رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدعم السلعى أو النقدى.. المزايا والعيوب


وأخيرا نشير إلى أن دعم الغذاء يرتبط كثيرا بالصحة العامة للأفراد ويزيد من الرضاء على أداء الدولة ويخرج الكثيرين من دائرة الفقر ويؤثر كثيرا فى الاستقرار المجتمعى والأمن المجتمعى ولذلك فعلى الحكومة أن تتروى كثيرا وتعالج الأمر بالحكمة اللازمة قبل إقرار نظام الدعم النقدى عن السلعى.

الدعم هو إحدى الوسائل التى تستخدمها الحكومات للتخفيف عن كاهل محدودى الدخل وتقليل إحساسهم بالفقر بتأمين الحد الأدنى اللازم لمستوى معيشتهم. ويتم تحقيق ذلك بتوفير السلع والخدمات للفقراء بأسعار تقل عن أسعارها الحقيقية لضمان الحد الأدنى لمستويات التغذية الصحية اللازمة لكى يبقوا أصحاء.

ويأخذ الدعم فى مصر عدة أشكال منها الدعم المباشر وغير المباشر ودعم مساندة الهيئات الاقتصادية. ويأخذ الدعم المباشر شكلين أساسيين وهما الدعم الموجه لحماية المستهلك والدعم الموجه لتشجيع المنتج. يشمل النوع الأول دعم السلع الأساسية والذى تظهر أرقامه صريحة فى الموازنة العامة للدولة، ويشمل دعم السلع التموينية ورغيف الخبز، ودعم الأدوية الأساسية «الأنسولين ولبن الأطفال» والتأمين الصحى على طلاب المدارس والجامعات. بينما يشمل النوع الثانى دعم الصادرات السلعية وكذا الدعم الموجه لفرق فوائد القروض الميسرة للإسكان الشعبى والمشروعات الصغيرة ونقل الركاب. أما الدعم غير المباشر فهو الفرق بين تكلفة الإنتاج وثمن البيع «أو ثمن التصدير» ويشمل جميع المنتجات البترولية «بنزين وكيروسين وسولار ومازوت وغاز طبيعى» والكهرباء ومياه الشرب.

يرى الرأى الحكومى أهم عيوب الدعم السلعى من وجهة نظرها فى أنه أولا: عدم وصول الدعم لمستحقيه حيث إن نظام دعم السلعة وليس دعم الفرد لا يكفل وصول السلعة المدعمة إلى الفرد المستحق بل غالبا ما يحصل عليه المستحق وغير المستحق ثانيا: ليس بالضرورة أن يصاحب ارتفاع تكلفة دعم الغذاء زيادة العائد الذى يعود على الفقراء لأن الغذاء المدعم من الممكن أن يجد طرقا عديدة للتسرب للأغنياء أيضا مع وجود العديد من الأرامل والفقراء خاصة فى أعماق قرى الصعيد لا يمتلكون بطاقات تموينية ولا يعلمون حتى كيفية استخراجها ولايوجد بهذه المحافظات من هو مكلف بالوصول إلى هذه الفئات الشديدة الفقر واستخراج بطاقات الدعم أو إيصال الدعم المستحق إليهم، لأن أغلبهم يعيش على الصدقات بل إن بعضهم قد لا يمتلك ثمنا يمكن أن يسدده للحصول على حصته الغذائية المربوطة على بطاقته التموينة ثالثا: عدم كفاية الحصص التموينية لتغطية احتياجات الأسر والأفراد، لأن الدولة ترى أنها مسئولة فقط عن توصيل الحد الأدنى من الغذاء، الذى يمكن للفقير أن يتناوله وليست مسئولة عن صرف جميع احتياجاته الغذائية. فإذا كان معدل استهلاك الفرد فى مصر رسميا من الأرز يبلغ 4.5 كجم من شهريا، فالدولة تصرف له 2 كيلو فقط، وإذا كانت متطلبات الفرد من زيت الطعام نحو 2.5 كيلوجرام شهريا فالدولة تصرف له كجم واحد فقط والمثل أيضا تصرف له نصف احتياجاته من السكر. رابع العيوب هو ضعف مستوى الاستهداف حيث لا يوجد تصنيف واضح يمكن الاعتماد عليه فى تحديد طبقات الاستهداف طبقا لمستويات دخول الأفراد سواء فى القطاع الحكومى أو الريفى أو القطاع الخاص وبالتالى لا يمكن الوصول بدقة لمستوى الدخل الذى يمكن أن يوصف من يقل عنه بأنه يستحق الدعم السلعى والاستفادة من نظام البطاقات التموينية، فعلى حين ترى فئات موظفى الحكومة أن كل من يقل راتبه الشهرى عن ألفى جنيه «65 جنيها فى اليوم» فهو يستحق الدعم للغذاء والتعليم والوقود والطاقة لأن نصف هذا المبلغ يصرف فقط على الغذاء ويصرف رب الأسرة الباقى على تعليم الأولاد وكسائهم وعلاجهم وانتقالاتهم والكثير من المصروفات الضرورية، وفى المقابل ترى الدولة أن الأسرة بكاملها «وليس دخل الفرد فقط» التى يصل فيها دخل الزوج والزوجة معا إلى ألف جنيه شهريا فقط «أى 33 جنيها يوميا» فهى أسرة لا تستحق الدعم ولا تستحق بطاقة تموينية ولا خبز مدعمًا وكأن عشرة جنيهات فى اليوم يمكن أن تكفى أسرة مكونة من خمسة أفرد طعامًا فى اليوم على اعتبار أن الأسرة تصرف نصف الراتب فى الكساء ومصاريف التعليم والعلاج والمواصلات والتواصل والمجاملات!.

