رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جبريل العبيدي يكتب: «داعش» والتيه فى الصحراء الليبية

جبريل العبيدي
جبريل العبيدي

توهان فلول «داعش» فى الصحراء الليبية، وظهور بقايا التنظيم من حين لآخر فيها، تبايع الطريد البغدادى، أو تهاجم نقاط حراسة منعزلة فى الصحراء، هى ظاهرة متوقعة فى ظل خسائر التنظيم المتتالية فى العراق وسوريا، وفى ظل استمرار حالة الانقسام الليبية.

هذا الأمر دفع دولًا يهمها استمرار الفوضى واستعمال «داعش» فى ليبيا واستنباته لإعادة تدويره مرة أخرى، بتمويل نقل عناصر «داعش» إلى ليبيا، عبر عملاء ليبيين من تنظيم «القاعدة» الفرع الليبى، ومساعدة كبيرة من تنظيم إخوان البنا وقطب، بل وحتى تورط الحكومة التركية، مستغلة وجود بقايا للتنظيم وفلول له فى صحراء سرت، كنواة لإعادة تجميع صفوف التنظيم المندثر.

من المتوقع بعد هزيمة «داعش» الكبرى، أن يقوم التنظيم الشرس والمتوحش بعمليات إرهابية بذئابه المنفردة، ويحاول أن يستعيد ترتيب صفوفه فى مناطق أخرى، خصوصًا التى تعانى من فوضى أو نزاعات أو حتى فراغ ديموغرافى، كالذى فى الصحراء الكبرى، بحكم قسوة الطبيعة، وهى التى لها بوابات على ست دول يمكنه التنقل بينها، وتقوقع بعض الدول فى إطار الأمن المحلى، والانكفاء عليه، دون أى مساهمة أو شراكة فى الأمن الإقليمى، خصوصًا والجيش الليبى يحاول أن يطارد فلول «داعش»، فى ظل تراخى من بعض دول الجوار، خصوصًا فى الجنوب الليبى.

وسيعود للعمل بأدواته الشيطانية المعروفة، وهو ما تقوم به الآن ذئاب هذا التنظيم، فى شتى بقاع العالم، مما يؤكد أنه ليس هناك محصن من خطر «داعش»، ما لم تتكاتف الجهود للقضاء عليه وسحقه سحقًا نهائيًا.

زعزعة الاستقرار فى ليبيا، ومحاولات استدامة حالة الفوضى، شاركت فيها أطراف كثيرة، منها تركيا وقطر، اللتان كانتا رأس حربة فى مشروع توطين الفوضى والإرهابيين فى ليبيا، واستخدمت وسائل مختلفة، ومنها نقل المقاتلين، سواء من «داعش» أو إخوته. وقد ذكر الرئيس الروسى أن هناك عمليات ترحيل ونقل لعناصر إرهابية من إدلب السورية إلى ليبيا، فى ظل وجود تقارير عن الدور المشبوه الذى يقوم به قياديون فى تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة (فرع «القاعدة» الليبى) فى نقل مقاتلى إدلب عبر تركيا إلى ليبيا.

جماعات الإسلام السياسى ساهمت فى تمدد «داعش»، وعملت على استغلال وجوده، والتمكين له كجيوب عسكرية حليفة تحقق بها أهدافًا مشتركة فى مناطق توتر فى بعض المدن الليبية، يتم مدها بالسلاح والمال، والتغاضى عن وجود عناصرها، بل تهريب المقاتلين والمرتزقة لصفوفها.

إعادة إنتاج «داعش» فى الصحراء الليبية لن يشكل خطرًا على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديدًا إقليميًا ودوليًا خطيرًا، خصوصًا مع اتساع رقعة الصحراء الليبية، وصعوبة ملاحقة عناصر «داعش» فيها، إذا ما تحصنوا بجبال تبستى والعوينات الوعرة، فى ظل غياب قدرة فعلية للحكومة الليبية على السيطرة على حدود طويلة، تنتشر فيها عصابات التهريب من بشر إلى مخدرات وسلاح، لن تترد فى مساعدة «داعش» من أجل المال الذى تبحث عنه بشتى السبل.

استخدام «داعش» كان فى بداية الأزمة الليبية بمثابة حصان طروادة للبعض، للولوج للمشهد السياسى، وكسب مناطق قوة ونفوذ، ومنهم تنظيم «الإخوان»، الذى يزعم أنه لا يمتلك أى قوة عسكرية، وأنه مجرد جماعة «دعوية»، فى حين يمارس العمل العسكرى فى ثوب ميليشياوى متعدد الأسماء والوجوه، ليس آخرها «داعش».

ولكن رغم محاولات «داعش» الإرهابية، بين التوحش وخطاب الترهيب الإعلامى، فسيبقى «داعش» ما بين التيه الفكرى والجغرافى، إلى حين تمام القضاء عليه نهائيًا، وستكون نهايته فى الصحراء الليبية قريبًا.
نقلًا عن «الشرق الأوسط» اللندنية