رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"قوم يا مصرى ٩"..

كيف أعادت الدولة الآثار المصرية إلى واجهة العالم بعد «السنوات العجاف»؟

جريدة الدستور

«يد تبنى.. ويد تحمل السلاح».. هذا ليس شعارًا بل حقيقة أكدتها «دولة ٣٠ يونيو» على مدار سنوات مضت، وستظل متمسكة بها فى سنوات طويلة مقبلة؛ حتى تقف مصر على قدميها. تتحرك الدولة المصرية على مختلف الاتجاهات تقريبًا، تبنى مدنًا جديدة، تقضى على العشوائيات، تحفر أنفاقًا هائلة، تشيد طرقًا جديدة، تعيد بناء البنية التحتية.. هذا وغيره الكثير والكثير. هنا نتوقف أمام «ملحمة البناء»، نعرض مجموعة من المشروعات القومية؛ حتى يعرف الجميع أين كنا، وإلى أين وصلنا، وما الذى ننوى فعله فى بلدنا.

خلال ما يقل عن 3 سنوات استعادت الآثار المصرية موقعها فى صدارة اهتمامات الدولة، وبعد أن كانت آثار ومعالم ومزارات «أحفاد الفراعنة» تعانى الأمرين بعد 2011، بسبب قلة عدد السياح وضعف الإمكانيات المالية اللازمة للتطوير والترميم، شهدت تلك الأعوام الثلاثة العديد من الافتتاحات والاكتشافات الأثرية. ومن المشاهد التى تعكس التقدم والتطور فى هذا الملف، تخصيص مليار و200 مليون جنيه لإنشاء وترميم 6 مشروعات أثرية فى 2017، وإيفاد بعثة استكشاف مصرية فى كل محافظة، واسترداد مئات القطع الأثرية المهربة إلى الخارج، بجانب قائمة طويلة من الافتتاحات والاستكشافات والقرارات غير المسبوقة التى نستعرضها فى السطور التالية.

٢٠١٦
ترميم «متحف ملوى» بعد عنف «الإخوان».. واتفاقيات لإقامة عدة معارض خارجية
شهد عام 2016 العديد من الإنجازات فى مجال العمل الأثرى على الرغم من الأزمة المالية التى عانتها وزارة الآثار.
ففى بداية العام أعلنت «الآثار» عددًا من الاكتشافات المهمة، فى مقدمتها مقبرة لأحد كبار رجال الدولة فى عهد الملك سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة يحمل لقب «حامل الأختام الملكية»، وذلك بواسطة البعثة المصرية الأمريكية المشتركة العاملة فى منطقة «اللشت» التابعة لمدينة العياط بالجيزة.
وبالنسبة لملف الآثار المستردة، بذلت وزارة الآثار جهودًا كبيرة على الصعيدين الداخلى والخارجى لاسترداد عدد كبير من الآثار المصرية المسروقة والمهربة خارج البلاد بطريقة غير شرعية، وبلغ عدد القطع الأثرية المستردة عام 2016 حوالى 60 قطعة.
ومن أهم هذه القطع مجموعة «حشوات خشبية» خاصة بجبانة السيدة نفيسة، بعد إيداعها فى صالة مزادات «بونهامز» فى العاصمة الإنجليزية لندن تمهيدًا لعرضها للبيع، بجانب استعادة تمثال عاجى وإناء حجرى من برلين.
وحرصت وزارة الآثار خلال عام 2016 على افتتاح عدد من المتاحف والمواقع الأثرية، الأمر الذى أسهم فى زيادة حركة السياحة الوافدة إلى مصر، وبالتالى زيادة موارد الوزارة المالية، ومنها عدد من المبانى الأثرية فى حى الخليفة بالقاهرة، ومركز زوار تل العمارنة فى المنيا، ومسجد الظاهر بيبرس بالقليوبية.
وفى سقارة تم افتتاح هرم الملك أوناس بعد إغلاقه لما يزيد على 20 عامًا، و3 مقابر لكبار رجال الدولة من عصر الملكين بيبى الأول ورمسيس الثانى، بعد الانتهاء من أعمال ترميمها.
ومن أهم افتتاحات 2016 متحف ملوى بعد الانتهاء من مشروع إعادة تأهيله الذى استمر نحو 3 أعوام، عقب تدمير المتحف وسرقة محتوياته فى أعقاب فض اعتصامى رابعة والنهضة فى أغسطس 2013، بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى.
كما تم افتتاح متحف كوم أوشيم بمحافظة الفيوم بعد الانتهاء من مشروع ترميمه وتطويره وإعادة تأهيله.
ومن أهم القرارات التى أصدرتها وزارة الآثار افتتاح المتحف المصرى بالتحرير ليلًا يومى الأحد والخميس من كل أسبوع، وإصدار تصاريح سنوية لزيارة المواقع الأثرية للأجانب والعرب المقيمين بمصر، ودخول المصريين والعرب المقيمين فى مصر، ممن تعدت أعمارهم 60 عامًا، جميع المتاحف والمواقع الأثرية مجانًا. وبدأت مصر فى 2016 استعادة دورها الثقافى فى المعارض الخارجية، وتم افتتاح معرض «الآثار الغارقة» فى المتحف البريطانى بلندن بعد انتهاء جولته فى باريس، والاتفاق على إقامة أول معرض خارجى للمستنسخات الأثرية فى اليابان، والذى يضم عددًا من مستنسخات الملك توت عنخ آمون.

