رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كمال الطويل.. مؤرخ ثورة يوليو غنائيًا وموسيقيًا

جريدة الدستور

من ألحانه شدا محمد قنديل بــ يا رايحين الغورية٬ وغنت فايزة أحمد مال الهوي يا أمه٬ وأم كلثوم غنت له والله زمان٬ وكان أخر ما غنته قيثارة السماء٬ نجاة الصغيرة "لا تنتقد خجلي الشديد" من توقيعه٬ وربما كان العندليب عبد الحليم حافظ أكثر المطربين الذين حظوا بألحانه٬ فقد غنى له: صباح الخير يا سينا٬ خلي السلاح صاحي٬ راح٬ سمراء يا حلم الطفولة٬ صدفة٬ صورة٬ علي قد الشوق٬ كفاية نورك عليا٬ صدفة وغيرها الكثير.

ولم تعدم الأجيال الجديدة من ألحانه٬ فقد غنى الملك محمد منير: حدوتة مصرية٬ مش برئ٬ علي صوتك بالغنا وغيرها، إنه الملحن الكبير كمال الطويل والذي تحل اليوم الذكرى الــ97 لميلاده.

رغم غزارة إنتاجه مقلا في الإنتاج٬ أحيانا يستغرق اللحن عاما كاملا٬ وأحيانا دقائق معدودة٬ حسب قدرة الكلمات على أن تخاطب فيه مناطق قابلة للانفجار، ومن هنا أيضا نلاحظ أنه تعامل مع عدد محدود جدا من الشعراء: مرسي جميل عزيز٬ صلاح جاهين٬ محمد علي أحمد٬ وعبد الرحمن الأبنودي وهم خيرة شعراء الأغنية.

في رسمه لملامحه الفنية يقول الروائي "خيري شلبي" عنه: يتميز كمال الطويل بين ملحني جيله بأنه ذو مزاج قاهري صرف من ناحية٬ وذو نزعة عقلانية من ناحية أخرى، وهذه النزعة تتبدى بصورة واضحة في ألحانه السياسية التي وضعها لعبد الحليم حافظ٬ والتي نعتبرها تاريخا غنائيا موسيقيا لثورة يوليو٬ وللحلم الأخضر الجميل الذي كان يداعب أخيلة المثقفين حينذاك٬ مثل أغنيات: إحنا الشعب٬ يا أهلا بالمعارك٬ وغيرها من الأغنيات السياسية الصرفة.

يتابع شلبي: فأما عن الطابع القاهري٬ أو المزاج القاهري٬ فإن ألحانه تعكسه وليس ذلك من قبيل العيب الفني٬ أو يفهم منه شبهة المحدودية٬ إنما هو صدق مع المكونات الأساسية لبيئة الفنان٬ وإثراء للتجربة الموسيقية المصرية وإبراز للكثير من جوانب الشخصية الغنائية المصرية المتعددة الروافد والبيئات، في مقدمته الموسيقية من أول الرحلة واللازمات الفاصلة بين المقاطع تستشعر زحام المدينة بكل زخمها وجمالياتها في مزاجها الشعبي الأصيل الفاتن.

يذهب شلبي إلى أن: جملة "الطويل" الموسيقية محشوة بزخم المدينة٬ تحتوي على مئات الأصداء لمئات الأصوات التي تحفل بها مدينة القاهرة، الجملة تتمتع بالجزالة والعمق المليء بالشجن والمشاعر الكثيفة الصادقة الطازجة٬ والأرتام المتنوعة السريعة٬ الصاخبة أحيانا٬ المليئة بالأنس والمودة والفرح والبهجة وإيقاع العصر اللاهث٬ بأنغام تكرس للحب وتنشر عطره وأريجه بين دخان المصانع وعوادم السيارات واللهاث اليومي.

تستشعر في ألحانه كل مظاهر الحياة في القاهرة٬ تري فيها حديقة الحيوان٬ القناطر الخيرية٬ وأهرامات الجيزة٬ ونهر النيل وباب الحديد وباب الشعرية٬ والدرب الأحمر والجمالية٬ الأزهر والحسين والسيدة زينب وجاردن سيتي والزمالك٬ والمعادي ومصر الجديدة والغورية٬ ومكاتب الموظفين وعمال المصانع٬ وأطفال يركبون العربات الكارو بملابس العيد٬ رحلات شم النسيم ورحلات الكشافة في القطارات حيث الدربكة والرق والناي في أيدي الطلاب المرحين يصخبون٬ يملأون الدنيا بهجة ومرحا.