رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ر

«بركة غليون».. قصة إنشاء أكبر مزرعة سمكية فى الشرق الأوسط

جريدة الدستور

«يد تبنى.. ويد تحمل السلاح».. هذا ليس شعارًا بل حقيقة أكدتها «دولة ٣٠ يونيو» على مدار سنوات مضت، وستظل متمسكة بها فى سنوات طويلة مقبلة؛ حتى تقف مصر على قدميها. تتحرك الدولة المصرية على مختلف الاتجاهات تقريبًا، تبنى مدنًا جديدة، تقضى على العشوائيات، تحفر أنفاقًا هائلة، تشيد طرقًا جديدة، تعيد بناء البنية التحتية.. هذا وغيره الكثير والكثير. هنا نتوقف أمام «ملحمة البناء»، نعرض لمجموعة من المشروعات القومية؛ حتى يعرف الجميع أين كنا، وإلى أين وصلنا، وما الذى ننوى فعله فى بلدنا.

منطقة رملية تضم بِركة مائية طبيعية متجددة على شكل مثلث قاعدته شواطئ البركة وضلعاه الآخران ساحل البحر المتوسط وشاطئ نهر النيل وفى الشمال قرية «برج مغيزل» ومن الغرب فرع رشيد.
إنها «بركة غليون»، التابعة لقرية «الجزيرة الخضراء»، التابعة لمركز مطوبس بكفر الشيخ، التى كانت تمثل ملتقى للمهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية ومأوى لعدد من الخارجين على القانون قبل أن يلتفت إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى ويحولها إلى منطقة تضم واحدًا من أكبر المشروعات القومية على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، هو مشروع الاستزراع السمكى، الذى أصبح أكبر مزرعة سمكية بحرية على مستوى الشرق الأوسط.

منطقة تفريخ على 18 فدانًا.. 4 مصانع لتجهيز الأسماك والجمبرى والعلف.. والتكلفة 1.7 مليار جنيه
بشراكة مصرية صينية، وخبرة 28 شركة مصرية، وحجم عمالة يزيد على 8 آلاف مهندس وفنى وعامل، بدأ تنفيذ مشروع الاستزراع السمكى فى «بركة غليون» عام 2014، بإشراف من «الشركة الوطنية للاستزراع السمكى والأحياء المائية»، التابعة للقوات المسلحة.
المشروع هو الأول، الذى يستخدم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة فى الاستزراع السمكى، ويقام على 3 مراحل، وسبق تنفيذه إرسال الدولة عددًا كبيرًا من العاملين به للتدريب فى الصين، حيث تعرفوا على آخر الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة التى توصل إليها الصينيون فى مجال الاستزراع السمكى.
وبحسب تصريحات سابقة لمحافظ كفر الشيخ تبلغ تكلفة المشروع مليارا و700 مليون جنيه، ويضم منطقة تفريخ بمساحة 18.50 فدان، وبركة صرف بمساحة 119 فدانًا ومنطقة صناعية بمساحة 55 فدانًا، ومركزين للتدريب والأبحاث والتطوير.
وفيما يتعلق بمنطقة التفريخ لإنتاج «زريعة» الأسماك والجمبرى، فهى تعد الأكبر فى الشرق الأوسط على مساحة 18.5 فدان، وتتكون من 546 حوضًا لإعداد «الأمهات» لعمليات التفريخ، وذلك لإنتاج 20 مليون إصباعية زريعة من فصيلة الأسماك البحرية تنتجها مفرخات الأسماك، بالإضافة إلى 2 مليار حبة زريعة من الجمبرى تنتجها مفرخات الجمبرى سنويًا.
أما المنطقة الصناعية فمقامة على مساحة 55 فدانا، وتضم 4 مصانع لتجهيز السمك والجمبرى وإنتاج علف الأسماك والجمبرى وتصنيع الفوم والثلج.
مصنع «الفوم» على مساحة 1400م ويعمل بطاقة إنتاجية تصل إلى 1200 عبوة «فوم» فى اليوم، والتى تساعد فى حفظ الأسماك فى حالة طازجة من الإنتاج وحتى البيع للمستهلك، ومصنع الثلج على مساحة 1900م بطاقة إنتاجية 40 طن ثلج مبشور و20 طن ثلج ألواح فى اليوم، لحفظ الأسماك بعد الانتهاء من تصنيعها، وهو أول مصنع فى كفر الشيخ من نوعه.
أما مصنع تجهيز الأسماك والجمبرى «البروسسينج» فهو على مساحة 20 ألف متر مربع، ويعمل بطاقة إنتاجية 100 طن يوميًا، بواقع 70 طن أسماك و30 طن جمبرى، ويعد أكبر مصنع لإنتاج الأسماك وينتج نحو 20 ألف مسطح.
ويضم مصنع الأعلاف وحدة أعلاف متخصصة للأسماك البحرية، ويعمل بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 180 ألف طن سنويًا، تضم وحدة أعلاف الأسماك البحرية بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 120 ألف طن سنويًا، ووحدة أعلاف الجمبرى بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 60 ألف طن سنويًا.
وتشتمل المنطقة الصناعية كذلك على مركز الأبحاث والتدريب والتطوير على مساحة 700 متر، والذى يضم: المعمل المركزى، ومعمل جودة المياه، ومعمل الغذاء الحى، ووحدة الإرشاد والتدريب، ومعمل بيولوجية الأسماك، ومعمل صحة وأمراض الأسماك، بالإضافة إلى معمل تركيب جودة الأعلاف، ووحدة المكثفات لإنتاج الأسماك بإنتاجية عالية بكمية قليلة من المياه، كما يوجد مركز تحكم بالكمبيوتر للمراقبة والتحكم فى العمل بكل منشآت المشروع ومتابعة سير العمل بها.
ويضم المشروع أيضًا 3 محطات عملاقة، اثنتان لتزويد الأحواض السمكية بالمياه العذبة والمالحة، وأخرى لصرف المياه.
والمحطة الخاصة بتزويد المزرعة بالمياه المالحة عبارة عن 12 «طلمبة» بقدرة 72 ألف متر مكعب فى الساعة، ومحطة التزويد بالمياه العذبة عبارة عن 5 طلمبات بقدرة 30 ألف متر مكعب فى الساعة، فيما تعد محطة الصرف هى الأضخم وتتكون من 15 طلمبة بقدرة 90 ألف متر مكعب فى الساعة مهمتها التخلص من المياه الزائدة.
ويشتمل المشروع كذلك على محطة كهرباء بقدرة 80 ميجا وات، تم تنفيذها بالكامل خلال 6 أشهر، وتغذى مشروع الاستزراع السمكى والمنطقة الصناعية والمصانع المختلفة التى تعمل فى الأسماك، وتضم 12 «مغذيا» 6 منها على محول الأول و6 على الثانى.
وصممت المزرعة متضمنة منازل للصيادين، لتسكين العمالة المقيمة المشرفة على الأحواض وتطعم الأسماك، ويوجد لذلك 7 عمارات سكنية ومنطقة ترفيهية وملاعب مؤهلة وأماكن للمعيشة والمبيت، مصممة طبقًا للمواصفات والمعايير العالمية.

