لينا مظلوم تكتب: التجربة الإعلامية على موجة الرأى العام
خلال لقاء جمع الرئيس السيسى بالمثقفين والإعلاميين حرص على إيصال معنى مهم فى تأكيده: «لن أحاكم الإعلام.. سأترك التجربة تضبط الموضوع»، الإشارة هنا واضحة ومباشرة.. حرص الرئيس على استقلالية الإعلام التى ننشدها- رغم كل المآخذ على المهنة- ثم منح الإعلام فرصة التنظيم الذاتى.
فى ذات السياق ترتبط جملة وردت ضمن خطاب الرئيس خلال وضع حجر الأساس لتطوير قناة السويس، أعاد تكرارها فى مداخلة أجراها مع أحد مقدمى البرامج، مستعرضًا الواقع الإعلامى الذى ساد، سواء فى عهد الرئيس عبدالناصر أو عامى ١٩٦٧ و١٩٧٣، حين شهد تضافر الإعلام تحت لواء رؤية وطنية فرضها الحدث والتوقيت، مقارنة بالصورة الإعلامية بعد ٢٠١١.. المعنى هنا دعوة الإعلام للاصطفاف ضد قضايا تبلغ حد تهديدها مصير الوطن، المعنى قطعًا لا يحتمل أى التباس أو إشارة إلى سيادة رأى واحد فى الإعلام.. مثل هذا الإفك الرخيص تتدنى إلى مستواه فقط قنوات «الإخوان كوميدى» فى سلسلة أكاذيب وتلفيقات أصبحت مثارًا للسخرية.
أزمات الإعلام، سواء القنوات الرسمية أو الخاصة، معروفة.. تعرض لها بالتحليل مختصون وكبار أساتذة الإعلام، سواء المطالبة بالتوسع فى الاعتماد على الكفاءات المهنية، أو إعادة الحياة إلى مهنة الإعداد بدلًا من الاعتماد على قائمة أسماء واحدة يتداولها العاملون فى الفضائيات نتيجة آفات «التكاسل»، ما فرض نمطية فى آراء تتكرر بين ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامى.. من المؤسف اقتصار أهم أركان الإعلام- الإعداد- على تداول نفس الأسماء دون بذل عناء البحث عن مصادر تُثرى الموضوع بآراء متنوعة، ما يسهم فى توسيع الحرية والاختلاف والشفافية فى تداول المعلومات.. إلى غيرها من «الأسلحة» التى تكشف للمشاهد قنوات ثبت بالأدلة اختراقها من جماعات إرهابية أو أجهزة مخابرات صوّر لها الوهم إمكانية المساس بالنسيج المصرى الواحد.
المطالبة بعلاج أمراض المهنة تفرض من جانب آخر الإشادة بحالة إيجابية أثبتت مؤخرًا نجاح الإعلام فى عدة مسارات.. أولًا: اقتناص حالة تنامى الثقة لدى الشارع بأن الحواجز التى كانت تحول دون وصول صوته إلى مؤسسة الرئاسة قد تقلصت.. نجح الإعلام فى الوصول إلى شرائح اختارت سابقًا الوقوف فى المنطقة الرمادية أو مخاطبة وسائل إعلام خارج مصر.. ثانيًا: اخترقت البرامج- تحديدًا التوك شو- حاجز الرتابة، عبر دعم خطابها بالوثائق والأدلة ومقاطع الفيديو، بعدما ثبت فشل نمط «المكلمة» اليومية، وانصراف المشاهد عن متابعتها.. تحفظ البعض على شكل تقديم هذه الحقائق افتقد الموضوعية.. هى فى النهاية حرب بكل القواعد التى تفرضها، إذا كان طرف يستخدم كل الأكاذيب القذرة ظنًا منه بقدرته على هدم مصر! لا يوجد فى ضوابط مهنة الإعلام ما يجرّم استخدام الطرف الآخر أُطرًا مختلفة طالما التزمت بالهدف الرئيسى للإعلام؛ كشف الحقائق بالأدلة، تحديدًا أمام تحديات الإعلام الحديث الذى أصبح كل شىء فيه عُرضة للتكذيب والاستقصاء.. «نعيق البوم» عن وجود طرف خلف حالة الاستنفار الإعلامى المهنية والموضوعية- فالدافع الوطنى فى مذهبهم رجس من عمل الشيطان يدل على قمة اليأس والفشل.. إذ التزم تاريخ الإعلام فى أعرق ديمقراطيات العالم بالالتفاف حول أزمات بلاده.. الإعلام ليس بحاجة إلى غزل أو محاولات هدم، خصوصًا وهو يعيش حالة اعتمدت الوعى والنهج المهنى، ننتظر منها الصواب والخطأ، طالما هو فى حالة عمل متواصل.. المطلوب فقط إعطاء مساحة أكبر للإعلام وحرية تداول المعلومات بعد عرض الحقائق الموثقة للرأى العام.
نقيب الصحفيين، ورئيس هيئة الاستعلامات، ضياء رشوان، كان محقًا فى انفعاله على الهواء فى أحد البرامج، منبهًا: «إننا كإعلام لا يمكن أن نترك الدولة فى مواجهة صايع».. «رشوان» بحكم رئاسته هيئة تملك عدة مسارات للرد يبذل جهدًا ملحوظًا، لكن خطة عمل الهيئة بحاجة إلى استحداث آليات- تحديدًا فى هذا التوقيت- فبقدر أهمية تكثيف المؤتمرات الصحفية للمراسلين الأجانب والعرب، تبقى المهمة الأكثر فاعلية للهيئة فى توضيح الحقائق للرأى العام الدولى، وتوسيع أفق تعاملها معه، عبر إرسال أبرز الكتابات التى تفنّد مغالطات الإعلام الغربى، المرئى والمقروء، وإرسالها إلى جهة النشر عملًا بمبدأ حق الرد.. نماذج لآراء مستقلة تدحض المغالطات بالرد الموضوعى.. حتى إن كان الدور ليس ضمن مهام الهيئة، فالأجدى أن يتم استحداث خلق جسور تواصل تنقل صوت الحقيقة إلى العالم.. السقطات المهنية- للأسف- لم تعد تقتصر على الإعلام الغربى.. بل طالت بعض المواقع الإخبارية العربية، التى كانت تتسم بالمهنية، أبرزها موقع «إيلاف»، الذى انضم مؤخرًا إلى قطيع «دس السم فى العسل» عبر تقاريره اليومية من القاهرة.. هذه السقطات والمغالطات تعتمد على «التنظير» بدلًا من استقصاء الحقائق المنطقية وافتقادها أى طرح يستند إلى أرض الواقع، أو التعبير الحقيقى عن طبيعة وموقع الحدث.. فى المقابل، تواصل الكتّاب والإعلاميين مع هذه المنابر الإعلامية سبق أن قوبل من طرفها بالتجاهل لمبدأ حق الرد على ما يرد فيها من آراء أو ما تزعم أنه معلومات.. الهيئة بحكم موقعها الرسمى تستطيع كسر هذا الحاجز الذى يعوق وصول الحقائق عبر آراء موضوعية مختلفة، عبر فرض التعامل بمبادئ المهنة العامة على هذه المنابر.