رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو هل تؤثر.. والاستراتيجية الإقليمية والدولية


قـطر تسعى إلى الارتباط بالولايات المتحدة لتلبى جميع مطالبها وتحقق جميع أهدافها عسى أن يتحول هذا الارتباط إلى ارتباط عـضوى مثل الذى ترتبط بـه إسرائيل بالولايات المتحدة، فهل يمكن أن تصبح قطر عائقا يحول دون وحدة وتقدم دول الخليج العـربى مثلما تحول إسرائيل دون وحدة وتقدم دول المنطقة العـربية؟

تناولت على مدى أحد عـشر أسبوعا تأثير ثورة يونيو عـلى القوى الفاعـلة فى المعادلتين الإقليمية والدولـية سواء تلك التى تدخل ضمن مكونات كل معادلة أو الخارجة عـنها، ثم تناولت بعـض الإجراءات اللازمة لتحقيق استقرار مصر، وأولها هو أهمية إدراك المصريين بأبعـاد المؤامرة التى تحاك ضد دولتهم ، والثانى هو أهمية إدراك الحكومة بأنها ليست حكومة مؤقتة بل هى حكومة تدير شئون مصر فى أدق وأعـقـد مراحل تاريخها، وعـليها اتخاذ القرارات والأفعال التى يمكن التأسيس عليها، أما الإجراء الثالث فهو أهمية صياغة سياسات متوازنة تتسق مع عـمق المتغـيرات التى أحدثتها الثورة خاصة تلك التى تتعـلق بملفات الأمن والاقتصاد والعـدالة الاجتماعـية والعـلاقات الدولية، ثم تناولت تفاعـلات أزمة استخدام النظام السورى للسلاح الكيماوى، وبيَنت التهديدات الحقيقية التى تواجه أوباما على المستوى الشخصى والولايات المتحدة كدولة، حيث تشير الحقائق إلى أن ما يخشاه أوباما هو أن يصبح القائد السياسى الأكثر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم عـندما يفشل فى إعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير، وهو الهدف المرحلى المطلوب تنفيذه فى فترتى حكمه، وبالتالى لن يجد له مكانا بين رؤساء الولايات المتحدة العـظام ، أما التهديد الحقيقى الذى تخشاه الولايات المتحدة كدولة فيتمثل فى خوفها الشديد من انتقال مـركـز الهـيمـنة إلى روسيا التى تسعى إلى استعادة مكانتها كقطب موازن، ورغـبتها الأكيدة فى مشاركة الولايات المتحدة النفوذ فى قيادة العالم، خاصة فى مـنـطـقـة الـشـرق الأوسط شديدة الأهمية والحساسية.

وفى المقال السابق تناولت تأثير ثورة يونيو فى بنيان الوطن العـربى باعـتباره المكـون الرئيسى لمصطلح الشرق الأوسط أيَا كان وصفه، فالشرق يوصف بأنه أدنى أو أوسط أو أقصى بالنسبة للقوى الاستعـمارية، ويكون كبيرا أو جديدا يضيق ويتسع وفقا لمصالح واستراتيجيات هذه القوى، خاصة بـعد استبدال مفهوم الاستعـمار بالاستقطاب والتبعـية، ولذلك بـدا مصطلح الشرق الأوسط وكأنه استعـمارى فى نشأته وجيوبوليتيكى فى استخدامه، وتعـمدت هـذه القوى ألاَ يكون هذا المصطلح مرادفا للمنطقة العربية أو الوطن العـربى، فأضافت إلى مكوناته قـوى أخرى غـير عـربية «تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا» وتمسكت بمصطلح العالم العـربى بـما يـعـنـى أنه مجمـوعة مـتـنـافـرة من الدول والشعـوب، وأخيرا جعـلت الولايات المتحدة حدوده ومكوناته تتطابق مع حدود ومكونات العالم الإسلامى حسبما تقتضى استراتيجيتها التى تقضى بإعادة هيكلته تحت مصطلح الشرق الأوسط الكبير، وتقسيمه على أساس عـرقى أو دينى أو طائفى تحت دعـوى إحداث الاستقرار فى المنطقة لصيانة الأمن والسلم الدوليين، ولذلك اعـتبرت الحدود الراهـنة حدودا غـيـر نهائية ويتعـين إعادة ترسيمها بما يتمشى مع تركيبة الشعـوب، فهل تهدف الولايات المتحدة حقا إلى إحداث الاستقرار فى النسق الإقليمى للشرق الأوسط الكبير؟ وإذا كانت تهدف إلى ذلك فمتى وكيف يتحقق؟ وهل يتسق السلوك السياسى للقوى العـربية وغـيـر العربية مع تحقيقه؟

