رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشرقاوي: قلت لمبارك لا يوجد ديمقراطية.. ورافضي "هولاكو" جهلة

جلال الشرقاوي
جلال الشرقاوي

الستينات العصر الذهبي للمسرح.. والتليفزيون هزمه بالقاضية

المسرح المصري مازال محتفظ بشموخه.. والدول العربية لم تنجح في مجاراته



هو أحد الأركان الشامخة في عالم المسرح، نجح في أن يحفر اسمه بحروف من نور داخل العوالم الثرية لـ "أبو الفنون"، نسج فوق خشبته آمال شعب وعبر عن أحلام أمة، فاستحق الخلود في وجدان الجماهير والحضور في ذاكرة الوطن، إنه المخرج المسرحي الكبير جلال الشرقاوي، الذي التقته "الدستور" ليفتح قلبه ويتحدث عن عرض "هولاكو" بالإضافة إلى أهم المحطات في مسيرته الفنية.. فإلى نص الحوار.

- لماذا تأخر ظهور عرض "هولاكو" منذ ثلاث سنوات وهو في مرحلة التحضيرات؟
المشكلة أن الشؤون الإدارية والمالية والقانونية في قلعة المسرح خاصة والفنون بشكل عام في عداء شديد مع الفنانين وهم أستاتذة في سن قوانين ولوائح لتعطيل العمل الفني سواء ماديًا أو فنيًا ويرجع لهم الفضل في تعطيل العرض.

- وهل انتهت هذه المشاكل أم لازالت متواجدة؟
شهادة حق أن الدكتورة وزيرة الثقافة عندما تولت هذا المنصب طلبتني أنا والشاعر فاروق جويدة وقيادات مسرحية مثل الدكتور خالد جلال ومدير المسرح القومي وإسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح واجتمعت بنا وسألت عن مشاكلنا وعرضناها عليها وقامت بتوجيه حديثها لقيادات المسرح قائلة لهم "أننا اجتمعنا سويًا من قبل واتفقنا أن هناك نوع من الخصام المستمر بين الإدارات وبين الفنانين واتفقنا أن هذا الخصام سيكون فيه خسارة ومكسب واتفقنا أيضًا أننا سنكون فائزين فهيا بنا نكسر هذا الخصام" ثم توجهت لهم بسؤال هل يصح أن يسير المسرح المصري على لائحة تم وضعها عام 1935 فهذه اللائحة يجب تغييرها بشكل عاجل.

- هل ترى أن هذه اللائحة هي السبب في هروب الفنانين من المسرح؟
بالفعل هذه اللائحة هي السبب لأن الممثل في المسرح يحصل علي أجر 10 أو 15 ألف جنيه في الوقت الذي يكون أجره عن مسلسل أو فيلم يتعدى الملايين، فكيف سيقدم أعمال مسرحية بهذا الأجر القليل فيجب تغييرها بشكل عاجل، ووزيرة الثقافة فنانة مستنيرة وتتفهم جيدًا هذة المشاكل والتحديات لأنها عايشتها أثناء عملها بالأوبرا وأعتقد أنها ستنجح في ذلك.

- هل اعتذر أبطال العرض عن المشاركة؟
كنت أمتلك الشخصيات الرئيسية وكمال أبو رية ورغدة وباقي الشخصيات من شباب المسرح القومي وتلاميذي من المعهد العالي للفنون المسرحية وهذا منذ عام، وعندما طلبتهم مرة أخرى وجدتهم مشغولين بأعمال أخرى ولذلك بدأنا حلقة الوصل من جديد في البحث عن أبطال آخرين لأن رغدة وكمال وفاروق أصبحوا غير متواجدين، واستقرينا بالفعل علي أشرف عبد الغفور وعفاف شعيب.

- ماذا عن قصة العرض؟
تخيل الشاعر فاروق جويدة عندما يتوغل في التاريخ ويجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في زمن واحد على كافة المستويات الملابس والديكور وهى تركيبة غير واقعية على الإطلاق وهي واقعية جدًا في طبيعة الأمر، والعرض ليس ثقيل بل هو خفيف وسيكون نسمة على قلوب الجماهير ولكن مشاكله التكنيكية كثيرة، العرض له 12 ديكور و26 شخصية جميعهم مؤثرون حتى الشخصية التي تقدم مشهد واحد مهمة جدًا وتتسبب في تطور الأحداث.

