رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدوار المثقفين والساسة بعد سقوط حُلم الإخوان


شعرت أمريكا أنها أخطات فى حساباتها أو أنها وقعت خديعة وعود القطريين بالسيطرة على جماح الإسلاميين. هذا من جهة، ومن ناحية أخرى كان الأداء الهزيل للإخوان فى مصر والشخصية البائسة لمرسى، عاملا فى تعزيز المعارضة الداخلية لحكمه والتى فاقمتها الأزمات الخطيرة اقتصاديا وفلتان الأمن.

إن المصريين تعلموا من خبرة إطاحتهم بنظامهم السابق ما جعلهم قادرين على إحياء الأمل فى نهاية جديدة، فيما تعلم العراقيون عجزا من خبرة فشلهم فى تظاهرات 2011 أوصلهم إلى يقين اليأس من إصلاح الحال. إن عقل الحاكم المنتمى لحزب إسلامى سياسى مصاب بحول إدراكى، يرى الصواب فى حزبه فقط. دليل ذلك أن مرسى بوصفه رجل دين سياسى، لم يفهم معنى المعارضة ووصف المتظاهرين بأنهم «فلول النظام السابق»، كذلك وصف «المالكى» المتظاهرين بأنهم «فقاعات»، وهو وصف أكثر استهزاء وحطا للكرامة.

وهذا الحول الإدراكى ينطبق على كل حاكم منتم لحزب إسلامى سياسى، وأنه سينكشف حتى لو كان ديمقراطيا كما حصل مؤخرا لأردوجان فى تركيا، ما يوصلنا إلى استنتاج أهم هو فشل الحكم الدينى.. إن مصر وضعت أقدامها على الطريق الصحيح المؤدى إلى الديمقراطية بأن بدأتها بتشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات لا تمثل حزبا أو جهة سياسية محددة، وإنها ستحقق ما عجز عنه العراقيون ما دامت حكومتهم قائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية. وأول ملامح هذا المجتمع الثورى المصرى الوليد.

إن دور المثقف التقليدى والذى ساد طوال القرن العشرين وكان يقوم على أساس تبنى رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال تبنى أيديولوجيات متعددة، قد سقط لحساب دور جديد ناشئ لمن يطلق عليه «الناشط السياسى». وهذا الناشط السياسى نجده ممثلاً فى الأعمار كافة.

وليس من الضرورى أن يصدر عن أيديولوجية محددة. ولكن ما يميزه حقاً قدرته الفائقة على تحريك الشارع فى اتجاه معارضة السلطة، سواء فى ذلك السلطة السلطوية السابقة أو السلطة الحالية فى مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ –بحكم الثورة الاتصالية الكبرى- أشكالاً مستحدثة غير مسبوقة، مثل الاستخدام الفعال لشبكة الإنترنت بما فيها من أدوات «الفيس بوك» و «تويتر»، بالإضافة إلى الأشكال التقليدية مثل رفع وعى الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة، تدفعهم دفعاً إلى الخروج إلى الشوارع فى تظاهرات كبرى، أو اعتصامات مفتوحة، أو وقفات احتجاجية.

من هنا نرى أن الأسباب الداخلية لسقوط الإخوان كانت واضحة جدا. لكن السؤال لم كان السقوط بهذه السرعة؟ لم يكن مجيء الإخوان إلى الحكم محض صدفة، فالإسلام السياسى كان موضع عداوة أمريكا والغرب حتى سنوات عدة ، لكن ظروفا معينة أملت تشكيل حلف أمريكى غربى خليجى للمجيء بالإسلاميين «المعتدلين» كبديل للتيارات القومية والعلمانية والإسلامية المتشددة، التى برهنت إما على مناوئتها للغرب، أو أن تكون قد استهلكت أمريكيا أو شعبيا، مقابل أن يتنازل الإسلاميون من كل ادعاءاتهم بعداوة إسرائيل والمحافظة على السلام معها والتعاون مع الغرب «وهذا هو ماتريده أمريكا من أى حكم فى المنطقة فمعيارها عدم معاداة إسرائيل والغرب لا معيار تمثيل شعبه وخدمته»، وذلك ضمن خطة بناء الشرق الأوسط الجديد الذى فشلت فيه إدارة بوش.

