رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تفتح ملف تعذيب الأطفال.. حكايات من «دفاتر الألم»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

منذ أيام قليلة، هرع أهالي "شربين" بالدقهلية إلى صوت طفلة صغيرة تصرخ ألمًا، وبدأت التساؤلات عن مصدر الصوت وأسباب هذا الصراخ المتتابع، فربما ألم بها كارثة في ظل عدم تواجد ذويها، إلا أنه بدخولهم إلى منزل الطفلة فوجئوا بآثار تعذيب على جسدها، وأن صراخها نابع من تعرضها للاغتصاب وممارسة أبشع أنواعه من قبل جدتها وخالها.

ما قرأته في السطور السابقة ليس مشهدًا من فيلم سينمائي إنما هي واقعة حقيقية هزت أرجاء الرأي العام خلال الأيام الماضية، فـ"جنة محمد سمير" كانت ضحية تعذيب تقشعر له الأبدان، لكنها لم تتحمله كثيرًا، فتم تشييع جنازتها بالأمس، وسط مشاهد من الاتشاح بالسواد والنحيب الأهالي تعاطفًا مع الطفلة التي لم تكمل أعوامها الخمسة، ورغم ذلك فالقصة لم تقف عندها بل امتدت لأختها الكبرى "أماني" صاحبة الـ6 سنوات، بنفس آثار التعذيب والحروق.

واقعة "جنة" تم اكتشافها بعدما تم نقلها من قِبل أحد أهالي قريتها إلى مستشفى "شربين"، مصابة بحروق في أعضائها التناسلية بالإضافة إلى كدمات وتورم شديد بالمنطقه الحساسة، وتم نقلها لمستشفى المنصورة العام الجديد "الدولى سابقا".

وضعت المستشفى تقريرها الطبي المبدئي، بإصابة الطفلة بجلطة بالطرف السفلي، ولديها آثار سحجات واعتداء بالظهر والبطن والحالة العامة دون المتوسطة، كذلك إصابتها بغرغرينة في القدم إثر كسر في الساق بسبب "طرحها" أرضًا منذ 10 أيام وتركها طوال تلك المدة دون علاج، مما أدى إلى ضرورة بتر القدم، وجرى إجراء العملية ووضعها بالعناية المركزة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة اليوم.

قصة "جنة" ليست الوحيدة، إنما هي حالة متكررة بين عدد من الأطفال الذين لاقوا تعذيبًا على أيدي أقاربهم، في غياب رعاية الأبوين، ما فتح الباب للاعتداء على هؤلاء الأطفال والدخول تحت طائلة الأغراض الجنسية والتعذيب.

أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، تقريرًا في 2014، أعلنت فيه أن طفلًا واحدًا يموت كل خمس دقائق في أنحاء العالم، نتيجة العنف بمختلف أنواعه، موضحا أن الملايين من الأطفال (تحت سن العشرين) يتعرضون للعنف الجسدي، والنفسي، والجنسي، في الأماكن البعيدة عن الحروب، وفي مدارسهم، وبيوتهم، ومجتمعاتهم.

قبل يومين، تداول عدد من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي قصة ضحية جديدة لزواجًا لم يتجاوز عمره شهرًا، فقط استمر قرابة عشرون يومًا، فكانت ضحيته الطفلة سما، ليقرر بعدها الزوج إنهاء هذا الزواج والانفصال عن الزوجة في شهر العسل، متجهًا إلى ألمانيا للعيش هناك.

الطفلة سما، صاحبة السبع سنوات، كانت ضحية هذا الزواج، وبعد مرور سنوات، اكتشفت الأم أن زوجها السابق تزوج في ألمانيا ولديه ثلاثة أطفال، فقررت حينها أن تتزوج هي الأخرى وألا تنتظر الزوج يوم آخر، وأخبرت الرجل بقرارها ورغبتها في الزواج.

جاء شرط الرجل من أجل الموافقة على هذا الزواج، هو أن تترك الأم بنتها سما لدى أهله؛ حتى يتثنى لها الزواج، وافقت الأم على هذا الشرط، وتركت ابنتها سما عند أسرة والد الطفلة، واتفقوا على رؤية الأم طفلتها أسبوعيًا.

لم يستمر هذا الاتفاق طويلًا، حتى خلفه أهل الزوج، وحرموا الأم من مقابلة سما ورؤيتها، ولم يكتفوا بهذا فقط، فلاقت سما من التعذيب والوحشية في المعاملة على يد أهل والدها نصيبًا كبيرًا، حتى انقطعت أخبار سما مذ ديسمبر 2018.

