رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زاهي حواس: مصر تنعم بالأمن والاستقرار والقوة خلال الفترة الحالية (حوار)

جريدة الدستور

- العالم الكبير قال إن رحلاته إلى الخارج تستهدف نقل حقيقة الأوضاع بشكل حقيقى

فى حديث امتزجت فيه ذكريات الماضى بالحاضر وأحلام المستقبل، تحدث الدكتور زاهى حواس، لـ«الدستور»، عن تفاصيل وكواليس رحلته من إحدى القرى الصغيرة إلى عالم الأضواء والشهرة العالمية، كخبير لعلم المصريات ووزير أسبق للآثار، وغيرها من المناصب القيادية، والظهورات المميزة فى المحافل الدولية.
وكشف «حواس» فى حديثه عن دور أسرته فى صياغة تفكيره وثقافته، وحكى قصة دخوله عالم الآثار، التى حدثت بالصدفة، وعرج على حبه لمهنة الصحافة ومشاهيرها الذين أثروا فى شخصيته وأفكاره.
■ بداية.. كيف نشأت قصة الارتباط بينك وبين علم الآثار؟
- وقت أن كنت صغيرًا لم يكن ضمن اهتماماتى ولا من أولوياتى أن أدرس علم الآثار، كنت شغوفًا بدراسة القانون لذا فضلت الالتحاق بكلية الحقوق وهو ما كان، غير أنه فى أيامى الأولى داخل الكلية لم أشعر بالراحة بين جدرانها، وعندها قررت أن أحمل حقائبى ووليت وجهى صوب كلية الآداب، لتبدأ من هناك رحلة جديدة ومرحلة مثيرة فى مسيرتى.
■ قلت إن دراسة علم الآثار لم تكن الغاية التى تحلم بها.. فلماذا التحقت بذلك القسم دون غيره من أقسام كلية الآداب؟
- عندما انتقلت للدراسة بكلية الآداب، كان المتاح حينها هو الالتحاق بذلك القسم، فاخترت دراسة الحضارة اليونانية الرومانية ولم أكن حينها طالبًا متفوقًا فى الدراسة.
وبالكاد أنهيت دراستى وحصلت على تقدير مقبول، وبعدها تم تكليفى بالعمل فى مصلحة الآثار، وكانت وظيفة أبوابها مفتوحة أمام الجميع ومن السهل لأى فرد العمل بها.
وبمجرد أن وطأت قدماى المكان لم أشعر بالراحة مطلقًا، إذ كان العاملون فى المكان دائمى التناحر والاشتباك، تجدهم دائمًا يتبادلون الاتهامات والشكاوى، فلم أجد مفرًا حينها غير الرحيل، وبدأت فى خطوة تالية وهى طرق أبواب العمل فى وزارة الخارجية، لكن محاولاتى تلك لم يكن التوفيق حليفها، فاضطررت للعودة مرة ثانية للعمل فى مصلحة الآثار.
وعندما عدت للمصلحة جرى تكليفى بعمل حفائر، لأجد فى انتظارى مناسبة غيّرت مجرى حياتى تمامًا، وقتها اكتشفت مقبرة ووجدت بداخلها تمثالًا، وأثناء تنظيفى المقبرة وجدتنى أقول لنفسى: «أنا أحب الآثار»، ومن هنا بدأت حكاية عشقى وارتباطى بهذا العلم المذهل شديد الروعة والجمال.
■ علم الآثار هو فن يشترط فيمن تجمعه به قصة غرام أن يمتلك خلفية فكرية وثقافية عالية.. ما العوامل المؤثرة التى صاغت تلك الصفات فى شخصية زاهى حواس؟
- التكوين الفكرى والثقافى لشخصيتى يمكن اعتباره حاصل جمع لأشياء متنوعة، فوالدى كان فضله علىَّ عظيمًا، فقد نصحنى بأهم نصيحة تلقيتها طيلة حياتى وهى ألا أضع إصبعى أسفل ضرس أى شخص، وقد نفعتنى هذه النصيحة أشد ما يكون النفع.
وطوال مسيرتى لم أمد يدى لشخص، وهذا الأمر فى حد ذاته منحنى قوة وعزيمة، وعندما حدثت ثورة يناير وخرج بعض الأشخاص يهاجموننى، لم أُقم لكلماتهم وزنًا، لسبب بسيط هو إيمانى الدائم بأننى أؤدى واجبى تجاه عملى على أكمل ما يكون.