- لماذا اعتذر عدد كبير من الفنانين عن المشاركة في العرض؟
لأن الأجر عن العمل المسرحي قليل للغاية مقارنة بالأعمال الدرامية والمسرحية، ولأن المسرحية شعرية ولكن لا يوجد بها تقعر أنما الفنانون يخافون تقديم المسرح وبالأخص الشعر لأنهم ليسوا مثقفين بالشكل الكامل، ولكن العرض خفيف، وقدمت من قبل مسرحية "الخديوي" مع فاروق جويدة على مسرح البالون وظلت لمدة عامين المسرح في كل ليلة ارش كومبليه.

- ولماذا لم تقم بإقناع الفنانين الذين اعتذروا بالعودة للمشاركة في العرض؟
لا يمكن ان أفعل هذا لأن الفنان الذي يرفض عرض مسرحي بهذه القيمة هو شئ من الاثنين "غبي أو جاهل" مهما كانت ظروفه وأنا لا أعفيهم من هذه المسؤولية، والرواية النجم الحقيقي لها هو العرض وليس شخص بعينه.

- قدمت طوال مشوارك الفني أعمال سياسية فهل واجهتك مشاكل إثر ذلك؟
المسرح منذ نشأته سواء كان فرعوني أو يوناني فهو مسرح سياسي، على مدى التاريخ لا يوجد مسرح فقط كل العروض التي تقدم تنتمي للمسرح السياسي، "ست عندما قتل أوزوريس" كان صراعًا على السلطة، وأول مسرحية عند الإغريق كانت تسمى "الفرس" وكانت تقارن بين الديكتاتورية في فارس والديمقراطية في أثينا وبعد ذلك عرض "أنتيجون" وهو صراع بين قانون الديكتاتور وقانون الجماهير، هذا في الماضي أما في الحاضر فأصبح الاقتصاد يتدخل في المسرح مع السياسة وأصبحا عامل مشترك ويشكلان بعد آخر هو الاجتماعي، ولذلك أي مسرحية تعالج مشكلة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية هي تنتمي للمسرح السياسي.

- عاصرت بأعمالك المسرحية جميع رؤساء مصر، فمن منهم كان يقدر المسرح؟
لا يوجد أي رئيس لمصر من السابقين يقدر العمل المسرحي، لأن الأعمال المسرحية التي أقدمها ضد السلطة، جميع الرؤساء كانوا يهاجمون أعمالي المسرحية عهد السادات وعبدالناصر ومبارك حدث ولا حرج، خوف الرؤساء على مر العصور من المسرح لأنهم كانوا يرون أنه يهدد عروشهم، وأتذكر عندما كنت أقدم رواية "على الرصيف" كان الجمهور يخرج من المسرح بمظاهرة، وما حدث بعد عرض "دستور يا أسيادنا" كان تاريخيًا.

- ما الذي حدث تحديدًا لكي يحاصر الأمن المركزي المسرح؟
المسرحية كانت تعرض وقت انتخابات الرئاسة، وكان مجلس الشعب هو الذي ينتخب الرئيس ومجلس الشعب كان ملك النظام بالتالي كانوا يختارون مبارك، والراوية كانت عبارة عن شخص وخطيبته يريدون الزواج من بعض ولا يقدرون على ذلك وأثناء لقائهما بعد انتهاء عملهما وهما يأكلان سندوتشات الفول والطعمية الغذاء اليومي لهم يجدان في ورقة الجورنال الذي تم لف بها السندوتشات خبر بعنوان "فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية" فبعدما قرر الشاب الانتحار يقرر الترشح للرئاسة بدلًا من الانتحار، وأتذكر جيدًا جريدة الجمهورية في هذا التوقيت كانت تنشر في الصفحة الأولى صورة لمبارك يعلن من خلالها ترشحها للرئاسة أشتريت في ذلك الوقت كل أعداد جريدة الجمهورية من السوق وفي كل عرض كان يأخذ بطل العرض "أحمد بدير" جورنال ويمسك صورة الرئيس في الصفحة الأولى ويتحدث مع الجمهور قائلًا "انا مش هترشح ضد مبارك أنا هترشح مع مبارك اللي عاوز مبارك ماشي واللي عاوزني بردو ماشي" بالإضافة إلى أن العرض بشكل يومي كان فيه مشهد مرتجل عبارة أن بطل العرض يأتي له مندوب من رئاسة الجمهورية يأخذه للرئيس من أجل ان يشكره لترشحه للرئاسة وفي الحقيقة هذا المندوب نصاب وليس حقيقي ويقوم البطل بالوقوف وسط الجمهور في الصالة ويقول لهم "حد عاوز حاجة من رئيس الجمهورية" وآخر لقطة في العرض أن البطل يدخل مستشفى المجانين لذلك قاموا بمحاربتها وحدثت ضجة إعلامية عالمية في ذلك الوقت.