٢٠١٧
إعادة إحياء «الفن الإسلامى».. وإنهاء 76% من أعمال «المصرى الكبير»
يعتبر عام 2017 بداية الانفراجة المالية فى وزارة الآثار، بعد أن  خصصت الدولة لها لأول مرة مليارًا و270 مليون جنيه، لإنجاز مشروعات إنشاء وترميم 6 مشروعات أثرية.
وشهد هذا العام العديد من الافتتاحات المهمة، من أبرزها إعادة فتح «متحف الفن الإسلامى» فى القاهرة بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وذلك بعد الانتهاء من مشروع إعادة تأهيله إثر تضرره بشدة وتدمير واجهته نتيجة تفجير مديرية أمن القاهرة عام 2014.
كما تمت إعادة فتح «متحف الصيد» الملحق بـ«متحف قصر الأمير محمد على توفيق» فى المنيل، بعد غلقه عام 2006.
وفى فبراير من نفس العام، تم افتتاح قاعة العرض المؤقت بـ«المتحف القومى للحضارة المصرية» بحضور مدير عام منظمة «اليونسكو»، بالإضافة لفتح مقبرة «نخت آمون» فى دير المدينة بالبر الغربى فى الأقصر أمام الزيارة.
تبع ذلك افتتاح مجموعة من المبانى الأثرية فى «شارع المعز» بعد انتهاء مشروعات الترميم الخاصة بها، وافتتاح مبنى مشيخة الأزهر وتسليمه للمشيخة بعد الانتهاء من أعمال التطوير والتجديد.
وفى نهاية العام، اختتمت الوزارة افتتاحاتها بإعادة فتح «متحف كهف روميل» فى مرسى مطروح للزيارة، بعد الانتهاء من أعمال التطوير والترميم التى تمت بالتعاون مع محافظة مطروح، بعد غلقه منذ عام 2011، وافتتاح أعمال تطوير منطقة سقارة، وأول مخزن متحفى فى واحة الخارجة بمحافظة الوادى الجديد، ومقصورة «آمون رع» بمعبد حتشبسوت بالدير البحرى، ومكتبة دير سانت كاترين بعد مشروع تطويرها منذ عام 2013، وفسيفساء كنيسة التجلى بالدير بعد الانتهاء من ترميمها منذ عام 2005.
وشهد «المتحف المصرى الكبير» طفرة إنشائية وأثرية فى 2017، تتمثل فى إنهاء 100% من الهيكل الخرسانى والمعدنى لمبانى المتحف و56% من أعمال التشطيبات الداخلية و56% من الأرضيات فى الساحات الخارجية، بنسبة تصل إلى 76% من إجمالى حجم الأعمال، ووصل إجمالى القطع الأثرية المنقولة إلى المتحف هذا العام لـ42 ألفًا و270 قطعة.
وشهد عام 2017 انتعاشة فى مجال المعارض الخارجية، وافتتح المعرض المؤقت «العصر الذهبى لبناة الأهرام» فى محطته السادسة بمدينة «توياما» اليابانية، والمعرض المؤقت «أسرار مصر الغارقة» فى محطته الثالثة بـ«متحف رايتبيرغ» بسويسرا، والمعرض المؤقت «العصر الذهبى لبناة الأهرام» فى محطته السابعة بمدينة «شيزوكا» اليابانية.
وافتتح كذلك المعرض المؤقت «السلطان بيبرس البندقدارى وعصره» فى المتحف القومى بمدينة أستانا عاصمة كازاخستان، ومعرض «عصر بناة الأهرام» فى مدينة فوكوكا اليابانية، ومعرض «مصر: الاكتشاف الاستثنائى للفرعون أمنحتب الثانى» فى المتحف الثقافى الجديد بمدينة ميلانو الإيطالية.
ومن أهم الاكتشافات اكتشاف مقبرة «أمنمحات صانع الذهب»، «390 KAMP» بواسطة البعثة الأثرية المصرية العاملة فى منطقة «ذراع أبوالنجا» بالبر الغربى بالأقصر، واكتشاف شاهد قبر لطفلة تدعى «تكلا» بطريق الكباش.
وفى ملف استرداد الآثار استردت «الآثار» خلال عام 2017 قطعًا أثرية مصرية من مختلف دول العالم، بينها لوحة حجرية كانت معروضة بإحدى صالات المزادات فى باريس و8 «حشوات خشبية» من لندن.

