رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عُمان تتبنى استراتيجية الطاقة البديلة كأحد الخيارات المستقبلية للنفط

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تعول مختلف دول العالم على الطاقة البديلة كأحد الخيارات المستقبلية للنفط والمصادر التقليدية للطاقة في العالم اليوم، وتأتي الشمس والرياح في مقدمة الخيارات، بيد أن الطاقة الشمسية يمكن أن تشكل الخيار الأكثر موضوعية على المدى البعيد، لا سيما في البلدان التي تقع في حزام يمكنها من توظيف هذه الطاقة بالشكل المثمر والفاعل.

وتأتي سلطنة عُمان كواحدة من الدول التي يمكن أن تبني خيارات راسخة في المستقبل، بالاعتماد على الطاقة الشمسية، كأحد المشروعات الاستراتيجية التي تواصل الحكومة العُمانية العمل على تنفيذها في وقت تستعد فيه سلطنة عُمان للاحتفال بيوم النهضة في 23 يوليو المقبل وهو اليوم الذي يوافق تولي السلطان قابوس سدة الحكم، وتستعد أيضًا للاحتفال بالعيد الوطني التاسع والأربعين المجيد.

وثمة جهود عديدة في هذا الإطار تبذل الآن على المستوى الوطني سواء على الصعيد العام من جانب الحكومة أو في شكل مبادرات لشركات ومؤسسات، في سبيل تطويع هذه الخيارات البديلة في طاقة المستقبل.

وبعد أن أصبحت الطاقة الشمسية هي الحل الحيوي والاستراتيجي لتوفير الطاقة الكهربائية، اتجهت سلطنة عُمان للاستثمار في هذا المجال، نظرا للأراضي الشاسعة للاستفادة من موارد الطاقة الشمسية المتاحة، والتوسع في هذه المشاريع التي تعد الخيار الأمثل في تلبية احتياجات الناس من الطاقة، الأمر الذي سوف يعزز من التنويع الاقتصادي الذي ترمي إليه السلطنة، فالموقع الجغرافي للسلطنة بجانب الأهمية الاستراتيجية يجعلها قابلة لتطبيق وتسخير التقنيات الحديثة في مجال الطاقة المتجددة وزيادة نمو المشاريع الاقتصادية، وخلق مزيد من الأعمال والوظائف الجديدة للمواطنين مستقبلا.

وقد أطلقت هيئة تنظيم الكهرباء العُمانية المرحلة الثانية من المبادرة الوطنية للطاقة الشمسية "ساهم" في الأجهزة الذكية، لتعزيز نشر أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المباني السكنية، حيث يتيح هذا التطبيق، تسجيل طلبات المشتركين الراغبين في الانضمام للمشروع والاستفادة من مميزات التطبيق.

وبدأ تطبيق المشروع في الوحدات السكنية بعد وصوله للمدارس والمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، بما يعني أن عُمان دخلت مرحلة جديدة ومهمة في سبيل نشر الطاقة الشمسية.

كما يعد مشروع "مرآه" للطاقة الشمسية الحرارية، واحدا من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في الاستراتيجية الوطنية للطاقة في السلطنة عام 2040، إذ يسعى إلى تسخير الطاقة الشمسية لإنتاج بخار يستخدم في إنتاج النفط في البلاد.

وقد بدأت مشاريع الطاقة المتجددة في سلطنة عُمان تؤتي ثمارها منذ أن بدأت المؤسسات الحكومية والخاصة تبني هذه المشاريع التي تساهم في تعزيز البنية التحتية للدول، وقد أصبحت مشاريع الطاقة المتجددة وخاصة الشمسية منها متاحة لتغذية الكثير من المؤسسات التي يتم إنشاؤها في مجال الزراعة والثروة السمكية والمشاريع الخدمية الأخرى في الطرق والمنازل والمدارس والشركات بجانب استخدامها في مشاريع النفط والغاز.

وتشير الأرقام إلى أن سلطنة عُمان سوف تستخدم الطاقة البديلة بحوالي 30 بالمائة من إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وهي غاية يأمل إدراكها مع السعي الحثيث والعمل المستمر على المضي إلى الأفق الأفضل.

سلطنة عُمان واستراتيجية النأي بسياستها الخارجية بعيدا عن التحالفات والتكتلات

ارتكزت السياسة الخارجية العُمانية على مبادئ استراتيجية أسسها السلطان قابوس، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، من خلال الوعي المتوازن ما بين الضرورات والمحظورات السياسية والعسكرية، والفكر السياسي والاستشراف المستقبلي الذي تنبه إليه السلطان لمستقبل المنطقة.

وكان النأي دائما بالسياسة الخارجية العمانية بعيدا عن الصراعات والحروب التي اشتعلت في اكثر مناطق العالم سخونة وانفلات أمني وتدخلات عسكرية وسياسية وكذلك التحالفات والتكتلات التي تنتج عن الاضطرابات الإقليمية والعالمية.

