رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كشف صحفى جديد.. قصص حب بولا محمد

جريدة الدستور

هو واحد من جيل الرواد فى الصحافة الفنية.. كان صديقًا مقربًا لنجوم الفن «عبدالوهاب وأم كلثوم وشادية وهند رستم...».

اشتهر بحواراته مع النجوم، وبالأسرار التى كان ينفرد بها على صفحات مجلة «آخر ساعة»، وهو من تلاميذ مؤسس الدار مصطفى أمين.

هو الصحفى والناقد الفنى مجدى فهمى الذى صال وجال فى سماء الصحافة الفنية فى مصر ولبنان، حيث كان يكتب فى مجلة «الشبكة» اللبنانية.

ولأننا لا نحفظ لكبارنا مقاماتهم، فقد تاه أرشيف مجدى فهمى الثرى بحواراته و«خبطاته» قبل أن تمتد يد أمينة وتجمع جزءًا من هذا الأرشيف، نشره «مجدى» فى «الشبكة» تحت عنوان «أسرار من حياة النجوم».

هذه الأسرار عاشها «مجدى» مع أبطالها لحظة بلحظة، والذى دفعه إلى نشرها أن «الحقائق مثل الكنوز الغارقة مع حطام السفن، إذا لم تطف على السطح لا بد من أن تجد فدائيًا يخرجها إلى النور».

ومن بين أهم ما كتب مجدى فهمى ٤ موضوعات عن الحب فى حياة نجمتنا الكبيرة نادية لطفى.. تعالوا معًا نقرأها.

قصص حب بولا محمد


فى كل مرة أشاهد فيلمًا من أفلام الحرب تقفز صورة الشقراء الحلوة نادية لطفى إلى مخيلتى.. وقد تتساءل بدهشة ما وجه الشبه بين الاثنين؟

وأجيبك: قلبها!!

نعم.. فقلب نادية مثل حصن من الحصون الحربية التى نراها على الشاشة تحيط به الأسلاك الشائكة من جميع الجهات.. لا يمكنك أن تقتحمه.. وإنما يجب أن تتسلل إليه!!

والذين حاولوا اقتحام قلب نادية كثيرون..

والذين أفلحوا فى التسلل إليه قلة.. بل قلة القلة!!

فى عام ١٩٦٠ سمعت لأول مرة همسة حول قلب نادية.. قال لى أكثر من واحد: نادية تحب!!

فلما سألت عن شخصية البطل، قيل لى إنه عزالدين ذوالفقار.

وكنت أعرف المخرج الفنان جيدًا، ولكننى لم أكن أعرف نادية إلا معرفة بسيطة بحكم العمل، ومن هنا لم أرد أن أصدق الخبر أو أكذبه قبل أن أقف على الحقيقة بنفسى.

وفى حديقة القناطر الخيرية وهى حديقة جميلة تختزن مياه النيل، وتنظم تصريفه، وتنبت من مياهه الأشجار العالية والورود الحلوة.. فى هذا الإطار الخلاب بدأت أعرف الصورة على حقيقتها.. صورة نادية لطفى!

كانت نادية تمثل فيلم «حبى الوحيد» وهو ثانى فيلم لها أمام عمر الشريف، وكان المشهد الذى تستعد لتصويره والذى وقف يشرحه لها بهدوئه المعروف المخرج كمال الشيخ، يمثلها وهى تركب عربة من العربات المعروفة باسم «الحنطور» وتسير بها بسرعة بعد أن حاول كمال الشناوى- الشرير فى الفيلم- أن يأخذها بـ«العافية».. أن يستولى على قلبها بالإكراه، وكانت النتيجة صفعة قوية من نادية على خد كمال، ثم هروبها بالعربة وأعيد تصوير اللقطة مرات حتى رضى عنها المخرج، ثم قفزت نادية من العربة وجاءت إلينا تصافحنا وهى تبتسم وتمسك بيدها «سندوتش».

وقلت لها: لقد كنت قاسية!!

وسألتنى: متى؟

فأجبت: عندما صفعت كمال.

فقالت: بل كنت على العكس رحيمة به..

ثم أضافت وهى تضحك ضحكتها العالية التى اشتهرت بها: لو أن هذا حدث فى الحياة مثلًا لنقلوه إلى الإسعاف.

وكانت نادية جادة بالرغم من أن كلماتها بدت لنا فى صورة «هزار».

