رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَنْ ينصف أمير الأفلام الرومانسية؟ عزالدين ذوالفقار ينتظر معاشًا منذ 55 سنة

جريدة الدستور


يعتبره السينمائيون أمير السينما الرومانسية المتوج، ويعتبره العسكريون واحدًا من فرسان العسكرية المصرية ومن ضباط يوليو الأحرار، ورغم أن عزالدين ذوالفقار جمع المجد من أطرافه، فإن أسرته لم تحصل على معاش بعد وفاته «رحل فى أول يوليو ١٩٦٣» التى مر عليها الآن ٥٦ سنة.
فى سجله السينمائى قدم عزالدين ذوالفقار ٣٣ فيلمًا، صار أغلبها من كلاسيكيات السينما المصرية وأكثرها يحتل مراكز متقدمة فى قائمة المائة فيلم الأفضل فى تاريخنا السينمائى. يكفى أن نذكر أنه صاحب: «نهر الحب، شارع الحب، الشموع السوداء، رد قلبى، امرأة فى الطريق، الرجل الثانى، إنى راحلة، بين الأطلال، أنا الماضى، موعد مع السعادة..».

رغم ما حظى به عزالدين ذوالفقار من مكانة وما ناله من تقدير وما حصده من مجد، إذ بجانب أفلامه «العلامات» ارتبط زوجًا بسيدة الشاشة فاتن حمامة وأنجب منها ابنته «نادية»، كما كان أحد المؤسسين والآباء الأوائل لنقابة السينمائيين، وأنفق كل ما كسبه من السينما عليها كمنتج، ثم إنه ينتمى إلى واحدة من أشهر العائلات السينمائية. فشقيقه الأكبر محمود ذوالفقار كان مخرجًا وممثلًا ومنتجًا سينمائيًا مرموقًا وزوجًا لاثنتين من نجمات السينما: عزيزة أمير ومريم فخرالدين، وشقيقه الأصغر صلاح ذوالفقار واحد من نجوم السينما ممثلًا ومنتجًا وزوجًا لنجمتها الشهيرة شادية.. ومع ذلك كله فشلت أسرة عزالدين فى الحصول على معاش من النقابة التى أسسها!
ومنذ العام ١٩٦٤، وأرملة المخرج القدير الفنانة كوثر شفيق وابنته منها دينا ذوالفقار تجاهدان بوصفهما الوريثين الشرعيين لصرف معاش من نقابة المهن السينمائية، لكن جهودهما طيلة ٥٥ سنة باءت بالفشل، وكانت الأسباب واهية والحجج ساذجة للتنصل من صرف المعاش، بما فيها أن ورثة المخرج الكبير لم يتقدموا بطلب رسمى للحصول على معاش!
وهى حجج تتهاوى أمام حافظة المستندات التى قدمتها لى السيدة كوثر شفيق وتدل ما بها من أوراق أنهم تقدموا بطلبات عديدة، آخرها باسم ابنتها دينا ذوالفقار فى العام ٢٠٠٠، ويقول نصه: السيد نقيب المهن السينمائية.. بعد تقديم واجب الاحترام.. مقدمه لسيادتكم السيدة دينا عزالدين ذوالفقار ابنة المرحوم المخرج الراحل عزالدين ذوالفقار.. أتشرف بعرض الآتى.. لم يسبق لى أن تقاضيت أى معاش ورثة عن والدى.. وحيث إننى مطلقة منذ شهر ديسمبر ١٩٩٩ ولم أعمل فى أى عمل وليس لى أى دخل ثابت ولا غير ثابت مما يحق لى طلب معاش ورثة.. من أجل ذلك: رجاء التكرم بالموافقة على صرف معاش ورثة لى، علمًا بأنه لم يسبق لى أن قمت بصرف معاش سابق.. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».
وأرفقت دينا مع طلبها مستندات رسمية أهمها إعلام وراثة رسمى ووثيقة طلاقها، ورغم ذلك لم تتلق ردًا حتى الآن.
وفى سجله العسكرى نقرأ أنه التحق بالكلية الحربية استجابة لرغبة والده الضابط الكبير، وفى الكلية الحربية كان عز على موعد مع القدر، إذ اقترب من مجموعة الضباط التى قُدر لها أن تغير تاريخ مصر، وتقود ثورة يوليو ١٩٥٢، كان عز يصغر جمال عبدالناصر بدفعة واحدة، وكان يعتز أن عبدالناصر هو «البشاويش» عليه فى سنوات دراسته العسكرية.