كذلك لا يمكن أن أنسى أفضال أستاذى محمد شتا، ذلك الرجل كان والدى قد اتفق معه على أن يعطينى دروسًا خاصة فى منزلى، وأثر هذا الرجل فى حياتى كان كبيرًا جدًا، وفى المرحلة الجامعية وأثناء عملى بالآثار يبقى هناك شخص اسمه جمال مختار الذى شغل منصب رئيس هيئة الآثار، وقد أضاف الكثير جدًا لشخصى، وبقيت ملتزمًا وأعمل بنصائحه حتى الآن، ويأتى من بعدهما أستاذى فى جامعة بنسلفانيا، وختامًا السفير عبدالرءوف الريدى.
وبشكل عام لا بد أن يكون الإنسان دائمًا مؤمنًا بأنه مهما بلغ من مراتب المجد فإنه ليس كبيرًا على طلب العلم والتعلم.
■ أفضت فى الحديث عن العديد من الأشخاص.. لكن تبقى لمدينة دمياط لمسات خاصة طبعتها على شخصيتك.. فماذا تقول؟
- عندما كنت مقيمًا هناك فى قريتى القريبة من مدينة دمياط، كان لدىَّ شغف لا يوصف بالقراءة، دفعنى ذلك إلى أن أوفر من مصروفى كل يوم لأجل شراء الكتب، وساعدتنى على ذلك المكتبات التى كانت منتشرة فى كل شبر هناك، فقد أسهمت فى صياغة وصقل تكوينى بصورة كبيرة.
بجانب ذلك، نشأت حريصًا على دخول السينما كل خميس، وتلك عادة أضافت لنفسى بُعدًا ثقافيًا آخر، وأيضًا الملاعب الرياضية التى كانت منتشرة هناك، والتى كنت حريصًا على ارتيادها بحكم أننى رياضى، وقد تفاعلت تلك العوامل مع بعضها لتثرى تفكيرى وتكوينى خلال الخمس عشرة سنة الأولى من حياتى، قبل أن أرحل للقاهرة للالتحاق بالجامعة.
■ برأيك.. متى حانت اللحظة التى حملت الميلاد الحقيقى لشخصية عالم الآثار زاهى حواس؟
- أولًا: الحياة مراحل ومحطات، وفى كل محطة لا يمكن لأى إنسان أن يقول عن نفسه إنه وصل إلى سدرة المنتهى من المجد إلا عندما يحقق ما يصبو إليه من اجتهاد، فمثلًا أعتقد أن السبب وراء شهرتى هو ملاحظة صغيرة علقت فى ذهنى فى بدايات عملى بذلك المجال.
وهذه الملاحظة التى لفتت انتباهى، هى أننى وجدت الأجانب وحدهم هم من يتحدثون عن كنوزنا دون أن يكون بينهم مصرى واحد، وأيضًا عند دخولى المكتبات التى تعرض مؤلفاتها لا أجد كتابًا واحدًا ألفه مصرى باستثناء عمل واحد عن الأهرامات سطر حروفه كاتب اسمه أحمد فخرى.
من هنا وُلِدت بداخلى عزيمة أن أتعلم جيدًا، لأن التعليم هو أقصر الطرق للوصول بالشخص إلى ما يريده، لذا قررت مجددًا أن ألتحق بكلية الآثار، ومن بعدها حصلت على دبلومة قبل أن أسافر فى منحة كبيرة إلى أمريكا بمساعدة من الحكومة المصرية، لأقضى هناك سبع سنوات تبدلت خلالها حياتى تمامًا.
ثانيًا: حال عودتى إلى مصر مجددًا كان العمل بالنسبة لى أولوية قصوى وشيئًا مقدسًا، ولم يحدث أن وجدت أى إغراء فى فكرة ارتداء «البدلة» ولبس الكرافتة والجلوس لأجل التنظير، بل على العكس وضعت يدى فى أيدى العمال كأنى واحد منهم، وكثيرًا ما عملت فى أعمال الحفر والتنقيب، وقد توجت جهودنا بالكثير والكثير من الاكتشافات.
وكل واحد من هذه الاكتشافات كان ذا تأثير وصدى على شخصى والآخرين، فمقابر عمال الأهرام كانت فتحًا عظيمًا، باعتبارها أقوى رد على المدعين الذين قالوا إن بناة الأهرامات كائنات خرافية، وكذلك أيضًا وادى المومياوات الذهبية، والهرم الجديد فى منطقة سقارة.
