباح يوم الافتتاح، فضلًا عن زيارات للمؤسسات المساهمة فى عاصمة الثقافة الأوروبية لعام ٢٠٢١، واجتماع مع إيجور موروفيتش، رئيس حكومة إقليم فويفودينا المتمتع بالحكم الذاتى، وعمدة مدينة نوفى ساد، ورئيس مؤسسة نوفى ساد.
واتفقت وزارة الثقافة المصرية مع نظيرتها الصربية على التبادل فى ذات المجال، لتوطيد أواصر الصداقة والمحبة وتعزيز العلاقات مع شعوب العالم، حيث أصدرت هيئة الكتاب ثلاثة عناوين جديدة باللغة الصربية ضمن السعى لفتح آفاق التعريف بالإبداع المصرى.
وتدرس وزيرة الثقافة توقيع اتفاقيات شراكة لتبادل الخبرات فى مجال المتاحف، خاصة ترميم وحماية المقتنيات من خلال الهيئات الثقافية المتخصصة فى البلدين.
ووضع وزيرا ثقافة مصر وصربيا أسسًا لمذكرة تفاهم تمهيدًا لتوقيع بروتوكول لبحث سبل تعزيز التعاون الثقافى والفنى بين البلدين، وناقشا إعداد مذكرة تفاهم مشترك تمهيدًا لتوقيع بروتوكول تعاون يخدم البلدين، لتنفيذ عدد من المشروعات فى مختلف المجالات الفنية والفكرية، التى من شأنها إلقاء الضوء على الحراك الإبداعى فى المجتمعين، ومنها وضع أجندة مشاركات دائمة وثابتة على الخريطة الثقافية للبلدين، وتبادل الخبرات فى مجالات المكتبات والمعارض الفنية وتنظيم مهرجانات سينمائية، وأسابيع ثقافية متبادلة، وإقامة مشروع للترجمات العكسية، وتبادل الفرق الفنية ودراسة إمكانية تقديم أعمال فنية مشتركة تعكس الروابط بين الشعبين.
واتفق الطرفان على ضرورة البدء فى تنفيذ مشروعات التبادل الفنى والثقافى التى تمت مناقشتها خلال اللقاء، كما تم الاتفاق مع إيجور موروفيتش، عمدة مدينة نوفى ساد، التابعة لمقاطعة فويفودينا، على بحث سبل تعزيز التعاون المشترك والمتبادل فى مجال الأنشطة الثقافية والفنية، ومشاركة مصر بفنونها وفرقها فى احتفالات اختيار مدينة نوفى ساد عاصمة للثقافة عام ٢٠٢١، خاصة بعد الإقبال الكبير من الجمهور على الفنون المصرية المتنوعة، وتمت مناقشة مشروع لإقامة توأمة فنية وثقافية تجسد عمق وقوة العلاقات وتمثل جسرًا لتلاقى الثقافات بين الشعبين.
وتم الاتفاق على فتح آفاق جديدة مع مترجمين وناشرين وكتاب ومثقفين لإقامة مشروعات نشر مشتركة تم الاتفاق فعليًا على آليات تنفيذ بعضها، منها ترجمة كتابى «القاهرة التاريخية» و«الصيدلة فى مصر الفرعونية».
وتستعد الهيئة المصرية العامة للكتاب لإعداد مشروع لعرضه على وزيرة الثقافة يهدف إلى دعم الترجمة فى النشر الحكومى، من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وأصبحت هيئة الكتاب شريكًا فى صناعة الكتاب، الذى يباع بالخارج، من خلال الحصول على نصف العائد من المبيعات.