- ما الضجة التي حدثت بالضبط؟
في هذه الليلة داخل الساعة السابعة كعادتي وجدت سيارة أمن مركزي تقف بجانب المسرح وسألت أمن المسرح لماذا تقف هذه السيارة هنا أخبرني إن هناك سيارة أخرى تحاصر المسرح من الجهة الأخرى فتخيلت أن رئيس الجمهورية سيحضر العرض أو ضيف مهم لكن عندما دخلت المسرح وجدت مكتبي مفتوح ويجلس فيه الكثير من القيادات الأمنية وتقدم إلي كبيرهم مدير أمن القاهرة وأخبرني بأن هناك أوامر من وزير الثقافة بغلق المسرح بنائاُ على تقرير من درية شرف الدين فالأمن المركزي وأمن القاهرة وقسم الأزبكية جهزوا خطة وساعة صفر لاقتحام المسرح، رغم أن العرض كان يمكن إغلاقه بتليفون من الدكتورة درية شرف الدين من خلال سحب الترخيص، ولكن لم يتم إغلاق المسرح في هذه الليلة لأن جميع الكراسي كانت محجوزة، وطلبت من اللواء أن نعرض اليوم فقط من أجل سلامة الجمهور الذي حجز التذاكر ويأتي من محافظات بعيدة ووعدته بغلق المسرح بعد انتهاء العرض ووافق بعد ما أخبر القيادات الأمنية.

- وهل بالفعل مر عرض الليلة اللأخيرة بسلام؟
في مشهد بطل العرض الذي يقف فيه وسط الجمهور بالصالة ويقول "لأنا رايح للرئيس حد عاوز حاجه حد عنده شكوى" دخلت بنفسي الصالة وقلت أنا يا أستاذ عندي طلب وقمت بعرض ما حدث على الجمهور المتواجد وقلت له "قول للريس لا يوجد ديمقراطية حقيقية" والناس ظلت تصقف بشدة، وجلست في مكتبي منتظرًا أي رد فعل ضدي وتلقيت العديد من التليفونات من الجرائد والمواقع والقنوات العالمية بعدما علموا بما حدث وأتذكر أن جريدة "معاريف" الإسرائيلية تحدث أيضا عن هذه المشكلة، ولذلك فالمسرح تم افتتاحه مرة أخرى وعادت الرواية للعرض وقال النظام في ذلك الوقت أن المسرحية تم تنقيتها وأنا أقسم بالله أن المسرحية تم عرضها مرة أخرى دون أن يحذف منها كلمة.

- ألم تخف في ذلك الوقت من بطش هذا النظام؟
لم أخف إطلاقًا وسأقول لك ما هو أسوأ عندما كنت سأقدم مسرحيتين الأولى تتناول الجناح الاقتصادي في جماعة الإخوان المسلمين على مسرحي وفي نفس الوقت سأقدم على مسرح الدولة عرض يعالج الإرهاب، جاءني ضابط من أمن دولة وأخبرني بأنهم سيقومون بتعيين حراسة على المسرح لأنهم قبضوا على خلية إرهابية كان معهم خريطة للمسرح من أجل تفجيره وقام بعرض الورقة التي يوجد بها الخريطة، ووجدته بالفعل مسرحي، وقدمت العرض ولم أتراجع على الإطلاق.

- ما رأيك في فكرة وجود رقابة على الأعمال الفنية في مصر؟
أنا أرفض الرقابة بكل أشكالها وتحدثت في ذلك مرارًا وتكرارًا، أرفض الرقابة على المصنفات الفنية والرقابة الأمنية والرقابة الدينية، والبديل لذلك هو وجود نقابة وليس رقابة، والنقابة سيكون لها لجنة رقابية هي من تحاكم الفنانين ولذلك فمن سيحاكم الفنانين لأي سبب هم زملائهم.

- لماذا قمت بعمل بحث عن المسرح في فترة الستينيات؟
لأن فترة الستينيات هي العصر الذهبي للمسرح في مصر، والمسرح بدأ يتدهور من فترة الثمانينات بسبب ظهور الفيديو والتلفزيون والسينما وبدأ يذهب النجوم لمن يعطي لهم أموال اكثر ويتركون المسرح، ومن الصعب أن يعود المسرح مرة أخرى لعصوره الذهبية ولن يحدث ذلك إلا بإيدي الشباب.

- ما رأيك في تقدم بعض الدول العربية على مصر في المسرح؟
الدول العربية لم تتقدم علينا إطلاقًا في الحركة المسرحية حيث في حالته السيئة حاليًا، كما أنهم أخذوا أسوأ ما في المسرح المصري بدليل أن الفنان أشرف عبدالباقي الذي أسس لهم مسرح السعودية.