كل تلك الاكتشافات جمعاء أثرت فى شخصى وأسهمت فى تقديمى للعالم بأسره، بجانب أننى لم أكتفِ بذلك بل استعنت بالكتابة فى توثيق كل هذا، فقد كتبت أكثر من 150 مقالة علمية فى المجلات العالمية، إضافة إلى ما يزيد على 40 كتابًا، ولى ثلاثة مقالات أسبوعية ما بين العربية والإنجليزية.
ثالثًا: حياتى معظمها، بل لا أبالغ حين أقول كلها، كانت واقعة بين طرفين لا ثالث لهما وهما العمل والكفاح، وهو ما آتى ثماره فيما بعد، فالآثار علم صعب، لكنى نجحت فى أن أجعله سهلًا ومبسطًا ومفهومًا لغير المتخصص، وقد توج الله جهودى بالحصول على جائزة كبيرة من مهرجان الأفلام الأكاديمية، ويكفينى أننى العالم الوحيد على مستوى العالم الذى يعرفه الناس فى الشوارع، بعدما نجحت فى أن أدخل عشق الفراعنة فى قلوب المصريين وغيرهم.
ويؤسفنى بعد كل ذلك، أن أجد بعد الأبواق التى تخرج لتتحدث عن علم الآثار دون أن يكون لديها أرشيف مكتوب أو معلومة موثقة، فقط كل ما تمتلكه هو صوت عالٍ فقط.
■ لكن فكرة أن تتحول لمثقف موسوعى يزداد بريقًا بمرور الأيام ليست سهلة.. فهل الحب الذى جمعك مع علم الآثار هو وحده الذى منحك ذلك الوهج الخاص؟
- الحب وحده لا يكفى لوصف ارتباطى بالآثار، فما يجمعنى بها هو العشق، ولهذا العشق الفضل فى المحبة التى جمعتنى بالناس مشاهير كانوا أو بسطاء، بجانب ذلك فأنا لم أدخل فى معارك شخصية مع أحد، فقط أكتفى بالدفاع عن نفسى، وأشغل بالى بالعمل دون غيره.
وبعد الثورة عندما شتمنى بعض «الحرامية» واللصوص، بعد أن تكالبوا علىَّ جميعًا واتفقوا على النيل من شخصى، وقتها جمعنى لقاء مع الراحل العظيم أنيس منصور وأخبرته بما حدث وقلت له: «شفت فلان اللص كاتب إيه فى الأهرام عنى»، أجابنى قائلًا: «ولا تسأل.. أنت لو جمعت كُتبك فوق بعض هتلاقيها أطول من اللى بيشتمك».
لهذا فأنا أطالب الشباب بالعمل والإنتاج، فلولا هاتان الصفتان ما كنت زاهى حواس الذى صنع لنفسه بريقًا كان سببًا فى أن تجمعه الصداقة بالملوك والأمراء ورؤساء الدول والفنانين والرياضيين وغيرهم.
■ أنت واحد من القلائل ممن جمعوا بين العمل الإدارى برئاسة المجلس الأعلى للآثار والعمل الميدانى.. فهل حققت كل ما تمنيت تحقيقه فى كليهما.. أم طغى أحدهما على الآخر؟
- عندما عرض علىًَّ رئاسة المجلس الأعلى للآثار كانت ميولى رفض المنصب أكثر من دوافعى نحو القبول به، لكنى منحت نفسى فرصة للتفكير فانتهيت إلى الموافقة، لأنه حال عدم إقدامى على ذلك سيأتى من هو أصغر منى سنًا وأقل كفاءة ويرأسنى، وهذا وضع لم أكن لأقبل به، وعندها حسمت أمرى بالموافقة.
وحتى لا يشغلنى العمل الإدارى عن نظيره الميدانى، خصصت اثنين ممن أثق فيهم للنظر فى كل الأوراق وتلخيصها، وفى كل يوم أمنح نفسى من الوقت عشر دقائق لمطالعة ومتابعة تلك الأوراق، ولذا عندما حاول البعض تقديم بعض البلاغات ضدى بعد الثورة، لم يتم تحويل واحد منها إلى النيابة، لأننى باختصار لم أرتكب شيئًا خطأ فى حياتى.
