رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لوتس عبد الكريم تكشف لـ"الدستور" سيرة 30 شخصية مؤثرة في تاريخ مصر الحديث

جريدة الدستور

حين تدخل إلى بيت الفنانة والكاتبة لوتس عبدالكريم ستجد المئات من اللوحات الفنية، والكثير من الصور لفناني وأدباء الزمن الجميل مثل محمد عبد الوهاب ويوسف السباعي وأنيس منصور وغيرهم، كأنها تعلن للعالم أنها تعيش في هذا الزمن ولم تنفصل عنه؛ فحين تجلس إليها ستحدثك عن أحمد بهاء الدين ومحمد عبد الوهاب وانيس منصور ومصطفى محمود وغيرهم، ولكن الملكة فريدة ستنال القسط الاكبر من الحديث، نظرًا للعلاقة التي جمعتهما معا لفترة من الزمن.

مؤخرًا قدمت "لوتس" للمكتبة المصرية والعربية إضاءات على 26 رمزًا من رموز الثقافة المصرية، في كتابها «سيرتي وسيرتهم»، وتعمل، الآن على كتاب جديد تكرم خلاله عددًا من الرموز المصرية في مجالات مختلفة.

«الدستور» التقت ابنة النيل، «لوتس»، التي كان لها دور كبير في الحركة الثقافية المصرية، وجمعتها تجربتها الثرية، فى "صالون الشموع"، برموز مصر في الفن والأدب والفلسفة والطب والهندسة وغيرها من المجالات التي أبدع فيها المصريون، وتوقفت خلال الحوار عند بعض من الأسماء التي يتناولها كتابها الجديد.

- بداية.. ماذا عن كتابك الجديد؟

أتناول فيه سيرة ما يقرب من 30 شخصية مصرية، كلهم مهمين لكن غمرهم النسيان، وكتبت عنهم فيما يشبه مؤلفي الأخير «سيرتي وسيرهم»، والكتاب الجديد يتناول سير لأدباء وفلاسفة وباحثين، كل منهم له منجز حقيقي، ويجب أن تنظر الدولة إليهم بعين الاعتبار، لأنهم قدموا ما يجب أن تكرمهم الدولة لأجله، ومنهم الفنان الجميل رمضان سويلم، ابن محافظة الجيزة؛ كان فلاحا ويملك بعض الأفدنة، ولم ينل قسطا كبيرا من التعليم، ولكنه بدأ كفنان حقيقي في سن الثلاثين، وقد عرفت «سويلم» عن طريق الملكة فريدة، إذ كان يعرض أعماله فوق إحدى المراكب، واقترحت أن نقتني بعضها ثم استضفناه في "قاعة الشموع"، وأقمنا له معرضًا كبيرًا حضرته العديد من الشخصيات المهمة في مصر، وافتتحته الملكة فريدة بنفسها، إذ كانت متحمسة له بشكل كبير، ولكن للأسف كل هذه اللوحات سرقت فيما بعد.
وتميز «سويلم» باستخرج أدواته من الطبيعة، وبرسم قصصًا من القرآن الكريم بشكل عظيم، وشارك في ترينالي براتسلافا للفن الفطري عام 1997 باسم مصر، وفازت أعماله بجائزة وشهادة فخرية، ودعي لإقامة معرض خاص عام 1999 كتقليد للفائزين، لكنه رحل عن عالمنا قبل أن يدرك موعد المعرض، ولا أعرف لماذا لا تهتم مصر بهذه النوعية من الفن ولا تشيد له متحفًا خاصًا.