بالمناسبة وهى الخطة التى تستند إلى بناء هلال إخوانى سنى «معتدل» يمتد من تركيا أردوجان إلى مصر وسوريا لمحاصرة الهلال الشيعى أو الفارسى... ومن ثم بناء محور متناسق فكريا يكون حليفا للغرب فى هذه المنطقة الحيوية تمهيدا لدمجها مع إسرائيل بنظام شرق أوسطى –أوروبى– أمريكى .. إذن ما الذى تغير فى الموضوع للانقلاب على هذه الخطة؟ المنحى الخطير للأحداث فى ليبيا وسيطرة المتشددين على الأمور فيها ومقتل السفير الأمريكى فى بنغازى وأحداث مالى والجزائر التى ثبت علاقة تنظيم الإخوان العالمى فيها، أعطى إشارات إلى خطورة الوضع وأن ما يسمى «المعتدلون» فى التيارات الإسلامية أما أنهم لا يعول عليهم أو هم غير مؤثرين أو مضطرين لمسايرة التيارات المتشددة «كما ساير الإخوان متشددى السلفيين وسيناء».

فشعرت أمريكا أنها أخطات فى حساباتها أو أنها وقعت خديعة وعود القطريين بالسيطرة على جماح الإسلاميين. هذا من جهة، ومن ناحية أخرى كان الأداء الهزيل للإخوان فى مصر والشخصية البائسة لمرسى، عاملا فى تعزيز المعارضة الداخلية لحكمه والتى فاقمتها الأزمات الخطيرة اقتصاديا وفلتان الأمن وتهديد إثيوبيا للأمن المائى المصرى واحتمالات الفتنة الداخلية بين السنة والشيعة والأقباط والمسلمين ومحاولة الإخوان ركوب موجة السلفية بقطع العلاقة مع سوريا والتضييق على الإعلام والحريات العامة وتكفير المعارضين. تركيا والمعارضة السورية هما الخاسران الأكبران فى سقوط الإخوان فى مصر ... فمصر تشكل حجر الأساس فى السياسة الإخوانية التركية الساعية إلى لعب دور القائد فى العثمانية الجديدة فى المنطقة بالارتكاز إلى مصر وموقعها وثقلها الفاعل.. ونرى فى ردود الفعل التركية سواء من أردوجان أو أوغلو مدى الغصة التى يشعران بها. أما المعارضة السورية التى يهيمن عليها الإخوان سياسيا وعسكريا فقد خسرت داعما سياسيا ومعنويا مهما لها لابد أن يستتبعه فقدان الحظوة لدى الراعين الإقليميين والدوليين لصالخ جماعات معارضة أخرى. قطر التى استثمرت فى مصر وفى المعارضة السورية مليارات الدولارات ولطالما كانت اللاعب الرئيس فى الواجهة، ترى أن جهود أكثر من 3 سنوات بدأت تنهار.. ويظهر ذلك فى هيستيريا قناة «الجزيرة» فى تغطية الأحداث ودعم مرسى... وذلك سيزيد الشرخ القطرى السعودى، حيث يسعى البلدان فى اتجاهين معاكسين فى الرؤية والأهداف لكل ما يحدث فى المنطقة، مما يجعلنا نتوقع جولة جديدة من المنافسة بين البلدين أو أن تستسلم قطر بعد أن فرض على أميرها التخلى عن الحكم لنجله وبذلك نرى أفولا تدريجيا للدور القطرى فى حركة الإخوان العالمية وإضعاف الحلف التركى القطرى الإخوانى.

إيران ، وللغرابة ، قد تكون أحد الخاسرين من سقوط مرسى... فالنظام السابق «مبارك» كان يعادى إيران على طول الخط ... وفكر الإخوان مهما حاول ركب موجة السلفيين هو قريب من حيث الخطوط العامة من الإسلام السياسى الإيرانى... وسعى الإخوان إلى إقامة علاقات مع إيران تمثلت بزيارة مرسى وتوقيع اتفاقيات تمويل وسياحة وطاقة «وهى خطوة أراد منها الإخوان إظهار استقلالهم عن الغرب لكنها تسببت فى امتعاض أمريكى وسعودى».. فى حين أن بديل حكم الإخوان سيكون أكثر قربا من الأمريكيين والسعوديين فى ابتعادهم عن إيران.. «وحتى العسكريين ... بحكم تركيبتهم القومية لهم مآخذ على إيران ولدورها فى العالم العربى»؟ إن الإخوان هنا دخلاء على هذا الصراع، فالقضايا المطروحة أعلاه ليست قضاياهم أو معاركهم. إن طبيعة تكوين وفكر وانحيازات الإخوان السياسية والاقتصادية والثقافية، تجعلهم رافضين تماماً لأى شكل من أشكال التحذير السياسى الثورى. بل إن هدفهم هو وراثة الدولة القديمة كما هى. لكن الإخوان يريدون مع هذه «الوراثة» احتلال موقع القيادة والسيطرة، الذى يرونه ضرورياً من أجل تحقيق مشاريعهم الأيديولوجية.

■ أستاذ وخبير القانون العام - جامعة الدول العربية