بحثت الأم وأهلها عن مدرسة سما إلى أن وصلوا لعنوان المدرسة، وفي الثلاثاء الماضي، عندما قابل الطفلة جدها لأمها، شاهد آثار التعذيب واضحة على جسدها، الأمر الذي دفع الأم وأهلها إلى التواصل مع نجدة الطفل، والاستغاثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بوالد سما.

وبنفس الكيفية كانت طريقة تعذيب الشقيقة الكبرى "أماني"، وبناء عليه تحرر عن ذلك المحضر 14167 لسنة 2019 جنح شربين بالواقعة، وتم توجيه أصابع الاتهام إلى جد الطفلة لوالدتها، ووالدة الطفلة، وأخوال الطفلة الضحية، بعدما ادعت الجدة سقوط زيت مغلي على الطفلة، لكن بمواجهة اتهامات الجد لها بالتعدي على حفيدتها عن طريق تسخين آلة حادة وكيها بالمنطقة الحساسة "أعضائها التناسلية"، فاعترفت بأنها عذبتها بدافع تأديبها على تبولها اللا إرادي بعد مواجهتها، فيما قررت النيابة حبسها 15 يوما على ذمة التحقيقات.

وذكرت التحقيقات أن الطفلة وشقيقتها الكبرى من أبوين كفيفين وانفصلا منذ أربع سنوات، وانتقلا إلى حضانة الجدة بحكم قضائي لصالحها العام الماضي، وأعلن أشرف عبدالوهاب ياسين، محامي أسرة الطفلة، إن والد الطفلتين اتهم جدة الطفلتين للأم بتعذيبها، فأمرت النيابة باستمرار حبس الجدة وإخلاء سبيل أخوال الطفلتين وأمهم وجدهم لأمهم.

تنص المادة 93 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، على أن تعذيب الطفل عقوبة لا تسقط بالتقادم، ولذلك يقع الأب والأم اللذان يعذبان أطفالهما ويضربانهم تحت المساءلة القانونية، بل والعقوبة المشددة لكونهما موضع المسئولية والمؤتمنين على أطفالهما، ولذلك هما أساءوا إلى تلك السلطة الممنوحة لهما.

حالة أخرى من دفتر تعذيب الأطفال وقعت في أكتوبر الماضي، والتي كانت من نصيب الطفلة حبيبة أحمد سيد، ذات الـ10 سنوات، والتي واجهت تعذيبًا على يد عمها، فقد تجرأ على ضربها بخرطوم مياه، نتج عنها إصابتها بجروح وكدمات وتجمعات دموية في يديها وقدميها وكتفيها وظهرها ومؤخرتها، اكتشفها والدها الذي سارع بالإبلاغ عن شقيقه، الذي أقدم على هذا الفعل الوحشي بسبب خلافات سابقة بينهما على الميراث.

وبتكثيف الإجراءات الأمنية، تم القبض على المتهم وتحرر المحضر رقم 28101 وأُخطرت النيابة بما تم، وباشرت التحقيقات وأمرت بإخلاء سبيل المتهم بضمان محل إقامته، على ذمة القضية.

مصر من أوائل الدول التي صدّقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، التي تنص على إلزام الوالدين بالرعاية الطبية والتعليمية والنفسية والصحية والغذائية للطفل، حتى اختيار اسم مناسب للطفل حتى لا يتعرض للاستهزاء أو السخرية.

وفي 22 يونيو 2017، كانت القصة الثالثة التي وقعت في محافظة مطروح، التي بدأت باستلام المشرحة جثة طفلة لم تتعدَ الـ9 سنوات من عمرها إثر تعرضها للاغتصاب والتعذيب حتى الموت، بعدما تم تسليم الطفلة إلى الوحدة الصحية بمنطقة الكيلو7 الشعبية، والتي حولتها بدورها إلى المستشفى العام، وثبت من خلال التحقيقات أن خال الطفلة هو المتورط في إهدار دمها، وتم القبض عليه أثناء اختبائه بين مساكن الأرامل بالمنطقة.

وفي هذا الصدد، طالبت الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، بتوقيع أقصى عقوبة على الجناة باعتبار الجريمة هي قتل عمد مع سبق الإصرار، وفقًا لحكم المادة 230، 231 من قانون العقوبات المصري وهي الإعدام.