أستطيع أن أؤكد أننى بعد ذلك نجحت فى تحقيق كل طموحاتى وكل أحلامى، حيث تمكنت من إنشاء عدد من المتاحف وإدارة المواقع الأثرية وترميم المعابد اليهودية، واستعادة ستة آلاف قطعة أثرية، لكن يبقى الفخر الأكبر بالنسبة لى هو عدد الشباب الذين علمتهم وأصقلت قدراتهم وإمكانياتهم، وهؤلاء حاليًا هم الأساس الذى يعتمد عليه وزير الآثار، والآن كل تلك الاكتشافات والإنجازات أحوّلها لمؤلفات حتى تكون لمن يأتى من بعدى آية.
■ بحكم انغماسك فى دراسة الحضارة المصرية.. مَنْ الشخصية الفرعونية الأقرب لشخصك والمحببة لقلبك؟
- الملك خوفو باعتباره من بنى الأهرامات، وطيلة حياتى وأنا مهتم جدًا بهذا الإعجاز، ودائمًا أحب سيرة وحياة ذلك الرجل العظيم.
■ فى الفترة الأخيرة تحول زاهى حواس إلى المُرافق الرسمى لكل زوار مصر من مشاهير الخارج.. فمن الشخصية التى وجدت ما يمكن تسميته «كيمياء خاصة» بينك وبينها؟
- جميعهم دون استثناء، فلا أنسى اللحظات السعيدة التى جمعتنى مع الأميرة ديانا، ولا الأوقات المثيرة التى قضيتها بصحبة الرئيس الأمريكى السابق أوباما، وكذلك الحال أيضًا مع النجمتين بيونسيه وشاكيرا.
■ تمتلك فى أرشيفك العديد من الرحلات خارج مصر.. فأى منها تركت بصمتها الخاصة على شخصيتك؟
- رحلاتى للخارج ليست بغرض المتعة، سفرياتى دائمًا تكون عبارة عن رسالة أقدمها فى صورة محاضرات هدفها التأكيد على حالة الأمان والقوة التى تنعم بها مصر حاليًا، فمعظم دول العالم ما زالت لا تشعر بالحالة التى عليها مصر الآن من هدوء واستقرار، لذا أركز جهودى على رسم صورة مصر الثقافية والحضارية بشكل أوضح وحقيقى.
■ ذكرت فى أحاديث سابقة أن العمل بالصحافة كان أحد أحلامك فى فترة الشباب، فهل تخليت عن هذا الحلم؟
- بالفعل كنت أرغب وأنا فى مرحلة الشباب أن أكون صحفيًا، لكن القدر لم يكن حليفى فى تحقيق تلك الرغبة، ولكنى الآن قطعت شوطًا طويلًا على طريقها، فأنا أكتب العديد من المقالات فى معظم الصحف المصرية والعربية.
وبالرغم من أننى لم أعمل صحفيًا، غير أن أعظم صداقتى نمت مع اثنين مع كبار الصحفيين هما أنيس منصور وصلاح منتصر، فالأول انتقلنا سويًا من مكان لمكان، ونصائحه لى كانت خير رفيق لرحلتى، بينما يبقى الثانى هو أنقى شخصية التقيتها فى حياتى، وهو إنسان لا يحمل فى قلبه غير الحب والفكر، ولن يأتى أحد مثله.
■ أخيرًا.. هل يكتب زاهى حواس مذكراته خلال الفترة المقبلة؟
- كنت قد كتبت الجزء الأول من مذكراتى حتى عام 2002، والآن بدأت بالفعل فى كتابة الجزء الباقى وستظهر للنور قريبًا.
■ لك تجربة ثرية مع الاكتشافات الأثرية.. فأيها الأقرب إلى قلبك؟
- أستطيع أن أقول إن جميع الاكتشافات الأثرية التى حققتها لها مودة وحب فى قلبى مثل مقابر عمال الأهرام، لكن يبقى كشف وادى المومياوات الذهبية فى الواحات البحرية صاحب الذكرى الخاصة فقد هز العالم بأسره، وكذلك أيضًا عندما دخل الإنسان الآلى جسم الهرم الأكبر واكتشف الأبواب الموجودة بداخله كان حدثًا هو الآخر لفت أنظار العالم لمصر وحضارة شعبها.
- أستطيع أن أقول إن جميع الاكتشافات الأثرية التى حققتها لها مودة وحب فى قلبى مثل مقابر عمال الأهرام، لكن يبقى كشف وادى المومياوات الذهبية فى الواحات البحرية صاحب الذكرى الخاصة فقد هز العالم بأسره، وكذلك أيضًا عندما دخل الإنسان الآلى جسم الهرم الأكبر واكتشف الأبواب الموجودة بداخله كان حدثًا هو الآخر لفت أنظار العالم لمصر وحضارة شعبها.