«ملكات مصر» و«الأعمدة السبعة» الأكثر مبيعًا
نفدت الطبعة العربية من كتاب «ملكات مصر»، للدكتور ممدوح الدماطى، ضمن معروضات الدورة الـ٦٤ من معرض بلجراد الدولى للكتاب. ويتناول الكتاب الذى أثار إعجاب زائرى المعرض سيرة المرأة المصرية ومكانتها عبر العصور، خاصة فى العالم القديم، من حيث وصولها إلى سدة الحكم فى كثير من فترات التاريخ المصرى، عارضًا تاريخ الملكات اللاتى حكمن مصر حكمًا منفردًا، بدءًا من ملكات العصر الفرعونى، مرورًا بالعصر البطلمى، حتى حكم السلطانة شجر الدر فى نهاية العصر الأيوبى وبداية العصر المملوكى. ويضم الكتاب ٥ فصول عن ٢٠ ملكة مصرية، الأول بعنوان: «المرأة ومكانتها فى مصر القديمة»، والثانى «ملكات العصر الفرعونى»، وهن: «الملكة مريت- نيت، الملكة خنتكاوس، الملكة نيت- إقرت، الملكة نفروسوبك، الملكة حتشبسوت، الملكة نفرتيتى، الملكة تاوسرت»، والثالث: «المتعبدات الإلهيات»، وهن: «شبنوبت الأولى، وأمنرديس الأولى، وشبنوبن الثانية، ونيت- إقرت، وعنخنسفريبرع» وجاء الفصل الرابع بعنوان: «الملكات البطلميات»، وهن: الملكة أرسنوى الثانية، والملكة برنيكى الثانية، والملكة كليوباترا الأولى، والملكة كليوباترا الثانية، والملكة كليوباترا الثالثة، والملكة كليوباترا برنيكى الثالثة، والملكتان كليوباترا السادسة ترافينا، وبرنيكى الرابعة، والملكة كليوباترا السابعة، فيما حمل الفصل الخامس عنوان: «السلطانة شجر الدر». أما الكتاب الثانى فى قائمة الأكثر مبيعًا فهو كتاب «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب باللغة الإنجليزية، للمفكر ميلاد حنا، ويتكون من مقدمة و٥ فصول فى نحو ١٦٠ صفحة. ويتناول الكاتب فى المقدمة فكرة الأعمدة السبعة المؤثرة فى تكوين الشخصية المصرية، التى تضم ٣ أعمدة مرتبطة بالجغرافيا، وهى الانتماء العربى والإفريقى وبدول البحر المتوسط، ثم ٤ أعمدة أخرى مرتبطة بالتاريخ المصرى، هى: الانتماء الفرعونى ثم اليونانى والرومانى معًا ثم القبطى ثم الإسلامى.
«متحف داخل شقة».. هنا عاش أديب نوبل الصربى إيفو أندريتش

عقب وصولنا إلى بلجراد وزيارة المعرض، بدأنا فى البحث عن أبرز المتاحف الفنية، وأشهر الأدباء الصربيين المعاصرين، ولحسن حظنا علمنا أن الأديب الصربى الكبير إيفو أندريتش، الحاصل على جائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٦١، له متحف مقام فى شقته.

 

وضمن وفد ضم عددًا من المصريين الذين أتوا للمشاركة فى المعرض، منهم الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار السابق، والكاتب الكبير محمد سلماوى، توجهنا لزيارة المتحف لنتعرف على مسيرة حياة أديب نوبل الصربى، وأبرز أعماله.

استقبلتنا مديرة المتحف، وهى شابة ثلاثينية، بترحاب شديد، واصطحبتنا فى جولة استمرت قرابة الساعة ونصف الساعة داخل المتحف، وكان أول ما جذب نظرنا هو كيفية استغلال المكان، لأنه مجرد شقة عاش فيها «إيفو»، وأبقوا على معظم غرفها، خاصة غرفة الاستقبال والطعام ومكتبه الشخصى، لكنهم بدلًا من غرفتى النوم أقاموا صالة عرض.

وتعتبر هذه الصالة درسًا فى كيفية إقامة متحف الغرفة الواحدة، ففى الغرفة تجد متحفًا كاملًا يسجل تاريخ «إيفو» من الميلاد عام ١٨٩٢ إلى وفاته عام ١٩٧٥، متضمنة صوره الشخصية وشهاداته الدراسية والأوسمة والجوائز، من بينها ميدالية «نوبل» الذهبية، التى حصدها عام ١٩٦١، والشهادة المصاحبة لها، وخطاباته الشخصية بخط يده، وكتبه بالترجمات المختلفة، وذلك كله فى قاعة واحدة تقوم على عرض متحفى جذاب وسهل المتابعة.

