رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكوميديان الأصلي.. سامية شاهين: سُمعة بدأ حياته «منادى» فى السوق

جريدة الدستور

بمجرد ذكر اسمه ستسترجع صوره المحفورة فى ذاكرتك، وتتذكر صوته المميز، وأسلوبه الكوميدى البسيط العصى على التقليد. نعم هو إسماعيل ياسين.. «أبو ضحكة جنان» الذى تحل الذكرى الـ١٠٧ لميلاده غدًا، ١٥ سبتمبر، ومع ذلك لا تزال قصة حياته تضم أسرارًا مدهشة، فكيف لصبى من السويس تفككت عائلته بشكل مفاجئ وأصبح يعمل مناديًا أمام محلات الملابس أن يتحول إلى أشهر كوميديان فى مصر والعالم العربى؟، وكيف لإنسان أن يسجل كلماته وصوته فى عقول وقلوب الأجيال المتعاقبة حتى الآن؟ «الدستور» التقت سامية شاهين، أرملة المخرج ياسين إسماعيل ياسين، آخر ما تبقى من «رائحة سُمعة»، حيث كشفت عن تفاصيل مثيرة فى حياة الفنان الجميل، وكيف تعرض لمؤامرة فى آخر مراحل حياته لمنعه من تقديم الأفلام، وحدثتنا عن أقرب صديق ومطرب إلى قلبه، وعن الصداقة التى جمعت بينه وبين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