حفر 1450 حوضًا بمعدل كافٍ لبناء 3 أهرامات
فى 18 نوفمبر 2017، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى المرحلة الأولى من المشروع المقام على مساحة 4100 فدان، وتضم 1359 حوضًا مقسمة على 466 حوضًا لتربية الأسماك وتسمينها بطاقة إنتاجية تتجاوز 3000 طن سنويًا، مساحة الحوض الواحد 50 مترا فى 150 مترا، و83 حوضًا من المياه العذبة لأسماك البلطى والبورى على مساحة 500 فدان، و655 حوضًا للجمبرى، بطاقة إنتاجية 2000 طن بالدورة الواحدة التى لا تستغرق أكثر من 6 أشهر.
وتضمنت هذه المرحلة أيضًا إقامة 10 ورش لتربية اليرقات والجمبرى، و155 حضانة لتحصين الزريعة ورعاية الأسماك تخدم هذه الأحواض، إلى جانب إنشاء الترع والقنوات الخرسانية، ووضع طبقة بلاستيكية «بولى إيثيلين» عالى الكثافة «HDPE» حفاظًا على المياه وعدم تسربها. وقال معتز المقدم، المنسق العام بين الجانبين المصرى والصينى، فى تصريحات تليفزيونية: «خلال 18 شهرًا انتهينا من تدشين 104 كم طرق وحفر 62 كم ترع ومجارى مائية، ووضع 17 طلمبة رفع للماء المالح و15 للماء العذب، وفق أحدث المقاييس العالمية». وكشف عن أن المزرعة أو «المدينة السمكية» تضم معملًا للأبحاث من أفضل ١٢ معملًا على مستوى العالم، وشهدت حفر ١٤٥٠ حوضًا بمعدل حفر يساوى بناء ٣ أهرامات مثل أهرامات الجيزة، وتبلغ كمية الحديد المستخدمة فى البناء ما يعادل بناء برج إيفل مرة ونصف المرة. ومن المخطط إقامة المرحلة الثانية على مساحة 9 آلاف فدان- بحسب المعلومات الواردة فى الموقع الرسمى للهيئة العامة للاستعلامات- وتضم أحواض الاستزراع السمكى الجديدة، ومصنعًا لإنتاج مسحوق السمك، ومصنعًا لإنتاج شكائر الأعلاف، ومحطة معالجة المياه.
وفى 19 يوليو 2018، بعد مُضى ما يقرب من العام، أعلن الدكتور عادل المسلمانى، الرئيس التنفيذى للشركة المنفذة لمشروع «بركة غليون»، بدء المرحلة الثانية من المشروع.
وقال «المسلمانى» إن تلك المرحلة تستهدف إقامة مصنع مسحوق أسماك بطاقة إنتاجية 100 طن فى اليوم، ومصنع لصناعة الشكائر بطاقة إنتاجية 15 مليون شيكارة، ومحطة تنقية مياه بطاقة إنتاجية 200 طن يوميًا. وأضاف: «ما زال العمل مستمرًا فى هذه المرحلة لحين الانتقال إلى المرحلة الثالثة المقرر أن تكون من 20 إلى 21 ألف فدان، وتستهدف إنتاج 18 ألف طن أسماك بحرية، و24 ألف طن أسماك مياه عذبة».