وإلى جانب ميدالية «نوبل» الذهبية، وشهادة الجائزة التى تتضمن رسومًا مستوحاة من أعمال الكاتب نفسه، وأهداها لزوجته، كان من بين المعروضات أيضًا الكلمة التى ألقاها فى احتفاله بـ«نوبل» بخط يده، وكذلك خطابات كتبها «إيفو» لزوجته بخط يده، أثناء سفرياته للخارج، وكان من بينها خطاب أرسله لها من القاهرة.

وتضمن مكتبه الشخصى مكتبين صغيرين. وشرحت لى مديرة المتحف، واسمها «مينا»، أنه كان يكتب روايته بخط اليد على أحد المكتبين، ثم ينتقل إلى المكتب الآخر ليدون ما كتبه على الآلة الكاتبة، وكان هناك دفتر مفتوح على المكتب على آخر صفحة كتبها إيفو أندريتش، عبارة عن مسودة لرواية لم تكتمل.

وضم المتحف أيضًا بعض اللوحات الفنية التى أهداها إليه كبار الفنانين التشكيليين فى يوغوسلافيا، ومن بينها بورتريه رائع لزوجة «إيفو»، فضلًا عن الترجمات العربية لرواياته، خاصة رائعته الأشهر «جسر على نهر درينا»، التى ترجمها الأديب السورى الكبير سامى الدروبى، عن اللغة الفرنسية، وكان سفير سوريا فى القاهرة وجمعته علاقات صداقة قوية مع المثقفين المصريين فى ستينيات القرن الماضى.

وجذب نظرى وجود رواية أخرى لـ«إيفو» ترجمها أيضًا «الدروبى»، لكنها تكاد تكون غير معروفة عندنا فى الوطن العربى، واسمها «وقائع مدينة ترافينك»، تلك المدينة التى ولد بها «أندريتش» فى جمهورية يوغوسلافيا.

وخلال تجوالنا بالمتحف لاحظت عدم وجود مطبخ فى الشقة فسألت مديرته، فأدخلتنى إلى مكتبها وقالت لى: «هذا المطبخ.. حولناه إلى مكتب».

وتذكرت أثناء تجوالى فى المتحف أدباءنا وكتابنا الكبار، وكيف تكون المشكلة دائمًا فى إقامة متحف لهم، وأنه لا يوجد مكان لإقامة المتحف المطلوب، بينما هم فى بلجراد حولوا شقة سكنية عادية جدًّا إلى متحف شامل يضم كل ما تريد معرفته عن الكاتب.

وإيفو أندريتش، هو كاتب وسياسى وُلد فى مدينة ترافنيك فى البوسنة، لكنه أعلن أنه صِربى بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب انتمائه إلى صرب البوسنة، وتُوُفِّىَ والده وهو ابن عامَيْن، وأنهى دراسته الثانوية بصعوبة فى مدينة سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، ودرس الأدب والتاريخ فى زغرب، عاصمة كرواتيا، فى الفترة ١٩١٢ حتى ١٩١٣، وفيينا، عاصمة النمسا، فى الفترة من ١٩١٣ حتى ١٩١٤.

نشأ «أندريتش» فى بيئة متمازجة من المسلمين والمسيحيين واليهود، وهذا الأمر ترك بصمةً مؤثّرة فى رواياته، فبدأ حياته سياسيًّا فى خدمة الأهداف التوسعية لمملكة صربيا، وأسَّس فى أواخر عام ١٩١١ منظمة الشبيبة السِّرية التى عُرفت لاحقًا باسم «البوسنة الفتاة» بعد أن تمكنت من اغتيال ولى عهد النمسا فى سراييفو ١٩١٤، وكان ذلك سببًا فى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وتبوأ «أندريتش» مكانة سياسية فى الدولة الجديدة «مملكة يوغوسلافيا»، التى كانت قد توسَّعت عن مملكة صربيا، وفى عام ١٩٢٠، انتقل إلى العمل الدبلوماسى فى الخارج، وتنقَّل فى بلدان كثيرة، وحصل على الدكتوراه من جامعة جراتس النمساوية عام ١٩٢٤ عن أطروحته «تطور الحياة الروحية فى البوسنة تحت تأثير الحكم التركى»، ونُصِّب فى عام ١٩٣٧ نائبًا لوزير الخارجية، واختير فى عام ١٩٣٩ سفيرًا ليوغوسلافيا فى برلين.

