رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دكتور إسماعيل راضي يكتب عن "المشبوه"

جريدة الدستور

بأحب السينما "٢"
فيلم المشبوه

الإنتاج: ١٩٨١
السيناريو: إبراهيم الموجي
الإخراج: سمير سيف
البطولة: عادل امام - سعاد حسني - فاروق الفيشاوي - سعيد صالح - نعيمة الصغير- فؤاد احمد - علي الشريف - كريم عبد العزيز

الفيلم مقتبس عن فيلم Once a Theif

اكتب عن هذا الفيلم لسببين، أولا لأن له عندي ذكرى خاصة ترتبط بتكوّن وعيي وإدراكي للحياة وبداية حبي لعادل امام، سنة ١٩٨٠ وكان عمري ٥ سنوات كنا نسكن في حي الزمالك في شارع شجرة الدر بجوار حديقة الاسماك، كانت منطقة سكنية هادئة جدا، واثناء عودتنا ليلا للبيت انا واختي مع والدي في السيارة من شارع صلاح الدين الملاصق لسور حديقة الأسماك مررنا بتجمهر تبين لنا انه موقع تصوير لفيلم سينما وانه ايضا فيلم لعادل امام، فتوقف والدي بالسيارة ونزلنا واقتربنا من مجموعة العمل واستأذن والدي من مدير الموقع أن يسلم الاطفال (انا واختي ) على النجم عادل امام، وبالفعل سلم علينا عادل امام وقابلنا بابتسامته الجميلة المعهودة وصافحنا وأعطانا صورة له مذيلة بإمضاءه احتفظت بها لسنين.

كان موقع التصوير هو لتصوير اهم مشاهد الفيلم ويعتبر المشهد المحوري وهو مشهد مطاردة ضابط الشرطة للص الهجّام الملثم في منتصف ليل القاهرة.

السبب الثاني لاختيار هذا الفيلم انه من الافلام القليلة التي أبرزت قدرات تمثيل كل من عملوا به وذلك بفضل السيناريو المحكم والاختيار الموفق للممثلين ( casting ) والاخراج العبقري والموسيقى التصويرية المعبرة جدا، باختصار إنه عمل فني متكامل.

القصة هي في أساسها نمطية وشخصيتها المحورية هي الشاب المهمش او الخاسر ( the underdog ) الذي ينتصر على الظروف القاسية او الاعداء الكارهين ليتفوق ويعود للمقدمة، والبطل هنا هو ماهر النمر لص المنازل او الهجام الذي يكون تشكيل عصابي مع شقيقه ومجموعة من الأشقياء لسرقة المنازل وأثناء سرقة احد المنازل يتعرف على احد فتيات الليل وتنشأ بينهما قصة حب واثناء هروب العصابة طاردهم ضابط شرطة ولكن اللص الملثم تمكن من الهرب ولم يرى منه الضابط إلا عينيه من خلف القناع.

يشار في سياق الفيلم ان بطلنا متعلم ولكن ظروف الحياة أدت إلى انحرافه وامتهانه السرقة، وكذلك فتاة الليل، وبعد قضاء عقوبة في السجن يحاول البطل وبعد ارتباطه بحبيبته أن يتوب عن طريق الحرام ومهنة السرقة لكنه يظل اسير ماضيه وسوابقه وسجين المجتمع القاسي الذي لا يغفر مع اغراء زملاء السوء الذين يحاولون اغواءه للعودة للسرقة.

مشاهد الصراع النفسي للبطل والبطلة غاية في الروعة، تغير ملامح شخصيته عبر احداث الفيلم من القسوة والعنف الى الحنان والحب الشديد لزوجته وابنه وشقيقه ابرزها الكاتب والمخرج ونفذها الابطال بحرفية شديدة، على الجانب الاخر نرى هوس الضابط بملاحقة اللص الذي تمكن من الهرب منه حتى يعثر عليه في مقر عمله الجديد، مشهد اللقاء الثاني لهما وشك الضابط به مع مقاطع "فلاش باك" متلاحقة للمطاردة يضع المشاهد في لحظات التوتر الذي يعيشها اللص الذي كُشف والشك الذي ينمو داخل الضابط واعقب ذلك صفعة ودفعة قوية من الضابط للص تعبر عن غضب عارم وكراهية شديدة من الضابط تجاه اللص.

ثم مشهد جلوس اللص على ارض غرفة مكتب الضابط بعد ليلة من الاحتجاز والاستجواب حوله بعدها للتحري ليعود ويجد زوجته قد امتهنت الرقص بعد احتراق مورد رزقه (سيارة النقل الصغيرة) ليتحطم حلمه ويتبدد أمله في حياة شريفة، عادل امام هنا ادى مشهد لم ينطق به بكلمة ولكن جلوسه على ارض بيته والمنظور من جانبه (بروفايل) يبرز بمنتهى الجمال عمق القهر والظلم الواقع عليه، وبجانبه زوجته تحاول ان تهون عليه بمنتهى الحب والحنان.

ايضا نرى شقيق اللص التائب والذي يحاول استقطابه مرة اخرى للعودة للسرقة ويدفعه هنا في المقام الاول حبه لشقيقه واعتقاده (الخاطئ) انه يساعده لحل ازمته المالية.

الموسيقى اضافت الكثير للعمل وقد تحدث هاني شنودة عن ظروف اختياره لهذا العمل ومعاني الجمل الموسيقية التي وضعها وعلاقتها بفكرة الفيلم.

الفيلم مليئ بالتفاصيل والمشاعر والعلاقات الانسانية الجميلة والمعقدة، الحبيب والحبيبة، الاخ واخوه، اللص والشرطي.

المجتمع قاسي في احكامه، اشد قسوة من اغلظ القوانين، لا تتركوا انفسكم تسقطوا في هوة اطلاق الاحكام على كل مشبوه، تلك هي - من وجهة نظري - رسالة الفيلم.
Everyone needs a break