الدخاخنى: يوميات وجيه غالى تكشف غموض مواقفه الملتبسة
تصدر دار نشر ومكتبة الكتب خان قريبًا "يوميات وجيه غالي" بالعربية، هذه الترجمة ضرورية من أكثر من زاوية، من ناحية أن يوميات وجيه غالي تأخرت ترجمتها إلى المكتبة العربية، ما يقرب من أربعين عامًا وربما أكثر، بالإضافة إلى أن ترجمة اليوميات تعد معادلًا موضوعيا ملحًا للإجابة عن عدة أسئلة تحوم حول حياة الكاتب المصري وجيه غالي، وبالأخص الغموض حول مساراته ومواقفه التي أثارت جدلًا على مدار السنوات الماضية، بعد ترجمة روايته "بيرة في نادي البلياردو" والتي تعد سيرة روائية للكاتب الذي غادر مصر غاضبًا منذ الستينيات وأنهى حياته منتحرًا بعد كتابة يومياته.
"يوميات وجيه غالي" يترجمها عن الإنجليزية الباحث والمترجم المصري محمد الدخاخني، تصدرها الكتب خان وتعرض خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020.
يقول محمد الدخاخني في تصريحاته للدستور حول أسباب اختياره لترجمة يوميات وجيه غالي: "أحد أسباب إقبالي على ترجمة اليوميات هى متابعتي لحالة الفضول من جانب أغلب قراء رواية "بيرة في نادي البلياردو" لمعرفة المزيد حول كاتبها، خاصة أن الرواية لاقت رواجًا واهتمامًا وفضولًا، ورغم ذلك هناك حالة من الغموض حول كاتبها، فالرواية هي العمل الوحيد المنشور والنهائي لوجيه غالي، كانت له مسودات غير مكتملة ومسرحية بالألمانية وقصص لم تنشر، لكن رواية "بيرة في نادى البلياردو" هي العمل الوحيد المكتمل والنهائي لصاحبها، أظن أن القراء العرب لديهم تطلع وتعطش لمعرفة المزيد عن حياة وجيه غالي من خلال يومياته.
ويضيف الدخاخني؛: هناك هالة من الأسطورية حول وجيه غالي لها علاقة بمواقفه من جمال عبدالناصر والصراع العربي الإسرائيلي، هذه المواقف يناقشها وجيه غالي بشكل أكثر تفصيلًا في يومياته، بعيدًا عن حالة الغضب التي لازمت الشاب الشيوعي في رواية "بيرة في نادي البلياردو"، والتي تعد بالمناسبة سيرة روائية للكاتب. في اليوميات هناك وقوف على نفس التيمات والأفكار التي سردها غالي في روايته، لكنها في اليوميات تتم بشكل أكثر مباشرة وتفصيلًا.
ويشير إلى أن وجيه غالي يوضح في مذكراته أسباب رفضه لنظام جمال عبدالناصر، وتعاطفه مع الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، كما يكشف الغموض السياسي حول زيارته لإسرائيل فوجيه غالي معروف مثلًا أنه أول عربي يزور اسرائيل منذ 50 سنة، لكن لا يعلم غالبية القراء تفاصيل هذه الزيارة التي قام بها باعتباره مراسل جريدة التايمز، ولم يقضِ في إسرائيل وقتًا طويلًا وزار خلالها موظفين رسميين وعربًا وقساوسة وأجرى عدة حوارات وتحقيقات يتحدث عنها تفصيلًا في الكتاب.
يعتبر الدخاخني أهمية هذه اليوميات كبيرة، لأن هناك افتقارًا واضحًا للصورة الكاملة عن وجيه غالي بسبب فجوات ضائعة في هذا السياق، مما يجعل القارئ يلجأ لملء هذه الفجوات من خياله، لذا فإن اليوميات ضرورة لاستبدال هذه المعلومات الخاطئة الكثيرة التي ألصقت بوجيه غالي وحياته ومواقفه، فاليوميات إذن هي الأقرب لواقع الأشياء، بعيدًا عن الأكاذيب والشائعات التي حامت حوله، وبالتالي سيتم حسم عدد كبير من الأسئلة بعد صدورها.
يصف الدخاخني اليوميات باعتبارها "بانورما للستينات"، أو كما جاء العنوان الفرعي لها "رجل من الستينيات المتأرجحة" فنجد فيها وصف بانورامي لأغلب الأحداث الكبرى التي حدثت في تلك الفترة من حرب فيتنام، وهزيمة،67 وصراع المعسكرين الشرقي والغربي، والموسيقى والسينما والكتابات الأدبية في ذلك الوقت.
يضيف الدخاخني:" يتحدث وجيه غالي عن كتب كان يقرأها وقت كتابته لليوميات ويسهب في الكتابة عن مؤلفات هنري ميللر وجونترجراس، كما اعتبر غالي تشيخوف هو بطله الأدبي الأبرز، لذا نجد في يومياته مستويات من التناص مع تشيخوف وحالته النفسية، واستعارات تشيخوفية عديدة".
يكشف الدخاخني أن وجيه غالي انتحر بعد أيام معدودة من كتابته آخر تدوينة في يومياته، فقد كانت فكرة الانتحار تداعب خياله على مدار أربع سنوات قبل تنفيذها، حتى أنه كان يتحدث عن أن هناك صراعات تحدث في عقله ونفسيته ولابد أن هناك نهاية لكل هذه الصراعات.
من وجهة نظر الباحث والمحلل دون المترجم سألنا الدخاخني عن طريقة استقباله وتعاطيه مع اليوميات هل صدمته بعض الاعترافات أو المواقف التي تحدث عنها غالي، فقال:" نعم، مواقف وجيه غالي كانت متحيزة بشكل كبير ضد المرأة، وهو تحيز كلاسيكي أيضًا، وغير متسق نهائيًا مع مواقفه التقدمية، وهو ما أثار استغرابي، وفي المقابل فوجئت بقدر كبير من العاطفية والتضامن مع الفلاحين في لغة وجيه غالي، فقد حكى عن الفقراء بعاطفية شديدة، ووقف أمام جذوره القروية بشيء من الحنين".
ويُجمل الدخاخني في حديثه عن اليوميات قائلا": في رأيي نجحت اليوميات نجاحًا منقطع النظير في مدى صراحتها حتى أن القارئ لن يتعاطف مع كاتبها، حتى وهو يقدم صورة شديدة السوداوية عن نفسه وعن الواقع".