وفى العام ١٩٤١، عاد إلى بلجراد، بعد الغزو الألمانى ليوغوسلافيا، وعاش فى فندق «mercure»، ذلك الفندق الذى نزل فيه الوفد المصرى المشارك فى معرض بلجراد حاليًا، ولحسن حظ الدكتور هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب، نزل فى الغرفة التى كان يقطنها «إيفو» لعدة سنوات، وتزين حوائطها بصوره.

عاش «إيفو» هُناك فى عُزلة تامة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، مُفضِّلًا أن يتفرَّغ لكتابة رواياته، لئلا يُؤخَذ عليه أى موقف من الحرب الدائرة، وبعد فترة من الزمان قرر ترك الفندق وشراء شقة فى المحيط المتواجد به ذلك الفندق، نظرًا لموقعه المتميز فى وسط بلجراد، وهى الشقة التى استمر فيها حتى موته وتحولت بعد رحيله إلى متحف يحمل اسمه ليخلده طوال الزمان.

وفى العام ١٩٤٦، حصل على جائزة الدولة عن روايته «جسر على نهر درينا»، وفى العام نفسه، أصبح رئيسًا لاتحاد الكتاب فى يوغوسلافيا.

وتُعتبَر روايته «الفناء الملعون» الصادرة عام ١٩٥٤ من أهم رواياته على الإطلاق، حسب كلام «مينا»، مديرة المتحف، وهى التى أسهمت بشكل كبير فى منحه جائزة نوبل للآداب ١٩٦١، وتتَّسم بالواقعية الفلسفية والتاريخية، إلى جانب النَّزعة الإنسانية، مع تأكيد القيم الروحية، وأهمية الحضارات القديمة والحديثة.

وتحكى الرواية قصة راهب مسيحى مسجون فى سجن تركى فى إسطنبول، حيث يتعرَّف إلى باشا تركى مسكون بهاجس أحد السلاطين القدماء، كما تُقدِّم الرواية شخصيات متنوعة مِثل: اليهودى المتشكِّك، وقراقوش التركى غريب الأطوار، والرُّهبان الحاسدين فى الدَّير البعيد فى البوسنة.

ولاقت رواياته رواجًا عالميًّا بعد فوزه بجائزة نوبل، وبعد عام ١٩٦٧ أُثيرت أسئلة كثيرة حول نقاط غامضة فى نشاطه السياسى المشبوه، وحول مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين فى يوغوسلافيا، سواءٌ أثناء عمله فى الخارجية، أو فى رواياته.

وتتميَّز رواياته، خاصة «جسر على نهر درينا»، و«وقائع مدينة ترافنيك»، باعتمادها على مصادر تاريخية متحيزة وانتقائية وغَير مَوثوقة، تخدم الخط السياسى للمؤلف.

وقد كان التاريخُ قيمة أساسية فى أعماله الأدبية، تُسيطر على تفكيره، وهذا يُفسِّر اهتمامه الشديد بالرواية التاريخية، والعودة إلى الماضى، فرواية «الفناء الملعون» تَدور أحداثها فى العام ١٤٣٢م، وتَحكى عن رجل تخيل نفسه تناسخًا روحيًّا مع جمشيد «ابن السلطان محمد الفاتح»، وروايته «وقائع مدينة ترافنيك»، تدور أحداثها فى العام ١٥٦٠م، وتحكى عن الثورات التى قامت فى المدينة للانفصال عن الحكم العثمانى فى تلك الفترة، ورواية «جسر على نهر درينا» تدور أحداثُها عام ١٥٧١، وتحكى عن الأحداث التى شهدتها مدينة فيتشيجراد، وهذا الجسر الحجرى الشهير أُقيم على نهر درينا بمدينة فيتشيجراد، وكان الغرض من إقامته أن يربط بين البوسنة والصرب.