وسألت نادية بعيدًا عن الناس:

- ما رأيك فى الحب؟

وفوجئت بالسؤال، ولكنها ابتسمت ثم قالت بعد تفكير:

- الحب وهم كبير نتخيله أكثر مما نعيش فيه!!

وسكتت قليلا ثم قالت:

- هل راقبت مرة رسامًا.. إنه يختار ألوانه بعناية ويمزجها بدراية كبيرة، ثم يجتهد فى أن يحول قطعة باردة من القماش الرخيص إلى دنيا زاهية.. لسنا نعيش فيها طوال اللحظات، أو الساعات، أو الأيام التى يستغرقها العمل حتى يكتمل.. وعندما ينتهى منها يعتز بها اعتزازًا كبيرًا.. ولكنه يعجز كل العجز عن أن يدخل هذه الدنيا.. إنه يضع فيها صورته فى بعض الأحيان.. ولكنه يعجز عن أن يضع فيها ذاته.. والحب هو هذه اللوحة.. خطوط.. وألوان وخيال ومجهود، ثم خروج إلى الواقع.. وهذا الواقع نفسه هو الذى يدفع الفنان إلى بيع لوحاته، وإلا لاحتفظ بها إلى الأبد.

واستولت علىّ دهشة كبيرة، وأنا أستمع إلى الممثلة «الناشئة» وهى تبدى مثل هذه الآراء فى الحب.. فلم يكن بين كلماتها آثار لعبارات التقطتها من الروايات، أو انطبعت فى ذهنها من الأفلام، وإنما كان فيها نظرة شخصية إلى الحب.. إلى الوهم الذى نتخيله ولا نعيشه!

كانت نادية زوجة وأمًّا، وكانت راضية بواقعها.. فكيف يمكن لإنسانة هذه حالها، وأفكارها، أن تتورط فى قصة حب طائش؟

ووجدتنى فى صفها.. وبدأت أنفى بشدة الخبر.. خبر حب نادية وعزالدين ذوالفقار.

ولكن المثل يقول: لا يوجد دخان بلا نار.

وكان هناك دخان فعلًا.. دخان كثيف ينبعث من نار ضئيلة، أشبه بالشعلة المنبعثة من عود ثقاب!

بدأت الحكاية قبل تصوير فيلم «حبى الوحيد» بشهور قليلة، فقد دعا المنتج رمسيس نجيب بعض الأصدقاء والصحفيين لمشاهدة فيلمه «سلطان». كان جمال الليثى بين الحاضرين.

وأعجب جمال بنادية، وهى تؤدى دور الصحفية الشابة التى تساعد خطيبها ضابط البوليس رشدى أباظة فى القبض على رئيس العصابة الخطير فريد شوقى، وعرض الفيلم.. ولم يحقق نجاحًا كبيرًا.. فقد كان رمسيس نجيب فى ذلك الوقت غارقًا فى حب لبنى عبدالعزيز- ولم يكن قد تزوجها بعد- ومن هنا لم يهتم كثيرًا بدعاية الفيلم، بقدر ما اهتم بدعاية فيلم «الوسادة الخالية»، أول أفلام لبنى عبدالعزيز، وبالرغم من هذا فقد صمم جمال على أن يمنح نادية فرصة جديدة.

وفوجئت نادية بالتليفون يرن فى شقتها الأنيقة المطلة على شاطئ جليم بالإسكندرية.

ورفعت نادية السماعة، لتفاجأ بجمال الليثى يقول لها:

- مدام نادية، أنا عندى لكِ دور كويس فى فيلم جديد.. إمتى حتيجى القاهرة؟

وقالت له نادية:

- بعد أسبوع إن شاء الله.

وجاءت نادية لطفى إلى القاهرة بعد المكالمة التليفونية بأربعة أيام، جاءت تقود سيارة زوجها «الأوستن» الصغيرة بنفسها. ونزلت ضيفة على شقيقته بشارع الفلكى. فقد كانت تقيم فى الإسكندرية بصفة دائمة، ولا تجىء إلى القاهرة إلا لزيارة قصيرة.. أو للعمل.

وفى صبيحة اليوم المحدد لاجتماعها بجمال الليثى، اتصلت به تليفونيًا، وقالت له إنها على استعداد لزيارته، وحدد لها جمال موعدًا الساعة السابعة من مساء نفس اليوم.

