رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تشكيل الحكومة فى الأنظمة السياسية


أى أنه لو سمحنا -خلال الفترة الجارية- بتحويل النظام الرئاسى فى مصر إلى نظام برلمانى، سنجد غداً حكومة يشكلها البرلمان «وهو ما يُخل بتوازن القوى بين الثلاث قوى الرئيسية فى أى دولة، وهى القوة التنفيذية والتشريعية والقضائية».

لقد أثر قيام وتطور الأحزاب السياسية الحديثة على الطبيعة السياسية والقانونية للنظم السياسية.

فنوعية النظام الحزبى السائد فى دولة معينة لها من التأثير على هيكلية نظامها السياسى أكثر من ذلك التأثير الذى يحدثه بناؤها الدستورى، فالفارق كبير بين الدول التى تأخذ بنظام الحزب الواحد عن تلك التى تأخذ بنظام تعدد الأحزاب ، حتى وإن تشابهت نظمها السياسية تـُـعـدّ الأحزاب السياسية، من أبرز المؤسسات السياسية المعاصرة التى تؤثر فى مجرى الأحداث السياسية فى المجتمع والنتائج التى تتركها هذه الأحداث فى تركيبة وآليات نهوضه.

ولكى تستطيع الأحزاب السياسية التأثير فى الرأى العام وبلورة الأفكار والمواقف بالشكل الذى يتفق مع مصالحها ومتطلباتها لابد من وجود أجهزة حزبية ودعائية تتولى مهمة عمل الدعاية للحزب وإقناع الرأى العام بأفضلية مبادئه وأفكاره وممارساته، مقارنة بالأحزاب السياسية الأخرى.

وتركز التجربة الحزبية على القناعة بأن الإنسان، بوصفه عضواً فاعلاً فى المجتمع الذى يعيش فيه، قادر على التعاون الإدارى مع الغير على مختلف الأصعدة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وإن الحزب بوصفه تنظيما عاما، ينشط لدى الفرد روح التعاون هذه عن طريق إصراره على ضرورة الإصلاحات الشاملة لمختلف وجوه الحياة الاجتماعية.

إن ظهور الأحزاب السياسية الجماهيرية واتساع قاعدة الهيئة الانتخابية نتيجة إقرار الاقتراع العام فى بدايات القرن الماضى أحدث تحولا مهما فى تاريخ المؤسسات السياسية، حيث تمخض عن ذلك تنظيمات سياسية تعمل فى الدرجة الأولى للبحث أو لفهم الإرادة الحقيقية للشعب وتحويلها إلى حقيقة، فالطبقات الأكثر عددا والطبقات الأكثر فقرا أصبحت ممثلة فى البرلمان من قبل نواب منحدرين منهم.

إن اعتماد نظام الثنائية الحزبية يؤدى إلى تحقيق ما يأتى: أ-تشكيل حكومة أغلبية من قبل أعضاء الحزب الفائز فى الانتخابات، وتشكل المعارضة البناءة والمنظمة «الحزب الخاسر» حكومة ظل . ب- نيل الحكومة ثقة البرلمان . ج-فى حالة حصول الحزب الفائز على أغلبية برلمانية كبيرة، تسيطر الحكومة فعليا على الهيئة التشريعية «البرلمان»، حيث يكون اقتراح مشاريع القوانين منها أو من أعضاء البرلمان التابعين لكتلتها، ومن ثم يضعف تقييد الحكومة من خلال القوانين والميزانية . د-انتخاب المواطنين أعضاء البرلمان يمثل خطوة غير مباشرة لانتخاب الحزب ومن ثم رئيس الحكومة ، فعندما ينتخب المواطن نائباً يمثل حزباً ما فهو أقر بالموافقة على أن يتولى رئيس الحزب رئاسة الحكومة.

أما اعتماد نظام التعددية الحزبية، فإنه يؤدى إلى تحقيق ما يأتى: أ-عدم قدرة أى حزب على الحصول على أغلبية برلمانية كافية تؤهله لتشكيل الحكومة. ب-تشكل حكومة ائتلافية، توفيقية، وهى غالبا ما تكون ضعيفة، خاصة أن رئيسها سيكون مشغولا بالتوفيق بين الأحزاب المؤتلفة مع حزبه، ومن ثم يكون تحت سيطرة البرلمان. ج-إن المواطنين لا يختارون رئيس الحكومة وإنما يختاره رؤساء الأحزاب.

