رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنسيق الخادع بين الزراعة والتموين


المرحلة الحالية لا تتحمل إلا العمل الفعلى الجاد فقط ومن يصمم على أن ينهج نهج الماضى فلن يجد له مكانا بين العلماء والوطنيين، لأن المطلوب وزراء يضيفون بعملهم وعلمهم ورؤيتهم إلى الكرسى بدلا من أن يحصلوا على اللقب فقط دون إنجاز.

تابعت أخبار اجتماع وزيرى الزراعة والتموين وتوقعت أخبارا محددة سواء لصالح الفلاح أو المستهلك الفقير ولكنى لم أجد فيها إلا مجرد دعاية إعلامية معتادة مع خبر براق عن الزراعة التعاقدية. واقعيا فإن ما يربط الزراعة والتموين هما فقط محصولا القمح والذرة، والأخير قام وزير التموين الإخوانى السابق بإلغاء توريده للدولة وحارب الفلاح فى رزقه وحرم الوزارة من توريد ما يقرب من مليون طن ذرة للخلط مع القمح لإنتاج الرغيف المدعم، وكان من المتوقع أن يثمر اجتماع الوزيرين بأن يصر وزير الزراعة على إلغاء هذا القرار الجائر وأن يستجيب وزير التموين فورا خاصة أن موسم حصاد الذرة الصيفى قد بدأ وفى الطريق أيضا المحصول النيلى ولكن هذا لم يحدث لغياب صالح الفلاح والشعب والدولة التى كانت ستوفر استيراد مليون طن من القمح تكلفنا 350 مليون دولار، أى نحو 2,5 مليار جنيه مصرى ولكن حقيقة الاجتماع كان موجها للإعلام فقط دون عائد على الفقراء والغلابة.

يتبقى بعد ذلك القمح وهو يورد آليا للدولة كل عام ولا يحتاج إلى تعاقدات مسبقة ولا لاجتماع دعائى، خاصة أن ما يتبقى فى مصر للزراعة المحصولية فى الموسم الشتوى هو 5.750 مليون فدان فقط تقسم مناصفة بين البرسيم والقمح بنصيب أقل من 2.9 مليون فدان لكل منهما وما يقال عن مساحات زراعية أكثر من ذلك لا يكون دقيقا، لأن هناك زراعات بمساحات 330 ألف فدان تعاقدات لبنجر السكر لصالح مصانع وزارة الاستثمار وليس التموين، ومثلها للشعير لمصانع البيرة والشعير الخالى من الكحول ونحو 150 ألف فدان للفول بمجموع 750 ألف فدان لنصل بالمساحة المحصولية إلى 6.5 مليون فدان، بالإضافة إلى 2 مليون أخرى للزراعات المستديمة والثابتة لقصب السكر وبساتين الفاكهة والخضروات اليومية، فأين هى الزراعة التعاقدية يا وزيرى الزراعة والتموين وأى فئة من الشعب تخدعون أم أنه نشاط وهمى موجه إلى رئيس الوزراء والصحافة وضجيج بلا طحين؟!