- ما الشخصية التي تعتبر من المحطات المهمة في العمل؟

الدكتور الكبير إسماعيل السباعي الذي كان صديقًا شخصيًا لي، وكان عبقريا إلى أقصى حد، ورفض أن يسافر إلى خارج مصر رغم الإغراءات الكثيرة، وهو ابن طه باشا السباعي، وزير التموين الأسبق في وزارة أحمد ماهر باشا، ووزير الشؤون البلدية والقروية الأسبق في حكومة أحمد نجيب الهلالي باشا، وابن عم الكاتب الروائي يوسف السباعي وشقيق زوجته دولت.
قبل «السباعي» لم يحدث أن جرت أية عمليات جراحية كبرى في مصر، ولكنه استحدث طرق لعلاج الكلى، وصلت معدلات الشفاء إلى نسب عالية، وهناك عمليات كانت مرعبة ولكن في عهده أصبحت مجرد جراحات بسيطة مثل سرطان الثدي وغيرها، وفي مرة من المرات رأيته يحاول تحقيق معجزة لمريض اعتقدنا أن أمره قد انتهى تمامًا، لكنه قال لي وقتها: إنني سأحاول هذه المرة أن أجرى عملية في العمود الفقري، ونجحت العملية وكانت سعادته بها كبيرة جدًا.
وللراحل جهود كبيرة جدًا في الجراحات المصرية ومقاومة السرطان، فشارك في تأسيس المعهد القومي للأورام، وأصبح عميدًا له بعد ذلك، وكان من أفضل 3 من الذين نبغوا في محاربة هذا المرض اللعين، وأحد عشرة تضمنتهم أنيكلوبيديا السرطان في العالم كله.
وقدم «السباعي» أبحاثًا كثيرة جدًا تدرس اليوم في الجامعات بالخارج، وأصبح اسما مهيبا في عالم السرطان ومقاومته، وترأس اللجنة العالمية لمؤتمر السرطان الدولي باليابان، وساهم بجهود محمودة في توفير الكثير من الأموال لخزانة الدولة.

- وصفت حسن فتحي بأفضل معماريي العالم.. هل فتضمينه إلى الكتاب؟

يمكن وصف حسن فتحي بأنه «قرية الفقراء»، وزرته أكثر من مرة بصحبة الملكة فريدة، وهو أول مصري وعربي يحصل سنة 1980 ميلادية على جائزة نوبل البديلة من السويد، وهي جائزة تقدم سنويا في مجالات حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والصحة والتعليم والسلام وحماية البيئة، وهو صاحب مشروع القرنة الذي أوصله للعالمية.
كان لحسن فتحي أسلوبًا بسيطًا تمسك به، لأنه أحس أن القرى التي عاش بها تتخلى عن طبيعتها الجميلة لصالح الحداثة. أنت تعرف أن البيوت في الصعيد كانت تبنى بالطوب الأخضر أو الطوب اللبن الذي يساهم في صناعة طقس جميل دافيء شتاءً بارد صيفًا، وكانت لهذه البيوت فتحات صغيرة أعلى الحوائط لتنقية الهواء وولوج النور، لتحقق أعلى معدل من الجو المناسب لمعيشة الإنسان، بخلاف البيوت التي تقام الآن التي أصبحت تبنى بالطوب الأحمر.
وعرف «فتحي» أن كل بيت يجب أن يبنى بطريقة مناسبة لبيئته، ومن هنا أصبح له أسلوبًا معينًا في البناء، ولكنه أيضا لم يلق التكريم المناسب في بلده، بل لقي الكثير من التعنت، وهو الأمر الذي جعل الدكتور عبد الباقي إبراهيم، الرائد في العمارة، يقول إنه على الرغم من شهرة "فتحي" إلا أنه من النادر أن يذكر اسمه في مناهجنا العلمية بالجامعات.
«جوجل» نفسه احتفل بحسن فتحي وقال عنه: «كان مهتما ببناء المجتمعات أكثر من تشييد المبانى، وأنه كان رائدًا في تقديم نماذج لمبان تحترم تقاليد الأماكن، وتراعى جميع مناحى الحياة».

- ماذا عن الكاتبة نعمات أحمد فؤاد؟

لم يأت أحد على ذكر سيرتها رغم أنها كانت بمثابة العاشقة الأولى لمصر، ولك أن تعرف أنها كانت السبب في وقف مشروع هدف إلى تحويل منطقة الأهرامات إلى كافيتيريات وما إلى ذلك، فوقفت بحزم ضد هذا المشروع، ودخلت حربا ضروسًا أمام الدولة كلها، حتى أنها كانت تمشي ليلًا عند الأهرامات كي تضبط اللصوص، هل تصدق هذا؟!
حب «نعمات» لمصر جعلها تفعل ذلك، وقالت الملكة فريدة لها: «أريد منك أن تمشي على النيل من شبرا لحلوان وتخبريني عما يحدث هناك»، وبالفعل مشت «نعمات» كل هذه المسافة، فكانت تريد اكتشاف ما يجري حول النيل، وكتبت "نعمات" كل شئ في مقالة قوية عما رأته وشاهدته بعينها.

