رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إفراج مع إيقاف التنفيذ».. رحلة «سمية» من الغرفة المظلمة إلى أول دار لرعاية ضمور العضلات

جريدة الدستور

العصافير تغرد، وهدير الأمواج يداعب السماء، الهواء نقيًا والشمس تغطي الكون بأشعتها الدافئة، كل شيء في الخارج يبدو مبهجًا وجميلًا، ولكن كثيرًا ما تخدعنا المظاهر. في منزل صغير بإحدى قرى محافظة دمياط تعيش فتاة ثلاثينية، قضت سنواتها الأولى في مرح، تلهو وتلعب وتجري، إلى أن تدهورت حالتها الصحية، حتى لزمت الكرسي المتحرك منذ أن كانت في الثامنة عشر من عمرها إلى الآن.

ربما كانت الحياة قاسية معها في البداية، لكنها قررت أن تبتسم لها بعد عناءٍ طويل، كانت تقضي سنواتها وحيدة داخل غرفتها المظلمة، لا يؤنسها شيء سوى أحلامها الممزقة. لا تغادرها إلا لمامًا لتذهب إلى الطبيب مع والدها، ثم تعود إليها من جديد.

لم يكن شيء في حياة «سمية محمد» يدعو إلى الفرح، الروتين يحاصرها من كافة الاتجاهات، والأيام نسخ متكررة من بعضها، ترددت على أطباء كثر في البداية، ولكن لم يستطع أحدًا منهم أن يهتدي إلى تشخيصها الصحيح، تقول: «جالي ضمور عضلات، والدكاترة شخصونى دوشين، والدوشين أصعب حاجة لو كان عندي مكنتش هعيش أصلًا، ده غير إنه بيجي للرجالة بنسبة كبيرة مش البنات».


توفت والدة «سمية» وتزوج أشقائها ولم يتبقى سواها هي ووالدها: «كل 3 أيام واحدة من أخواتى البنات تيجي ليا تكنس وتروق، بس برضه الأخوات مش بيستحملوا بعض، مفيش حد معايا ولا جنبي، كل ده صعب على واحدة قعيدة في البيت، صعب لما بروح لدكتور ولما حد يجي معايا، وأخويا لو جيه معايا مرة مش هيجي عشرة، أخواتى لفوا معايا كتير وتعبوا وكتر خيرهم، مليت من البيت وكرهت أوضتى مقيمة فيها ليل ونهار، حفظاها أكتر ما أنا حافظة نفسي».

مضت السنوات ثقيلة على «سمية»، لكنها كانت تتواصل مع أصدقائها من مرضى ضمور العضلات على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» فهي تؤمن بأن المريض لن يشعر به إلا مريض مثله: «أول ما عرفت إن في دار رعاية لضمور العضلات فتحت خدت قرار نهائي بإني أسيب البيت وأكمل باقي عمري فيها».

غادرت الفتاة الثلاثينية غرفتها واختارت أن تحارب بقوة، وانتقلت منذ أيام قلائل إلى أول دار رعاية لمرضى ضمور العضلات في مصر، التابعة لجمعية بناء للتنمية والخدمات الإنسانية بمدينة نصر: « نقلة جديدة في حياتى عشان ابعد عن المشاكل والذل والإهانة، الفرق بين أوضتى والدار فرق السما والأرض هنا عايشة بكل حرية بتكلم وبتنفس، يومي كله بيعدي في الهزار والضحك، الأول كنت بقول عاوزة أروح للدكتور يقولولى إحنا مش فاضيين، هنا الدكتور بيجيلى في الدار، نفسيتي ارتاحت وبقيت كويسة الحمد لله».

رحلت «سمية» من غرفتها دون أن تودع البحر ولا العصافير، لن تفتقد هدير الأمواج ولا الهوء النقي، فهذه الأشياء لم ملكًا لها منذ البداية، وتضيف: «هنا بداية حياة وأمل وتفاؤل بصحى وبنام براحتى، بخرج برة الأوضة وبتمشى بالكرسى، بقيت أصلى الوقت بوقته، يومي جميل مبسوطة وفرحانة وبعمل كل حاجة أنا عاوزاها، أملي في ربنا كبير إن أتعالج وأقف على رجلي تاني».

«عمرو محمد محسن»، أحد المسئولين عن الدار، أكد أنه مضت 3 أشهر على انطلاق الدار، وهم في طريقهم إلى توسيعها كي لا تقتصر على الإناث فقط: «اللى موجودين معانا بنات بس لإن المكان صغير، محتاجين الدولة تساعدنا عشان نعمل وحدة علاج طبيعي كاملة في الدار، في دكتور متطوع بيجي يومين في الأسبوع بيعملهم الجلسات، وبنقدم ليهم رعاية كاملة، وبنقضى الوقت معاهم وبقينا أسرة واحدة».