دعونا نفترض أن الأمر قد يكون مرتبطا بسلع البطاقات التموينية من السكر والزيت والأرز، خاصة أن الزيت يواجه عجزا تموينيا يصل إلى 80%، بينما تصل نسبة العجز فى أرز البطاقات إلى 35% وكأن الشهر ونصف الشهر المنقضيين لم يكونا كافيين لوزارة التموين للقيام بإستيراد سريع لزيوت الطعام أو حتى شراء المتوفر منها من مخازن القطاع الخاص إذا كانت راغبة فعلا فى حل أزمة الزيت ومهمومة بصالح الفقراء وهى موجودة بوفرة شديدة فى السوبر ماركت وحتى محال البقالة، بينما مخازن تجار الأرز مكتظة بالأرز وهى على استعداد لتوريدها إلى وزارة التموين بالسعر العادل وليس بالاستغلال بشراء الأرز بسعر يقترب من سعره على البطاقات مقابل السماح بحصره للتصدير وهذا لم يصبح مقبولا من التجار بعد أن أصبح سعر الأرز فى الأسواق المحلية متساويا مع سعر تصديره وبالتالى لا حاجة لهذه الحصص وما يصاحبها من أمور يعرفها الكافة، حيث وصل سعره فى السوق المحلية إلى الستة جنيهات والأصناف الشعبية تقترب من الجنيهات الثلاثة بنسبة كسر 12%؟!. الرد ببساطة أن إنتاج أى من سلع العجز لا يخضع لوزارة التموين، ولا تمتلك وزارة التموين أى مصانع إنتاجية ولا حتى المجمعات التعاونية ولا مصانع إنتاج زيت الطعام أو السكر أو مضارب وتعبئة الأرز وجميعها تتبع وزارة الاستثمار وبالتالى كان ينبغى أن يكون الإعلان عن الزراعة التعاقدية مع وزارة الاستثمار وليس التموين إذا كان الغرض من الاجتماع هو الصالح العام فعلا، فرجل الشارع يعلم أن وزارة التموين لا تنتج إلا الرغيف المدعم فقط وباقى وظيفتها بعد ذلك هو الرقابة والتوزيع للسلع التى تنتجها وزارات أخرى. هذا الأمر سبق أن طرحته أثناء وجودى فى الجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الغذائية على وزير الاستثمار الأسبق بأنه من العار أن يكون لقطاع الأعمال العام ثلاثة مصانع لإنتاج الزيوت ومع ذلك تفضل استيراد الزيوت الخام من الخارج بدلا من التعاقد مع المزارعين على زراعة محصولى فول الصويا وعباد الشمس فى الموسم الصيفى والذى يسمح بذلك حيث لا يزرع فيه إلا القطن والأرز والذرة ويتبقى فيه نحو 3 ملايين فدان دون استثمار حقيقى تضيع فى زراعات زائدة فى البطيخ والكنتالوب والطماطم ولب التسالى، لأن الشركات الحكومية ترفض استلام بذور الصويا والعباد من المزارعين ولا حتى تسلم بذرة القطن التى تنتج الزيت الفرنساوى الفاخر فهكذا يا حضرات الوزراء يكون التفكير المنطقى والعاقل لصالح الدولة والفلاح والمستهلك ولتقليل وارداتنا من الزيوت والتى تتجاوز حاليا 95% من احتياجاتنا مسجلين المركز السابع لأكبر الدول المستوردة لزيوت الطعام فى العالم، تاركين أراضينا الخصبة للزراعات الخاسرة.

هناك أيضا زراعات الذرة الصفراء للأعلاف والتى تحتل مصر فيها رابع أكبر دولة مستوردة فى العالم باستيراد 5.3 مليون طن سنويا، بينما الموسم الصيفى فارغ والذرة البيضاء ترفض وزارة التموين استلامها، ويذهب وزير الزراعة إلى الوزارة الخطأ للتعاقد على زراعات الزيوت، وأيضا لزراعة الذرة الصفراء لأن كل مصانع الأعلاف تتبع وزارتى الصناعة والاستثمار فقط؟!

يتبقى أيضا السيطرة على أسعار السلع الغذائية فى الأسواق المصرية والتى تتسبب فى إرهاق الفقراء وزيادة نقمهم وسخطهم على الدولة بعد أن أوضح الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بارتفاع نسبة التضخم فى مصر بسبب ارتفاع أسعار الغذاء فى الأسواق المحلية بما يوضح خطورة الأمر فى دولة يصل بها نسبة الفقراء إلى 40% فى الحضر و 78% فى الريف. الادعاء بأن ارتفاع أسعار الخبز يتبعه زيادة شراء المواطنين له قول غير صحيح كليا، لأن جميع السلع الغذائية لا تخضع لعوامل العرض والطلب وإنما هى سلع مفقودة المرونة لكونها سلع إذعان، أى أن المواطن لا بد أن يشترى الطعام ليأكل فيظل حيا، وهو ليس ثلاجة كهربائية أو ديب فريزر يشتريه القادرون أو يمكن الاستغناء عن شرائهم فى الكثير من البيوت المصرية بل يشترى الغذاء جميع الطبقات من الفقراء والأغنياء ولذلك وضعت الأمم المتحدة مبدأ الحق فى الطعام Right to food والتى تحتم أن تكون أسعار الغذاء فى متناول الفقراء وأن تظل رخيصة الثمن حتى فى أحلك الظروف وهو ما لا تراعيه وزارة التموين فى رقابتها على الغذاء ومنتجاته من السلع ولا توفر سلعا منافسة فى المجمعات التابعة لوزارة الاستثمار للحد من ارتفاع أسعاره بل تكتفى بعروض شهرية فقط فى هذه المجمعات والتى أسعارها فى الأصل أعلى من أسعار جميع محال نصف الجملة أو حتى البقال منذ أن أصبحت شركات قابضة وليست شركات خدمية وبالتالى فهى مهمومة بتحقيق أرباح سنوية حتى لا تتهم بكونها شركات خاسرة وتتعرض للحل.

■ كلية الزراعة - جامعة القاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.