■ بداية.. كيف أثرت نشأة إسماعيل ياسين على تكوينه الفكرى والثقافى؟
- ولد جدى «تحب أن تطلق عليه هذه الصفة» الفنان إسماعيل ياسين فى محافظة السويس، وتوفيت والدته حينما كان طفلًا، ثم تركه والده وتزوج امرأة أخرى، وبالتالى اضطر «سُمعة» للانتقال للعيش رفقة جدته.
كانت الجدة فقيرة وتعامله بطريقة قاسية جدًا، وبعد فترة علم أن والده أفلس وحُكم عليه بالسجن عقب تراكم الديون عليه، لذا قرر الاعتماد على نفسه لتوفير لقمة العيش.
عمل فى البداية مناديًا أمام محلات بيع الأقمشة، ولأنه كان يحب الغناء ويحلم بالشهرة قرر الانتقال للقاهرة فى بداية ثلاثينيات القرن الماضى، ليبدأ رحلته كمطرب، ثم يحبه الناس كممثل كوميدى، ويتحول مع الوقت إلى أعظم من قدم الكوميديا، وخلال تلك الرحلة تزوج وأنجب زوجى، المخرج الراحل ياسين إسماعيل ياسين، من زوجته الأخيرة «فوزية».
■ مَن الذى اكتشف «سُمعة»؟
- اكتشفه المؤلف الكوميدى أبوالسعود الإبيارى، الذى أصبح فيما بعد أعز أصدقائه وشريك رحلة كفاحه، وكونا معًا ثنائيًا فنيًا ناجحًا قدم لمحبى المسرح والسينما فنانًا لن ينسى.
«الإبيارى» طلب من الفنانة الشامية الشهيرة بديعة مصابنى أن تضم إسماعيل يس إلى فرقتها للعمل «مونولوجست»، وبالفعل عمل معها، حتى شاهده فى إحدى المرات الفنان الكبير أنور وجدى، فأعجب بموهبته وتلقائيته فقرر إنتاج فيلم له، اتفقا على تسميته «الناصح»، وكانت البطولة الأولى لـ«سُمعة».
■ ما أقرب أفلامه لقلبه؟
- أقرب الأفلام لقلبه كانت «إسماعيل ياسين فى متحف الشمع، وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، وإسماعيل ياسين فى الجيش، وإسماعيل ياسين فى البوليس، وإسماعيل ياسين فى الطيران، وإسماعيل ياسين فى البحرية، وإسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين».
■ هل قدّم صورة الجندى فى شكل كوميدى بناء على طلب من أحد؟
- نعم، طلب منه ذلك الرئيس جمال عبدالناصر، ولكن عن طريق ممثل من رئاسة الجمهورية.
■ لماذا تم اختياره هو تحديدًا لهذه المهمة؟
- إسماعيل ياسين كان صاحب قاعدة جماهيرية كبيرة آنذاك، وكان الرئيس جمال عبدالناصر حينها يعمل على إعادة بناء وتأسيس جيش قوى، خاصة بعد ثورة يوليو ١٩٥٢.
وكان بعض الناس يهربون من الخدمة العسكرية، لذا قرر «ناصر» توجيه رسالة ما للشعب، وأسهل طريقة لتوصيل رسالته تلك كانت الكوميديا، وهذه الكلمة كانت تعنى إسماعيل ياسين.
كانت طبيعة الشخصيات التى قدمها جدى فى هذه الأفلام قائمة على أن يبدأ البطل رحلته وهو ضعيف الشخصية وخائف من الالتحاق بالجيش، ليخرج من الجيش بعد ذلك وهو يملك شخصية قوية وسوية وإيجابية، وهذا ما يتصف به جيشنا العظيم، يدخله الشباب ليخرجوا منه رجالًا يقودون البلد.
■ كيف تلقى «ناصر» تلك الأفلام؟
- حكى لى جدى أن الزعيم الراحل كان يحب تلك الأفلام، واعترف له شخصيًا بذلك، فقد نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، وهذا ما انعكس على تكريم إسماعيل ياسين من «ناصر» أكثر من مرة.
وحضر الرئيس عبدالناصر حفلات افتتاح عدد كبير من هذه الأفلام، وكان أبرزها العرض الخاص لفيلم «إسماعيل يس فى الجيش» فى سينما «ديانا» فى منطقة وسط القاهرة.
■ لماذا أطلق عليه لقب الضاحك الباكى؟
- لأنه كان يتحدى كل الظروف التى يمر بها، ويحرص على صناعة البسمة وإسعاد جماهيره، فلم يشاهده أحد إلا وهو مبتسم، فأطلق عليه لقب الضاحك الباكى.
■ من الممثل الأقرب لقلبه؟
- كان المخرج الكبير فطين عبدالوهاب، رحمة الله عليه، أقرب أصدقائه، أما باقى الأصدقاء فكانوا من خارج مصر، ورغم ذلك كانت علاقته طيبة بجميع العاملين بالوسط الفنى.
■ هل كان يحب مطربًا معينًا؟
- كان يعشق الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، ومن بعده فريد الأطرش، ومحمد فوزى.
■ ما أحب الألقاب إليه؟
- كان يفضل أن يناديه الناس وزملاؤه الفنانون بـ«سُمعة».
■ أصيب «سُمعة» بشلل بسبب أزمة مادية.. ما تفاصيل الواقعة وكيف تجاوزها؟
- القصة بدأت عندما قررت مصلحة الضرائب- نتيجة تقديراتها العشوائية حينها-سحب مبلغ ٣٠٠ ألف جنيه من حسابه البنكى، تاركين له فى رصيده جنيهين ونصف الجنيه.
وعلى الرغم من علاقته الطيبة بالرئيس جمال عبدالناصر فلم يلجأ إليه إلا مرة واحدة، عندما تحفظ محافظ القاهرة على سيارته، وحينها ساعده الرئيس وأعادها إليه.
أصيب بشلل مؤقت بعد هذه الواقعة، وحينما تعافى سافر إلى لبنان للعمل فى مجال الإعلانات، وبدأ فى تصوير مسلسل، واعتبر نفسه شابًا يبدأ حياته الفنية من الصفر، وتمكن من بناء حياته مرة أخرى وعاد إلى مصر وافتتح مسرحه الخاص، الذى كان سببًا فى إفلاسه بعد ذلك.
■ ما حقيقة رفض بسنت بنت الفنانة هند رستم أن تعمل والدتها مع «سُمعة»؟
- هذا الكلام غير صحيح، وما يؤكد ذلك أن «سُمعة» كان يصور فيلم «الرغبة والضياع» فى آخر أيامه، وكانت الفنانة هند رستم مشاركة فى البطولة إلى جانبه، ولكنه توفى بعد ٣ أيام عمل. وأرى أن من يروجون تلك الشائعات يبحثون عن الشهرة.
■ هل توفى نتيجة حزنه بعدما فقد صديقه فطين عبدالوهاب؟
- نعم، فقد حزن بشدة بعد وفاة صديقه الوحيد وشريك رحلته. فبمجرد معرفته بالخبر أصيب بالاكتئاب، ولأنه لم يكن يريد أن يراه أحد فى هذه الحالة قرر السفر إلى الإسكندرية، ومكث فيها ١٠ أيام، وفور عودته أصيب بأزمة قلبية حادة ومات بعد وفاة صديقه بـ١٠ أيام.
■ ماذا عن قصة الحب التى جمعت بينه وبين زوجته فوزية؟
- لم يحك «سُمعة» لأحد عن تفاصيل قصة الحب تلك، ولكنها استمرت ٢٧ عامًا، ما يؤكد أنها كانت الأهم فى حياته، فهى أم ابنه الوحيد.
■ ما سبب الأزمات التى تعرض لها فى نهاية حياته؟
- فى آخر مرحلة فى حياته تعرض «سُمعة» للإيذاء المتعمد، إذ كان يجد صعوبة كبيرة فى الوصول إلى منتجين على عكس بداية حياته الفنية. وبوضوح، كان هناك بعض الفنانين الذين يرغبون فى السيطرة على البطولات والجماهير فى ذلك الوقت، وكانت العقبة الوحيدة أمامهم هى جماهيرية «سُمعة»، وأدى ذلك إلى مروره بظروف مادية صعبة، لأنه كان ملتزمًا بتوفير مرتبات للعاملين معه فى المسرح، واستمر السقوط إلى أن توقف المسرح تمامًا عن العمل.
وهنا أود أن أوضح شيئًا قد تردد وهو أن يقال إن ظروفه المادية الصعبة كانت سببًا فى عدم دفنه بمقابر عائلته وهذا الكلام عارٍ تمامًا عن الصحة، والحقيقة أنه بعد وفاة إسماعيل ياسين بسبب أزمة قلبية حادة لم يدفن فى مدافن من ملكه الخاص، لعدم وجود مدافن له أو لعائلته فى محافظة القاهرة. فجميع أهله وأقاربه فى محافظة السويس، وعادة كان من يتوفى من العائلة يدفن فى المحافظة التى توفى بها. ودفن «سُمعة» بمقابر فتحية شريف زوجة الفنان عماد حمدى الأولى.. «يعنى مات مستور وساتر أهله عكس اللى بيتقال تمامًا».