هناك أيضا تهريب الزيت التموينى وبيعه إلى المطاعم والأهالى وبالمثل أيضا السكر التموينى أما الأرز التموينى فنحن نرى أنه لا يساوى حتى سعره التموينى لتدنى نوعيته وعدم آدميته. وآخر الأسباب هو عدم كفاءة نظام البطاقات التموينية حيث تشير بيانات وزارة التموين إلى أن نحو 15% من حاملى البطاقات التموينية لا يستخدمونها كما أن هناك أفرادًا فى بعض الأسر غير مدرجين على هذه البطاقات، بالإضافة إلى ما تحتويه نظام البطاقات من أعداد كبيرة من المتوفين والمسافرين للخارج.

وهناك العديد من المخاوف من التحول من الدعم السلعى إلى الدعم النقدى طبقا لرغبة الحكومة. فقد أشارت بيانات البنك الدولى الصادرة عام 2006 إلى أن دعم الخبز والسلع التموينية ساهم فى إخراج الملايين من المصريين من دائرة الفقر والمرض بل والحقد والنقم أيضا على الدولة وسياستها بسبب أوضاعهم المتردية كما أن ارتفاع نسبة الفقر المعلنة رسميا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من 19.2 إلى 21.5% - وهى أقل كثيرا من واقعها الحقيقى حيث نقدرها بأربعين فى المائة فى المدن و 78% فى الريف - تتطلب التروى تماما والتأكد من أن الآليات المقترحة لتغيير نظام الدعم السلعى ودعم الخبز والتحول إلى الدعم النقدى يمكنها الوصول إلى جميع مستحقيه فى جميع المحافظات المصرية. وهناك العديد من المخاوف التى تنتاب الفقراء من فكر التحول إلى الدعم النقدى تتلخص في: «1» احتمال تكرار حدوث أزمات عالمية لارتفاع أسعار الغذاء مستقبلا أو ارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه المصرى بما يمكن أن يرفع أسعار الغذاء بنسب كبيرة فوق نطاق تحمل الفقراء، وبالتالى تأكيد الدولة على إعادة النظر دوريا فى المبالغ المخصصة للدعم النقدى والذى لا نعتقد إمكانية حدوثه بسبب ارتباط ذلك ببنود فى الموازنة العامة للدولة لا يمكن تغييرها إلا مع بداية الموازنات الجديدة كما أن فكر الدولة فى التحول إلى الدعم النقدى يشير إلى رغبتها فى إغلاق ملف الدعم نهائيا وبالتالى يصبح الطلب فى إعادة النظر فى مخصصات الدعم مثل طلبات إعادة النظر فى مرتبات العاملين بالدولة والتى لا تجد تجاوبا من الدولة. «2» إذا كان دعم الخبز والسلع التموينية معا لا يشكل أكثر من 18.8% من إجمالى مبالغ الدعم والمنح والمزايا فى حين تبلغ نسب دعم المواد البترولية 59.9% من إجمالى الدعم، وبالتالى فإن الحكمة تشير إلى أن دعم الغذاء يجب أن يأتى فى مؤخرة الفكر فى رفع وترشيد الدعم. «3» لمن يتم صرف الدعم النقدى؟! للأب الذى ربما يكون غير أمين وينفقه على ملذاته أم للأم التى ربما تنفصل عن الزوج والأسرة وتستأثر بمبلغ الدعم وحدها؟!. «4» كيف تضمن الدولة أن الدعم النقدى سيستخدم فى شراء الغذاء فقط دون غيره ووصوله إلى كل أفراد الأسرة.

وأخيرا نشير إلى أن دعم الغذاء يرتبط كثيرا بالصحة العامة للأفراد ويزيد من الرضاء على أداء الدولة ويخرج الكثيرين من دائرة الفقر ويؤثر كثيرا فى الاستقرار المجتمعى والأمن المجتمعى ولذلك فعلى الحكومة أن تتروى كثيرا وتعالج الأمر بالحكمة اللازمة قبل إقرار نظام الدعم النقدى عن السلعى.

■ كلية الزراعة جامعة القاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.