ودخلت نادية شركة أفلام جمال الليثى بشارع سراى الأزبكية لأول مرة.. دخلت بتردد وشىء من الخجل، فهى لم تعتد من قبل زيارة أى منتج عدا رمسيس نجيب، الذى وقع عقدها الأول فى بيتها بالإسكندرية.. وفوجئت نادية بمجموعة كبيرة من أصحاب الأسماء الكبيرة فى انتظارها.. كان هناك مخرج الفيلم كمال الشيخ، وواضع السيناريو صبرى عزت، والمنتج عباس حلمى، ثم المخرج الكبير المرحوم عزالدين ذوالفقار الذى وصل متأخرًا نصف ساعة. وأحست نادية وهى تستمع إلى تفاصيل القصة أنها تمر بامتحان.. امتحان عسير، وكان عليها أن تنجح.

ناقشت نادية الموجودين فى بعض التقاصيل، وسألت أكثر من سؤال فى الصميم.. وأحست بالراحة عندما تقدم إليها المنتج بالعقد لتوقعه.. فقد كان معنى هذا أنها نجحت.

وكانت قيمة العقد ثلاثمائة جنيه فقط لا غير.. ولكن قيمته الأدبية والفنية لم تكن تقدر عندها بثمن. ومرت ثلاثة أيام، واتصل جمال الليثى بنادية لطفى يدعوها لتناول الغداء مع أسرة الفيلم فى أحد المطاعم الكبيرة.. وعلى مائدة كبيرة بمطعم «الجريون» فى شارع قصر النيل، جاءت جلسة نادية إلى جانب عز.

وتكلم الاثنان كثيرًا، فقد كانت نادية معجبة بعز كمخرج مرهف الحس.. خلاق.. كما بدأ عز يعجب بنادية كإنسانة.

وفى نهاية الجلسة قال عز لجمال:

- خلاص يا جيمى.

وسأله جمال:

- خلاص إيه؟

فقال عز بهدوء، وهو يمر بيده فوق شعيرات لحيته الصغيرة، وهى عادة كانت تلازمه:

- خلاص لقيت بطلة الخيط الرفيع.

وقال جمال على الفور:

- وأنا موافق، فهى تصلح للدور تمامًا.

وكان عز فى تلك الأثناء يستعد لتقديم قصة صديقه وزميله فى الدراسة الصحفى المعروف إحسان عبدالقدوس «الخيط الرفيع» للشاشة. كان ينوى إنتاجها لحسابه. وقد بحث طويلًا عمن يسند إليه دور البطل، فلم يجد خيرًا من زميله المخرج يوسف شاهين.

ووافق يوسف على أن يقوم بالدور، وبقيت المشكلة مشكلة البطلة حتى عثر عليها عز.

وتحمس عز، فراح يروى القصة لنادية، واستمعت إليه نادية بإعجاب.

وقالت له:

- أنا موافقة.. ثم أنا أتفاءل جدًا بإحسان عبدالقدوس، فهو أول من كتب عنى، ثم أنا أحمل اسم بطلة من بطلات قصصه.

وشد عز على يد نادية، وقال لها:

- وأنا متفائل بالعمل معك.

وهكذا شاءت الأقدار أن تجمع بين المخرج عزالدين ذوالفقار وبين بولا محمد شفيق الشهيرة بنادية لطفى. ومرت أيام.. وجاءت نادية إلى القاهرة مرة جديدة. جاءت لتبدأ العمل فى فيلم «حبى الوحيد»، وفوجئت نادية فى أول يوم بباقة من الورود تسبقها إلى الاستوديو.. ومعها بطاقة عليها كلمات قليلة تقول:

«أتمنى لبطلة الفيلم الجديد وفيلمى المقبل كل التوفيق».

والإمضاء: عزالدين ذوالفقار.

وفى اليوم التالى، اتصلت كوثر شفيق زوجة عز بنادية فى الاستديو وقالت لها:

- مدام نادية أنا كوثر شفيق، وأنت بلاشك لا تعرفيننى، ولكننى أعرفك جيدًا، فقد حدثنى زوجى عنك كثيرًا، ويسعدنى أن أدعوكِ لتناول العشاء معنا الليلة.

وقبلت نادية الدعوة.. وذهبت إلى بيت عز فى الزمالك مع صديقة عزيزة اسمها عنايات.

ذهبت نادية إلى بيت عز وكوثر مع صديقتها عنايات، وكان هناك عدد من الأصدقاء بينهم صلاح ذوالفقار، وجليل البندارى، وجمال الليثى وكاتب هذه السطور.

