رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل الصراع العـربى الإسرائيلى.. الموقـف الراهـن لأطراف الصراع


قامت «جريدة الوطن» على مدى يومين متتالين 10، 11 سبتمبر 2013 بنشر موضوع «مشروع دولة غزة» على جزء من أرض سيناء الغالية، بتبادل بعـض الأراضى مع مصر فى صحراء النقب، ومع الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وكأنه سبق وانفراد صحفى، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن جريدة «الدستور» هى التى كان لها شرف السبق، إذ نشرت هذا المقال بتاريخ 28 نوفمبر 2012، لذا أرجو التفضل بإعادة نشره لتوضيح الحقائق.. مع خالص احترامى ومودتى.

تناولت هذا المقال السابق نشره والذى انفردت به العزيزة «الدستور» بعـض التساؤلات عـن مستقبل الصراع العـربى الإسرائيلى بعـد إعادة انتخاب أوباما وهى، هل يمكن أن يراجع أوباما تجربته بشأن الصراع العـربى الإسرائيلى ويلتـزم بحل هذا الصراع المزمن عـلى أسـاس «دولـتيـن لشعـبيـن»، كما أعـلن فى خطابه بجامعة القاهرة؟ وما هـو المحتوى الفكرى والأخلاقى لهذا الحل الذى سيتحدد على أساسه بنيان وقيم هاتين الدولتين؟ وهل سيكون هذا الحل متوازناً ومتكافئاً بين أطراف الصراع، خاصة بعـد أن تحرر من القيود التى حكمت سـيـاساتـه فى فترة رئاسته الأولى؟ أم ستحول تفاعلات المتغـيـرات الإقليمية والدولية الراهـنة والمستقبلية دون ذلك؟ وهـل يتسق حل أوباما مع ما جاء بوثـيـقـة الجـنرال الإسرائيلى «إجـيـورا إيلانـد» الذى طرح حـلاً على أسـاس إقليمى للصراع يؤسس لقـيـام دولـة «أردنسطين»؟

ويدور الحل الإقليمى الذى يشمل كلاً من مصر والأردن وإسرائيل والفلسطينيين حول تبادل بعـض الأراضى، أو «التنازلات المؤلمة»، كما عـبر عـنها أوباما فى خطابه بجامعة القاهـرة، بتخلى إسرائيل عن معـظم الأراضى التى تحتلها فى الضفة الغربية، وتستقطع مصر جزءاً من سيناء لصالح الفلسطينيين، فى مقابل أن يتنازل الفلسطينيون عـن مساحة مساوية من الضفة الغربية لصالح إسرائيل، ولعـل أخطر ما زعـمه أيلانـد هو ان أوباما جاء لتنفيذ هذا المخطط، وأن عـملية الانسحاب الإسرائيلى من غـزة عام 2005 كانت هى أولى الخطوات لتنفيذ هذا الحل، وأضاف أنه برغـم أن مصـر قد رفضت ذلك لإدراكها خطورة المخططات الإسرائيلية إلا أن حركة حماس رحبت بذلك، وكان ثمن هذا الترحيب هو حصولها على الأغـلبية المطلقة فى الانتخابات التشريعـية الفلسطينية قبل أن تنقلب عـليها حركة فتح فى يوليو 2007، وتم الاتفاق على تبادل الأراضى وفقا للأسس التالية : تتنازل مصرعن760 كيلومتر مربع من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهى عـبارة عن مستطيل عرضه ٢٤ كيلومتراً يمتد على طول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غـربا وحتى حدود مدينة العـريش، وطوله ٣٠ كيلومتراً يبدأ من غرب كرم أبوسالم ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، عـلى أن تتنازل إسرائيل لمصر عـن جزء من جنوب غرب صحراء النقب «امتداد وادى فيران» بمساحة قد تصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً «أو أقل قليلاً» ويتنازل الفلسطينيون عن «يهودا والسامرة» بالضفة الغربية لإسرائيل بمساحة ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً أى ذات المساحة التى ستُضم إلى غزة من مصر، فإذا كان الأمر كذلك أى أن هناك حلاً تم التوافق عـليه، فلماذا إذن توجه إسرائيل هذه الضربات الجوية فى عملية عامود السحاب ضد الشعـب الفلسطينى فى غـزة؟ وما موقف الولايات المتحدة وردود أفعال القوى الإقليمية الفاعـلة من هـذه العـملية؟ ولماذا تُصـر إسرائيل على ضرورة التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع حماس؟

