رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سينما خالد جلال.. "الروائع تتكلم"

خالد جلال
خالد جلال

استقبل مسرح مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية منذ منتصف الشهر الماضي، مسرحية "سينما مصر"، للمخرج خال جلال، وهو نفسه رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي والمشرف العام على المركز. العرض عبارة عن محاكاة لـ75 مشهدا من روائع السينما المصرية التي قدمتها طيلة 100 سنة سينما.

بدأ العرض والجمهور هادئا ساكنا، وانتهي فرحا مبتهجا، لا يكف عن التصفيق إعجابا وفخرا بأبطال "ستوديو المواهب" الشباب الـ 67، الذين تلمح في أدائهم مواهب مشتعلة تبشر بميلاد جيل قادر على أن يجدد الهوية الثقافية والفنية لمصر، ويؤسس من جديد لقواها الناعمة التي يعتبرها البعض أصبحت نسيا منسيا.

العرض الذي بدأ بمشهد سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في فيلم "الليلة الأخيرة"، وظهرت من خلاله وهي فاقدة الذاكرة، لتبدأ رحلة طويلة من الانكسار والصمود والصدام، محاولة الوصول إلي الحقيقة، التي تؤكد أنها مجرد ضحية مجني عليها لمجرم لا يعرف شفقة ولا رحمة.

لم تكن "نادية" هنا إلا رمزا اختاره المبدع خالد جلال للدلالة على "مصر"، وطنه ومستقر حلمه، تلك الذي طالته طعنات التغريب وضربات الأعداء، لكنها دائما تبقي قادرة على عبور الأزمات، مستردة الاسم ومستقرة على عناوين الأمل في رحلتها نحو المستقبل.

في مشهد النهاية تجلت الروائع وتجلت قدرات أبطال العرض، بعدما قدموا تابلوها فنيا مُحكما في مشهد شديد العظمة حين صرخت "نادية" في وجه من تلاعب بها قائلة: «أنا قابلت ناس كتير زيكم.. بوشوش مختلفة وأشكال برضه مختلفة.. بس في كل مرة دايما كنت قادرة إني أهزمهم.. وههزمهم.. أنا اللي هعيش وأنتم اللي هتموتوا».

لم تكن تلك الكلمات إلا مجرد رسالة أراد أن يؤكدوا بأن مصر قد تعاني أحيانا لكنها لا تنكسر، تمرض لكنها أبدا ودائما لا تموت، لأنها وباختصار كنانة الله في أرضه.

ثلاث ساعات بقي الجمهور وحده سابحا وهائما في رحلة من الشجن وموجة من الفرح وطوفان من المرح، صنع تفاصيلها وصاغ معالمها هؤلاء الموهوبين، وكأنهم أرادوا أن يمنحوا الحاضرين رسالتين "أمل وعمل"، الأولي هي التأكيد على أن مصر مليئة ببحر من المواهب، والثانية هي الإخلاص والإيمان بالعمل أقصر طريق للنجاح والإبداع، وتلك هي "ظاهرة خالد جلال".

الحالة التي يقدمها خلال جلال، لا يمكن التعامل معها باعتبارها جملة عابرة، نبتهج بها أياما، ونتحدث عنها شهورا فقط؛ دون أن نتعامل معها بما تستحق من تعامل؛ الواجب الآن هو أن نجعل تلك التجربة وحيا يتنزل إبداعه ومتعته في كافة نواحي المحروسة، تنهل منه المدارس والجامعات، الشوارع والحواري، باختصار؛ ويكون لمصر كلها نصيب منها بالمشاهدة والمشاركة والممارسة.

"ستوديو المواهب" حان أوان أن يتحول لمشروع قومي، تتجاوز إمكانياته حدود مركز الإبداع، وتتخطي قدراته أسوار دار الأوبرا بجمهورها النخبوي وطبقتها الأرستقراطية، يستحق خالد جلال ومشروعه الدعم، فهو قادر على اكتشاف ألوف من المواهب التي تتنظر من يهبها فرصة الحضور والانطلاق.

باختصار؛ لو تحقق ذلك فتلك أولي درجات عودة الوعي واستعادة الوهج الثقافي المفقود، لأننا في أزمة تقترب من حد الكارثة، وليس لها من دون تكاتف قوي الفن والثقافة والفكر كاشفة، ومرة أخيرة شكرا نجوم "ستوديو المواهب".