وامتدت السهرة إلى ما بعد منتصف الليل، وانقسم المدعوون قسمين، قسم يتبارى على لعب «الطاولة»، والقسم الآخر يلعب الورق.. يلعب لعبة مسلية تعرف باسم «٣١». وفى نهاية السهرة أحست نادية بالجليد الذى كان يفصل بينها وبين الوسط الفنى يذوب. وتكررت السهرات، وأصيب عز بنوبة من نوبات الروماتيزم التى كانت تنتابه بين الحين والحين، ولزم عز الفراش، وأصبحت سهرة الشلة المفضلة حول سرير عز.

وعز- رحمه الله رحمة واسعة- كان مثال الفنان الذى يعيش بفنه ولفنه حتى كان من الصعب أن تعرف أين تبدأ حياة عز الخاصة، وأين ينتهى فنه.. كان الاثنان يمتزجان معًا. كما يمتزج الماء الساخن بالماء البارد فى صنبور واحد، فيصبح من المستحيل أن تغرق بين القطرات وبعضها، ومن هنا كان عز يحدثنا طويلًا عن «الخيط الرفيع» وعن أحداثه ومشاهده، حتى أصبحنا نرى الفيلم كاملًا فى كلماته.

وازداد التقارب بين عز ونادية.. وشفى عز، وبدأ يناقش تفاصيل الفيلم بصفة جدية فى مكتبه بشارع عمادالدين. وبدأت نادية تتردد على عمارة النهضة تجتمع بالفنيين. ومن هنا خرجت الإشاعة.

والذين أطلقوا الإشاعة كان لهم بعض العذر، فقد اشتهر المرحوم عزالدين ذوالفقار بحب البطلات اللواتى عملن معه جميعًا.. وذلك طيلة الفترة التى يستغرقها العمل فى الفيلم.. أحب مديحة يسرى عندما أخرج لها «إنى راحلة»، وأحب سامية جمال وهى تعمل معه فى الرجل الثانى.. وأحب.. وأحب...

ولكن هل كان حب عزالدين حبًا فعلًا؟!

الجواب: أبدًا.

كان عز يحب الحب فى حد ذاته. فقد بلغ من فرط حساسيته أنه كان يعيش الأفلام التى يخرجها.. يعيش فى دور البطل.. وفى دور البطلة.. وفى جميع الأدوار، وكان يؤديها أمام الممثلين والدموع فى عينيه.

ومن هنا كان عز يحب الانفعال، ويتقمص شخصية البطل.. فتكون النتيجة أن يبدو للناس- وأن يعتقد هو قبلهم- أنه يحب.

وفي حياة المرحوم عزالدين حبان فقط، الحب الأول بطلته فاتن حمامة، وقد ظل عز يعيش بجرح طلاقه من فاتن حتى بعد زواجه، ولم يندمل الجرح إلا عندما أحب نجاة الصغيرة، وهو الحب الذى لازمه حتى آخر يوم فى حياته.

وفى مكتبى ورقة صغيرة بخط عز كتب فيها فلسفته فى الحب باختصار

«الحب هو أسمى وأقوى عاطفة فى الوجود، فهو يحيينا وهو يميتنا، ونحن أضعف من أن نقتله».

عز كان يحب الحب ويخشاه..

ونادية كانت ترى فى الحب وهمًا نتخيله أكثر مما نعيشه.

الاثنان كانا يسيران فى طريقين متوازيين.. ومن هنا كان من الصعب أن يلتقيا،

ولم يكن هذا هو الحائل الحيد بين القلبين.. فقد كانت نادية متزوجة من الضابط البحرى عادل البشارى، ونادية كانت تحترم «عادل» وتراعى شعوره، وظلت حريصة على واجباته كلها حتى انفصلا بالطلاق.

وعز كان بدوره زوجًا لكوثر شفيق، وكوثر كانت تحب عز حبًا يقترب من العبادة، ولكنها كانت تغفر له بعض النزوات باعتباره فنانًا، وخشية على منزلها أن يتهدم.

الشىء الوحيد الذى كان يقرب بين عز ونادية كان حبهما الشديد للفن.

وكان عز مجتمعًا بنادية، يتفاوضان على بطولة الفيلم الذى تعاقدت معه آسيا على إخراجه. وكان سببًا فى تأخير إخراج «الخيط الرفيع»، فيلم «الناصر صلاح الدين» وكان معهما مساعد عز محمد عبدالجواد.

وفجأة فتح الباب، ودخلت كوثر ثائرة كالصاروخ!