وللإجابة عـلى ذلك ينبغى تحليل المناظرة التى جرت بين أوباما ورومنى أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتى احتل الشرق الأوسط الكبير مساحة كبيرة منها، عـندما أبدى أوباما عـدم ندمه على رحيل الرئيس مبارك، مشيرا إلى أنه اتخذ القـرار السليم الذى يحقق عـدم قـتـل المتظاهرين فى ميدان التحرير، وأضاف أنه يمارس ضغـطا عـلى الحكومة المصرية لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول هـو صيانة حقوق المرأة وحقـوق الأقليات الدينية، والهدف الثانى هو تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب الدولى، أما الهدف الثالث فهو حفظ معاهـدة السلام مع إسرائيل، والواقع أن أوباما اعـتاد أن يعِـد الجميع بكل شىء لكنه لم يعـط أحدا أى شىء، فنسى ما وعـد به الأقباط والمرأة، وساعـد عـلى هدم الكنائس وترويع الأقباط وإهانة المرأة، وقام بتصدير الإرهاب بجميع أشكاله إلى مصر، لكنه صدق ما عاهد إسرائيل عـليه، فقام بتدمير أقوى جيش فى الخليج بل وتدمير العـراق ذاته، وعـمل على تدمير سوريا بنفس الذريعة الذى دمر بها العـراق، وتعـمـد تجريدها من السلاح الوحيد الذى يمكن أن يحدث توازنا نسبيا مع إسرائيل، وساعـد على اندلاع الانتفاضات الكبرى فى دول الربيع العـربى بعـد أن أسقط أنظمتها، وأدخل مصر فى اضطرابات تكاد تفاعلاتها لا تنقطع ،وحال دون إحداث الاستقرار الضرورى لبناء مؤسساتها ليعـرقل انطلاقها، وتعـمد إسقاطها من الداخل بالتعاون مع التنظيم الأممى لجماعة الإخوان، لولا الموقف الصادق والمشرف للسعـودية والإمارات العـربية والكويت وغـيرهم، الذى ينم عـن الأصالة العربية فحال دون سقوطها، فإذا كان ذلك هو موقف الأشقاء العرب، فلماذا تتخذ قطر سلوكا سياسيا مناهـضا للسلوك العـربى ومعاكسا لتفاعلات الثورة المصرية؟ وما الذى تخشاه قطر لتسلك هذا السلوك؟ وهل كان أوباما يهدف فعـلا إلى تحقيق استقرار المنطقة لكى يصون الأمن والسلام الدوليين، أم كان يـهدف إلى ضمان الأمن الإسرائيلى المطلق؟ ولكى يكون لدينا نقطة انطلاق تقودنا للإجابة السليمة، فإنه ينبغى تحليل مؤشرات المعـطيات الجيوستراتيجية للإمارة، إذ تشير هذه المعطيات إلى أنها تحمل فى جسدها ضعـفا شديدا خاصة فى كتلتها الحيوية، فهى تقع شرق شبه الجزيرة العـربية عـلى الشاطئ الجنوبى للخليج العـربى وفى مواجهة إيران على الشاطئ المقابل، تشكل يابستها نتوءا داخل الخليج وتحيطها المياه من كل جانب إلا مع حدودها المشتركة مع السعـودية، وبالرغم من ذلك فإن نسبة مساحة المياه إلى المساحة الكلية 1,1 % فقط، حيث تبلغ مساحتها الكلية حوالى 11 ألف كيلو متر مربع، عـدد سكانها حوالى 1,8 مليون نسمة منهم حوالى 18% بالتجنيس، ويبلغ إجمالى ناتجها القومى حوالى150 مليار دولار يحقق 100 ألف دولار/ فرد / سنة ويُعـد أعلى معـدل لدخل الفرد فى العالم، نظام حكمها وراثى تنتقل فيه السلطة تلقائيا غالبا أوعن طريق التآمر، حيث انقلب الأمير السابق على أبيه، وتآمر الأمير الحالى عـلى أبيه وأخيه، فعـلى من سيتآمر ولى العـهد أو الأمير القادم الذى لم يُعـين حتى الآن؟ وبالتالى فإن التهديد الوحيد الذى يهدد الإمارة هو قلب نظام الحكم، ولذلك فقد اندفعـت بكل قواها للولايات المتحدة لتكون تحت حمايتها، فاستغـلت الولايات المتحدة الموقف للوجود الدائم فى هذه البقعة الاستراتيجية من العالم وأقامت أكبر قاعـدتين بها، الأولى هى قاعـدة «العُديـِد الجوية» جنوب غـرب الدوحة وجهزتها لاستقبال جميع الطائرات بما فى ذلك القاذفات الثقيلة، وهى القاعـدة الوحيدة بالمنطقة التى يتمركز بها طائرات التزود بالوقود، كما يتمركز بها مركز قيادة المنطقة الوسطى الرئيسى، والقاعـدة الثانية هى قاعـدة «السيلية» ويوجد بها حوالى 12ألف جندى أمريكى، مجهزة بمخازن طوارئ للأسلحة والمعـدات والذخائر ودبابات القتال الرئيسية تكفى لتشكيل فرقة مدرعة، وترتيبا عـلى ذلك فإن قـطر تسعى إلى الارتباط بالولايات المتحدة لتلبى جميع مطالبها وتحقق جميع أهدافها عسى أن يتحول هذا الارتباط إلى ارتباط عـضوى مثل الذى ترتبط بـه إسرائيل بالولايات المتحدة، فهل يمكن أن تصبح قطر عائقا يحول دون وحدة وتقدم دول الخليج العـربى مثلما تحول إسرائيل دون وحدة وتقدم دول المنطقة العـربية؟ أدعـو الله أن يدرك عـرب الخليج ذلك ، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ استاذ العلوم السياسية جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.