- إذا انتقلنا لملف آخر.. هل قالت لوتس عبد الكريم كل شئ عن محمد عبد الوهاب؟

كتبت عن الموسيقار محمد عبد الوهاب في 9 أعداد من مجلة الشموع، وكتبت عنه الكثير من الملفات منها «صوت القرن العشرين» وغيرها، وألفت كتابين عنه، ولكن هذا لا يعد كافيا بسبب ما أعرفه عن «عبد الوهاب»، ويعد جزءًا من سيرتي الذاتية، من خلال لقاءاتي الكثيرة به، لذلك سأصدر كتابا ثالثا عنه، لأنه يحمل تاريخ مصر الحقيقي.
ومهما قيل عنه فأعتقد أنه لم يأخذ حقه كما ينبغي، على العكس من أم كلثوم التي أخذت حقها كما يجب، لذلك أعمل على تأليف كتاب عنه يحكي جزءًا من سيرته من خلال علاقتي به، ولكن هناك ما يقال وما لا يجب أن يقال، فهناك الكثير من الأمور التي أتذكرها وترتبط بمحمد عبد الوهاب مثل أخر مرة غنى فيها الفنان الملحن محمد الموجي، وكانت في ذكرى موسيقار الأجيال وبعدها مات «الموجي».

- هل يمكن أن تشرحي هذا الأمر؟

كانت الذكرى الخامسة لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وكنت تعودت على أن أحييها في قاعة وصالون الشموع، ولم أكن أعرف «الموجي» شخصيًا إلا من خلال بعض المكالمات الهاتفية، وكان هو من ضمن من هاتفتهم لدعوتهم للمشاركة في الحفل، ورفض الدعوة في البداية وأخبرني أنه مريض ولم يترك الفراش منذ مدة طويلة، ومع إلحاحي عليه قال: «عشان خاطرك وخاطر عبد الوهاب هحضر».
وقتها كنت قد دعوت الكثيرين من رموز مصر لهذه الحفلة، ومن بينهم فاروق حسني، وأسامة الباز، وكمال الطويل، وسيد مكاوي، وعمر خيرت، ومحمد نوح، ومصطفى فتحي، وتصادف أن الأخير أحضر عوده معه، فلما حضر «الموجي» أمسك منه العود وأصلحه وغنى رائعة محمد عبد الوهاب «الجندول»، ولم يكن يتخيل أحد أنها آخر مرة سيغني فيها محمد الموجي، حتى أن الكاميرات لم تتركه.
وبعد انتهاء الحفل غادرنا «الموجي» عائدًا إلى بيته، وفي اليوم التالي اتصلت به لأطمئن على حالته ووجدته في غاية التعب، فاتصلت بالدكتور مصطفى المنيلاوي، وبالفعل زاره في بيته، وبعدها أخبرني أن حالة «الموجي» ميئوس منها، وطلب نقله للمستشفى، وأدخله العناية المركزة، وتوفي بعدها بأسبوع.

- ما الذي دفعك لمساعدة المبتدئين في الفن التشكيلي؟

كان هذا حبا في الفن وللفن فقط، وحين أجد فنانا حقيقيا أشعر بما يشبه الإشباع، ومصر مليئة بالمواهب، وأنا تعبت جدًا في سبيل الفن والثقافة، ولكن ذلك كان بمثابة الهواية التي أمارسها بحب كبير.
وكانت اللوحات تعامل في مصر بقدر كبير من الاحترام، على عكس ما يحدث الآن، فلم يكن الأمر قد أصبح تجارة كما هو رائج في الوقت الحالي، فكانت الملكة فريدة ترسم ولا تتقاضى نقودًا، وكانت «شموع» أول قاعة خاصة للفن التشكيلي في مصر، وحفلت بحضور الفنانين الكبار والصغار.
وكنا نجد دعمًا وتشجيعا كبيرًا من رواد الفن والثقافة، مثل مصطفى أمين، وأنيس منصور وبطرس غالي وغيرهم، كما شاركتنا جميع السفارات الأجنبية بحضور معارضنا، ولم يحدث أن زاد ثمن أية لوحة عن ألف جنيه، ولك أن تتخيل المبالغ التي تباع بها اللواحات الآن، حتى أصبح الفن التشكيل موضة وصار الأمر محزنا جدًا.
كنت أنظم الاحتفاليات ونمنح مكافآت للفنانين المبتدئين، وحتى الآن يأتون إلي ويذكرونني بتلك الحفلات والمعارض، ويذكرونني بالمكافآت المادية التي كنت أمنحها لهم.