2018
بعثة فى كل محافظة.. تنفيذ عملية تطوير الأزهر.. واكتشاف مقابر وورش تحنيط
بدأت افتتاحات 2018 بمشروع ترميم منطقة «باب الوزير» ومقعد الأمير ماماى السيفى «بيت القاضى» فى الجمالية، و«المتحف المفتوح» فى منطقة المسلة بالمطرية بعد الانتهاء من مشروع تطوير وتجهيز الموقع.
وفى أول مارس افتتح الرئيس «متحف آثار مطروح» عن طريق «فيديو كونفرانس»، وذلك بالتعاون بين وزارة الآثار ومحافظة مطروح التى مولت المشروع، كما افتتح خلال نفس الشهر جامع الأزهر الأثرى بعد انتهاء أعمال الترميم به.
وافتتح فى هذا العام مشروع تطوير منطقة «آثار تل بسطا» فى الشرقية والمتحف الذى يضم 1000 قطعة أثرية تحكى تاريخ المنطقة، ويقدم نتاج حفائر المحافظة، كما افتتح النصف الغربى لـ«مسجد زغلول» الأثرى فى مدينة رشيد بالبحيرة، بالإضافة لافتتاح «جامع العباسى» ببورسعيد بعد الانتهاء من أعمال ترميمه.
وفى أغسطس من نفس العام افتتح الرئيس «متحف سوهاج القومى»، ويعتبر حضوره العديد من افتتاحات وزارة الآثار والتوجيه بالدعم المالى للوزارة دعمًا معنويًا وماليًا غير مسبوق من الدولة.
ونشطت بشدة الاكتشافات الأثرية فى 2018، بعد أن أصبحت هناك بعثة مصرية فى كل محافظة، وهو ما لم يكن موجودًا خلال الأعوام السابقة لعدم وجود دعم مالى كافٍ لهذه البعثات.
وبدأت تلك البعثات اكتشافاتها هذا العام بمقبرة لسيدة تدعى «حتبت» وهى «كاهنة المعبودة حتحور» من عصر الدولة القديمة، وذلك فى الجبانة الغربية بمنطقة أهرامات الجيزة.
وأعلن نجاح البعثة المصرية الأمريكية المشتركة فى الكشف عن مجموعة من الأوانى الكانوبية بجبانة جنوب «العساسيف» بالبر الغربى بالأقصر، واكتشاف البعثة المصرية الألمانية ورشة كاملة للتحنيط ملحقة بها حجرات للدفن وبها مومياوات فى منطقة مقابر «العصر الصاوى» الموجودة جنوب هرم «أوناس» بسقارة.
واختتمت البعثات المصرية عملها هذا العام باكتشاف مقبرة «واح تى» كاهن التطهير الملكى بمنطقة سقارة الأثرية، وذلك فى حالة جيدة من الحفظ وجدرانها مزينة بنقوش ملونة، كما عثر بها على تماثيل لصاحب المقبرة وأفراد عائلته.
وفى مجال المعارض الخارجية تم افتتاح معرض «عالم الفاطميين» بمتحف «الأغاخان» بمدينة تورونتو فى كندا، بالإضافة لافتتاح معرض «آثار مصر الغارقة» فى مدينة سانت لويس بالولايات المتحدة، بالتزامن مع افتتاح معرض «الفرعون الذهبى» لعرض مجموعة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون فى «معهد كاليفورنيا للعلوم» بلوس أنجلوس.
كما تم افتتاح معرض «ذهب وكنوز الفراعنة» بإمارة موناكو، الذى ضم ١٤٩ قطعة أثرية من مقتنيات المتحف المصرى، بالإضافة لافتتاح «معرض الآثار الغارقة» بمدينة «منيابولس» بالولايات المتحدة.
وخلال عام 2018 استردت مصر العديد من القطع الأثرية التى تزيد على 230 قطعة، بينها 3 أجزاء لمومياوات تم ضبطها أثناء محاولة بيعها لإحدى صالات المزادات فى ولاية «مانهاتن» الأمريكية، بالإضافة إلى 21660 عملة معدنية من نابولى الإيطالية.
كما تمت استعادة قطعة من الحجر الجيرى منقوش عليها جزء من خرطوش الملك أمنحتب الأول، بعد أن فقدت من معبد الكرنك عام 1991، وتم عرضها للبيع بإحدى المزادات فى لندن، وغطاء تابوت أثرى ضبطته سلطات شحن الجمارك الكويتية داخل أريكة.
واختتمت الآثار هذا الملف بعام 2018 باسترداد ٢٦ قطعة أثرية ترجع للعصر الفرعونى، كانت معروضة للبيع على أحد المواقع الإلكترونية فى سويسرا.