وبعد تخرجه قضى عز فى الخدمة ٥ سنوات وخرج برتبة يوزباشى، وكان واحدًا من ضباط ثلاثة قُدر لهم أن يلعبوا دورًا بارزًا فى نهضة السينما المصرية بعد ثورة يوليو التى نحتفل هذه الأيام بالذكرى ٦٧ لقيامها. فإلى جانب عز مخرجًا كان هناك يوسف السباعى كاتبًا ومؤلفًا، وأحمد مظهر ممثلًا ونجمًا، واجتمع ثلاثتهم فى أول وأبرز فيلم عن الثورة «رد قلبى» الذى لا يزال حتى اليوم هو النشيد الوطنى السينمائى لثورة يوليو.
ورغم أن عز تشرف بالانتساب للقوات المسلحة المصرية ضابطًا بسلاح المدفعية، ورغم أن مذكرات قادة ثورة يوليو تشير وتسجل أن عزالدين كان من الخلايا الأولى فى تنظيم الضباط الأحرار، وهو ما يثبته عضو مجلس قيادة الثورة كمال الدين حسين عندما يقول نصًا: «واتصلنا بالمرحوم عزالدين ذوالفقار، وكان فى ذلك الوقت ضابطًا بالمدفعية ليكون ممثلًا لسلاحه داخل التنظيم»، ورغم ما قدمه بعد ذلك من خدمات جليلة للقوات المسلحة بينها مثلًا أنه غامر بحياته لتصوير فيلم «بور سعيد» فى وقت العدوان الثلاثى وفى قلب المعارك، بتكليف من قيادة الجيش لاستخدامه فى الدعاية ضد العدوان إلا أنه رغم كل ذلك ليس له معاش كضابط.
وبحكم الصداقة الشخصية كتب يوسف السباعى- وكان وقتها وزيرًا للثقافة- خطاب توصية بخطه وبتاريخ ٢٣٩١٩٧٢ موجهًا إلى اللواء مدير نوادى القوات المسلحة للتوسط لدينا ذوالفقار زميله السابق فى الجيش: «رجاء التكرم بمساعدتها فى استخراج كارنيه لدخولها نوادى القوات المسلحة».
وظلت تلك الميزة الاستثنائية- دخول نوادى القوات المسلحة- تتمتع بها أسرة عزالدين ذوالفقار، ابنته وزوجته لفترة، لكن ظروف الحياة الآن تجعلهما تتمنيان على القائد العام وزير الدفاع التدخل لمنحهما معاشًا استثنائيًا، تقديرًا لما قدمه عزالدين ذوالفقار للوطن.. ضابطًا وفنانًا لم ينس أبدًا أنه ابن الجيش المصرى، وهو ما تجلى فى إخراجه الأوبريت الوطنى «وطنى الأكبر» الذى جمع يومها أشهر نجوم الغناء العربى.
فى يوم كان عزالدين ذوالفقار هو أغلى مخرج فى مصر، ووصل أجره إلى ٥ آلاف جنيه، وهو الرقم نفسه الذى كانت تحصل عليه نجمة الشباك الأولى وسيدة الشاشة فاتن حمامة.. وفى يوم كان اسمه هو الأول فى استفتاءات أحسن مخرج فى مصر متقدمًا بفارق كبير عن صلاح أبوسيف ويوسف شاهين، وفى يوم كتب حسن الإمام مقالًا عن فيلم «امرأة فى الطريق» يصفه فيه بأنه «الفيلم الذى وددنا جميعًا أن يكون من إخراجنا»، وفى يوم كتب عنه أمير الصحافة محمد التابعى بأن أفلامه تنافس أفلام هوليوود بل تتفوق عليها.. ولكن الرجل صرف كل ما كسبه من السينما عليها وعلى علاجه فى محنة مرضه الطويلة التى أنهت حياته وعمره ٤٤ سنة فقط.
أسرة عزالدين ذوالفقار تستحق معاشًا، سواء من نقابة السينمائيين أو من القوات المسلحة المصرية التى لم تتأخر يومًا على واحد من أبنائها.
نتمنى أن تسمع أسرة الرجل الذى أسعدنا طويلًا خبرًا سعيدًا، ونحن على ثقة أن هذا الخبر السعيد لن يتأخر كثيرًا.