ولم يكن النأي العُماني عن الصراعات والحروب، والدخول في التحالفات والتكتلات بهدف الانسحاب من خريطة الأحداث والحياد السلبي، وإنما بهدف قراءة المشهد السياسي الإقليمي والدولي قراءة عميقة بناء على قاعدة المصالح السياسية ومبدأ الحياد الإيجابي الذي سارت عليه السياسات العُمانية منذ عام 1970.

وبالرجوع إلى خطابات السلطان قابوس في مختلف المناسبات الوطنية، وكذلك للقاءات الصحفية والإعلامية التي تمت معه فيما يخص رؤيته للتحالفات والتكتلات الدولية، ومدى قبول سلطنة عُمان وسياساتها الخارجية للانضمام إلى بعضها، أو عدم الانضمام إلى بعضها الآخر في الحاضر والمستقبل، يمكن إبراز النقاط والجوانب التالية:

أولا: ثبات مبدأ الرفض العماني القاطع والكلي لجميع اشكال التحالفات والتكتلات الإقليمية والدولية الموجهة للاعتداء على الدول أو لتغيير أنظمتها أو سياساتها الداخلية والخارجية، لأن ذلك يتناقض مع المبادئ الموجهة للسياسة الخارجية العمانية كما وردت في خطاب العيد الوطني عام 1972م، والتي يقع على رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ثانيا: لا يوجد في الفكر السياسي للسلطان قابوس بن سعيد، ولا في التطبيق العملي للسياسة الخارجية العمانية منذ عام 1970م ما يشير إلى تبني مبدأ الحياد المطلق، بل إن الواقع المشاهد الذي تؤكده تطبيقات النظرية السياسية هو تبني عُمان مبدأ الحياد الإيجابي، وهو مبدا يأخذ بمعيار الملائمة في تبني القضايا أو الدخول إلى الأحلاف والتكتلات المختلفة، أو الوقوف بعيدا عن الانضمام إلى بعضها الآخر، والتأكيد على ان سياساتها الخارجية تعمل وفق مصالحها بمختلف توجهاتها، الذي أكد على هذه النزعة في العقيدة السياسية العمانية ما جاء على لسان السلطان قابوس في أكثر من موضع وموقف، من بينها ما قاله في الأول من يونيو 1974 من أن: "الالتزام بذلك الخط أي خط عدم الانحياز لا يعني الانقياد التام للمفهوم، من خلال نزع الشخصية الوطنية العمانية وخصوصيتها ومصالحها السياسية وأهدافها الجيوسياسية"، وبالتالي فإن الحياد العماني هو حياد مواقف ومصالح، وليس حياد انعزال وعزلة سياسية.

ثالثا: إن سلطنة عمان لا ترفض أبدا، وليس في نظامها السياسي أو الفكر السياسي للسلطان قابوس ما يشير ضمنا ولا صراحة إلى رفض الانضمام إلى أي تحالف أو تكتل إقليمي أو دولي يهدف إلى إحلال السلام والأمن والاستقرار في العالم، سواء كان في جانب الأمن الوقائي أو العلاجي، وسواء كان توجهه سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا، بل على العكس من ذلك فعمان منذ عام 1970م وهي تجتمع مع دول العالم الشقيقة والصديقة في تجمعات متعددة الأهداف والتوجهات السلمية والتعاونية.

وقد كان للسلطان قابوس كلمة واضحة وصريحة أكد فيها هذه الرؤية في سؤال وجه إليه من محرر مجلة المستقبل الفرنسية بتاريخ 30 أكتوبر1983م حول احتمال فتح حوار بين دول الخليج والاتحاد السوفيتي وإقامة علاقات طبيعية معه، فقال السلطان قابوس: إن الحوار مع موسكو والعلاقات معها ليست مسألة جماعية تخص مجلس التعاون لأن المجلس ليس تكتلا سياسيا، فكل دولة لها سياساتها الخاصة تمارسها منفردة حسب مقتضيات مصالحها الوطنية.

رابعا: إن توازن القوى في أي منطقة من مناطق العالم يستدعي لتحقيقه ويستلزم لاستمراره أن تقوم الدول على بناء تحالفات دولية، وأخرى مضادة لها بحسب موازين القوة والمصالح السياسية والقومية لها، وليس في ذلك ما يتناقض مع السلام أو تحقيق الاستقرار في العالم، بل ربما يكون في بعض الأوقات سبب من أسباب صناعة السلام والاستقرار.

خامسا: تبقى مسألة اختلاف وجهات نظر الدول تجاه تلك الاحلاف والتكتلات، والاحتمال الكبير لتناقض افكارها ومصالحها وتوجهاتها السياسية والعسكرية نحوها، أمر طبيعي للغاية، ولا يتنافى مع مبادئ التعاون المشترك ولا مع ضرورات التنسيق لتحقيق اهداف عليا أو دولية، ولا مع قيم حسن الجوار، لأن مسألة الدخول في الاحلاف والتكتلات الدولية هي مسألة ملائمة وليس مسألة مبدأ، وتخضع للقيم والمبادئ التي تعبر عن سيادة الدول واستقلال قراراتها ومصالحها القومية.