فى يقينى أن إسرائيل تدرك تماما أنها تحمل فى كتلتها الحيوية ضعـفاً شديداً، يتمثل فى ضآلة عمقها الاستراتيجى، وتناقضات نسيجها الاجتماعى، حيث اكتسب يهود الشتات سمات محددة عـبـر قرون مضت عـندما عاشوا كأقلية فى مجتمعات مغـلـقـة فى مختلف دول العالم، فـتعـددت الأجناس وتنوعـت اللغـات واختلفت الثقافات وتناقضت القـيـم، وتعاظم هذا الـتـنـاقـض بـيـن العـلمانـيـيـن والديـنـيـيـن وبين جيـل المؤسسين أى جيل الشتات وجيل الصابـرا أى الذين ولـدوا فى إسرائـيـل، وإزاء هذا التناقض كان لا بد من وجودعامل يؤلف بينهم يقرب بين الثقافات ويوحد بين الأجناس والألوان، فكان الدين اليهودى هو العامل الوحيد المشترك بين أولئك وهؤلاء، ولذلك تعـمدت إسرائيل اختيار رمز ديـنى لعمليتها «عامود السحاب» إشارة إلى ظهور ملاك الرب لهم أثناء خروجهم من مصر لحمايتهم، وكأنها تريد أن تذكر رعاياها بأن الخطر الآتى من غـزة يُمثل الخروج الثانى، ولذلك يتعـين تجريـد حركة حماس من قدرتها التدميرية خاصة صواريخ فجر الإيرانية التى يبلغ مداها حوالى 85 كيلومتراً وثؤثر تأثيراً مباشراً فى بعـض المدن الإسرائيلية، كما يتعـين إعادة انتخاب محور نتنياهو – ليبرمان، حيث أصبح ذلك ضرورة استراتيجية ملحة لأمن إسرائيل، فما أشبه اليوم بالبارحة، فعـندما كانت إسرائيل تستعـد لانتخابات 2008 شنت غاراتها على غـزة فى عـملية الرصاص المصبوب، والسؤال الذى يتعـين طرحه الآن هو هل يمكن لإسرائيل أن تتنازل عن مساحة حوالى 720 كيلومتراً مربعاً من أراضيها فى المنطقة جنوب غرب صحراء النقب أى فى أضعـف اتجاه استراتيجى لها، حيث يمكن لمصر أن تعـزل جنوبها عن شمالها، بل يمكن لمصر أن تحرمها من منفذها على البحر الأحمر، وهل يمكن أن توافق إسرائيل عـلى حل يقضى بتبادل الأراضى بين دول النطاق المباشر للصراع؟ وهل سيتم تبادل هذه الأراضى بعـد تفريغها من مجتمعاتها المحلية أم سيتم تبادلها بمجتمعاتها؟ فإذا كانت إسرائيل توافق على مثل هذا الحل فلماذا تبنى الجدار العازل على طول الحدود المصرية وهى تكثف العمل الآن لاستكماله خلال عام 2013، ولماذا استكملت إسرائيل جدار الفصل العـنصرى على طول الخط الأخضر بالضفة الغـربية؟ وفى الاجتماع الذى ضم هيلارى كلينتون ونتنياهو تركزت المحادثات حول مطلب إسرائيل الرئيسى، وهو ضرورة التفاهم مع جماعة الإخوان التى تسيطرعـلى حماس للتوصل إلى حل طويل الأمد لهذا الصراع، وهو ما يمثل الخيار الأفضل لإسرائيل، أما إذا استحال التوصل إلى ذلك فإن المجتمع الدولى سيتفهم أن إسرائيل ستتخذ الإجراءات الضرورية للدفاع عـن نفسها، ولم يُشر نتنياهـو يوماً إلى حل الدولتين.

ويمكن استخلاص واقع تفاعلات الولايات المتحدة من تصريحات هـيلارى كلينتون فى ذات الاجتماع، فقد صرحت بأن أوباما قد أرسلها إلى إسرائيل برسالة واضحة بالالتزام الأمريكى بأمن إسرائيل، مؤكداً ما أعلنه فى خطابه بجامعة القاهرة بأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية unbreakable غـير قابلة للكسر، وهو ما التزمت به جميع الإدارات الأمريكية منذ نشأة إسرائيل وحتى الآن، إذ تشير المعادلة الاستراتيجية الأمريكية إلى أنه كلما زادت مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، ازداد ارتباطها بإسرائيل حتى أصبح هذا الارتباط عـضوياً، وأن أمن إسرائيل لا بد أن يستند على الاعـتبارات الأمنية أولاً، وأن ينطلق من إحداث التفوق عـلى الدول العـربية مجتمعة، وأن هذا التفوق لا بد أن يقوم على أسـاس استراتيجى حربى، ولذلك فهى تدعم جميع المعـطيات الاستراتيجية التى ترتبط بعـلاقات توازن القوى بما يضمن تصاعـد منحنى هذا التفوق باستمرار. وفى يقينى أن الولايات المتحدة تسعـى حثيثاً إلى تهيئة البيئة الاستراتيجية للمنطقة العـربية لكى تكون تحت هيمنة نظام حكم واحـد يمكن السيطرة عـليه مستقبلاً، وقد أدركت مدى تعـطش تـيـار الإسلام السياسى للسلـطـة، فمكٌنته من حكم الجزائر وتونس وليبيا ومصر التى لعـبت دوراً رئيسياً لتهدئة الموقف الملتهب بين حماس وإسرائيل، الذى رحبت به الولايات المتحدة ما دام يُؤدَى تحت مظلتها، وفى يقينى أيضاً أن الولايات المتحدة لن تهدأ إلاُ بتسليم سوريا لجماعة الإخوان المسلمين حتى يكتمل عـقـد دول شرق وجنوب المتوسط تحت النفوذ التركى، أما تفاعلات القوى الفاعـلة الأخرى «تركيا إيـران مصــر»، فسأتناولها فى مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية.. جامعة بورسعيد