إن هدف الأحزاب السياسية الرئيسى هو ممارسة السلطة السياسية أو المشاركة فيها. وتعد التعددية السياسية والروح التنافسية بين مختلف التشكيلات السياسية إحدى الدعائم الرئيسية للديمقراطية وحرية الرأى، انسجاما مع مضمون المادة الرابعة من دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958، وكذلك هو الحال بالنسبة لحرية الانضمام أو عدم الانضمام للأحزاب السياسية.

وينظم الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية النظام السياسى للدولة، ويحدد السلطات العامة واختصاصاتها، مرسيا بذلك دعائم النظام النيابى الديمقراطى ومؤكدا سيادة القانون واستقلال القضاء كأساس للحكم، وعلى الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع وعلى اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد. وبعد قيام ثورة 25 يناير وتخلى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن الحكم عطل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى إدارة شئون البلاد العمل بأحكام الدستور يوم 13 فبراير 2011 من خلال إصداره إعلانا دستوريا، ثم كلف لجنة للقيام ببعض التعديلات الدستورية بلغت 63 مادة. وتم الاستفتاء عليه فى 19 مارس 2011. وبعد موافقة الشعب المصرى على الاستفتاء، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يوم 30 مارس 2011 إعلانا دستوريا شمل أغلب التعديلات التى تم إقرارها فى الاستفتاء بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى. تلا ذلك عدة إعلانات دستورية أصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس المنتخب كان آخرها يوم 22 نوفمبر 2012. وفى نهاية ديسمبر 2012 أقر الشعب المصرى بنسبة 63.8% دستورا جديدا لينهى مرحلة طويلة دارت فى ظل العمل بدستور 1971 والذى طرأ عليه تعديلات عدة تمت فى سنوات 1980 و 2005 و 2007، ليكون إقرار الدستور الجديد من قبل الشعب تمهيدا للبناء الديمقراطى والسير نحو الاستقرار المنشود. وبعد ثورة 30 يونيو 2013 وتحديدا فى 3 يوليو 2013، تم تعطيل العمل بدستور 2012 بشكل مؤقت، ليصدر الإعلان الدستورى الجديد فى 8 يوليو 2013 عن الرئيس المصرى المؤقت لتحكم البلاد وفق مواده الثلاث والثلاثين حتى تنتهى المرحلة الانتقالية «الثانية» ويتم إقرار دستور جديد للبلاد يستفتى عليه شعبيا..

النظام البرلمانى.. علينا أن ندرك أن النظام البرلمانى هو نظام يتولى الحكم فيه عدد من الوزراء ويكون رئيس الوزراء مسئولاً مسئولية تضامنية مع وزرائه أمام البرلمان والشعب.

والمعنى بتشكل الحكومة هو الحزب أو الكتلة البرلمانية التى تحصل على أكثر عدد مقاعد فى البرلمان وفى حال عدم حصول أى حزب على الأغلبية المطلقة يصار إلى تشكل حكومة ائتلافية تتكون من الأحزاب التى تستطيع الحصول على أغلبية برلمانية يأخذ كل حزب من الوزارات ما يتناسب وعدد المقاعد البرلمانية التى حصل عليها فى الانتخابات البرلمانية. ومعظم الدول التى يكون نظام الحكم فيها ملكياً يكون نظامها برلمانياً، كما أن هناك عدداً من الجمهوريات أيضاً يكون نظام الحكم فيها برلمانى ويكون منصب رئيس الدولة «الملك أو الرئيس» فى هذا النظام منصباً شرفياً.

ولما كانت الحكومة فى النظام البرلمانى لا تستطيع البقاء فى الحكم دون حصولها على ثقة البرلمان فإن رئيس الدولة يكون مقيداً فى اختيار رئيس الوزراء من حزب الأغلبية وإذا كان رئيس الدولة يملك من الناحية النظرية، حق تعيين رئيس الوزراء وإقالة الحكومة فهو مقيد أيضاً من الناحية العملية بوزن الأغلبية البرلمانية ومدى الثقة التى تنالها الحكومة المعينة أو المقالة من جانب هذه الأغلبية ثم يقوم رئيس الوزراء بانتقاء زملائه من قيادة حزبه إذا كان هنالك حزب واحد قد أحرز الأغلبية وتسمى هذه الوزارة «وزارة الاستحقاق الانتخابى»، وفى هذه الحالة يتم تشكيل الحكومة على ضوء نتائج الانتخابات التى تجرى فى البلاد والتى على أساسها تم تكليف مرشح أكبر كتلة برلمانية لرئاسة الوزراء.

ومن أمثلة النظام البرلمانى مثل إسرائيل وبريطانيا وتركيا وعدد من الدول الأخرى.

■ خبير القانون العام - جامعة الدول العربية