2019
جرد المخازن.. 300 مليون جنيه لمواجهة المياه الجوفية.. وافتتاح منطقة الأهرامات قريبًا
أعلنت وزارة الآثار خلال العام الجارى العديد من الافتتاحات والاكتشافات الأثرية، والانتهاء- لأول مرة- من جرد جميع المخازن المتحفية مع البدء فى جرد المخازن الفرعية بجميع المحافظات.
وانتهت «الآثار» من أعمال 3 مشروعات ضخمة لتخفيض منسوب المياه الجوفية فى 3 مواقع أثرية هى: منطقة «كوم الشقافة» الأثرية، وكوم أمبو، و«حمام الأوزيريون» فى معبد أبيدوس بسوهاج، وذلك بتكلفة بلغت 300 مليون جنيه.
كما أنجزت وزارة الآثار مشروع تطوير المنطقة المحيطة بمعبد دندرة فى قنا تمهيدًا لتحويلها إلى متحف مفتوح، بالإضافة لترميم تمثال رمسيس الثانى الموجود فى منطقة آثار أخميم بسوهاج، تمهيدًا لوضع المحافظة على خريطة السياحة العالمية، خاصة بعد افتتاح «متحف سوهاج القومى» العام الماضى.
وبدأت البعثات الأثرية المصرية اكتشافات 2019 بإعلان وزير الآثار أول كشف أثرى فى العام بمنطقة آثار «تونا الجبل» فى المنيا، حيث تمكنت البعثة الأثرية المشتركة بين وزارة الآثار ومركز البحوث والدراسات الأثرية بجامعة المنيا من الكشف عن 3 آبار دفن تؤدى كل منها إلى مقابر محفورة فى الصخر، بها العديد من المومياوات.
كما شهد عام 2019 تحرير المواقع الأثرية من عدة تعديات ومخالفات، وتمت إزالة تعديات من خارج أسوار قلعة صلاح الدين ومنطقة طاحونة هواء المندرة بالإسكندرية، ومنطقة التلال الأثرية بالبحيرة، وطريق الكباش بمحافظة الأقصر.
واستعادت «الآثار» تمثالًا مصنوعًا من الحجر الجيرى كان يعرض فى إحدى دور المزادات بهولندا، كما نجحت جهود وزارتى الآثار والخارجية المصرية فى إثبات أحقية مصر فى استعادة تابوت أثرى مذهب، كان قد اشتراه متحف «المتروبوليتان» بالولايات المتحدة من أحد تجار الآثار الذى كان حاملًا تصريح خروج للقطعة صادرا من مصر ويرجع لعام 1971.
كما استردت «الآثار» الجزء الرابع والأخير من اللوحة الحجرية الخاصة بالمدعو «سشن نفرتوم» التى سرقت وخرجت من مصر بشكل غير شرعى، من أستراليا، بالإضافة لضبط أجزاء لمومياوات داخل أحد الطرود أثناء محاولة تهريبها لبلجيكا.
ومن المنتظر أن يفتتح العديد من المشروعات لوزارة الآثار خلال العام الجارى، ومنها متحف شرم الشيخ، ومشروع تطوير منطقة الأهرامات الأثرية، ومتحفا طنطا وكفر الشيخ، وهى مشروعات متوقفة منذ عشرات السنين لعدة أسباب أهمها التمويل، وهو ما استطاعت الوزارة توفيره خلال السنوات الماضية نتيجة عدة قرارات اتخذها وزير الآثار، ما ساهم فى إنجاز مشاريع إنشاء وترميم فى مختلف محافظات الجمهورية.