عاملون: مزودة بمعمل تحليل عالمى.. و«مفيش حاجة بتطلع إلا بعد التأكد من سلامتها 100%»
قال مسعد النجار، أحد العاملين فى مزرعة «بركة غليون»، إن المشروع أسهم فى تشغيل عدد كبير من أبناء المنطقة والمحافظات المجاورة، مع الاستفادة من شرائهم الأسماك بأسعار رخيصة كغيرهم من المواطنين.
وأضاف أن «بركة غليون» ينتفع منها عدد كبير من الأشخاص، بينما مزارع الأسماك العادية لا يستفيد منها سوى صاحبها فقط، كاشفًا عن أبرز معايير اختيار العاملين فى المشروع بقوله: «تعتمد فى الأساس على الخبرة فى المجال المتخصص فيه العامل».
وذكر: «كنت أعمل فى مطعم للأسماك، لذا تم اختيارى للعمل فى أحد مصانع الأسماك بالمشروع».
وعن الأوراق المطلوبة قال «النجار»: «طلبوا منى بعض الأوراق الرسمية التى تثبت هويتى وتطلب فى أى عمل آخر، مثل شهادة المؤهل الدراسى والموقف من التجنيد وفيش وتشبيه».
وأشار إلى استقطاب المشروع بإمكانياته الكبيرة والتكنولوجيا المتطورة المستخدمة فيه عددا كبيرا من المستوردين الأجانب، معتبرًا أن المزرعة لا مثيل لها فى الخارج، خاصة أنها تضم أكبر معمل للتحاليل، لذا «مفيش أى حاجة بتطلع إلا بعد التأكد 100% من إنها سليمة وصالحة للاستخدام الآدمى».
وقال عبدالله البهلوان، أحد صيادى «بركة غليون»، إن المزرعة تُولى اهتمامًا كبيرًا بكل مراحل تربية وإنتاج الأسماك، بداية من «الزريعة» حتى نقل المنتج إلى المصانع استعدادًا لتعبئته، مع رعاية طبية مكثفة ووسائل تعقيم آمنة، بجانب الاهتمام بتقديم أعلاف أسماك ذات قيمة غذائية عالية، بشكل يختلف عن المزارع العادية.
ومن بين أسباب اختيار «بركة غليون» لإقامة هذا المشروع القومى عليها وتحويلها إلى «مدينة أسماك عالمية»، هو وقوعها على مساحة 2000 فدان طبيعية متجددة تصل بين النيل والبحر الأبيض المتوسط، وتخللها عدد من الألسنة الأرضية مساحتها 500 فدان.
كما تحيط بالبركة مساحة من الأراضى تصل إلى 3500 فدان، وهى منطقة لم تتعرض لأى نوع من العمران العشوائى، وتعد منطقة صيد طبيعية عالمية للطيور والأسماك، ومحاطة بمناطق أثرية وتاريخية.
والأهم هو سهولة الوصول إلى أرض المشروع، فهى تقع على الطريق الدولى السريع «30 دقيقة من الإسكندرية - ساعة من مطار النزهة»، كما يمكن الوصول إليها من القاهرة بمراكب المبيت «الفنادق العائمة» على مياه نهر النيل.

نقيب صيادى كفر الشيخ: الإنتاج ضخم.. وكيلو البلطى لا يتجاوز 22 جنيهًا
أكد أحمد عبده نصار، نقيب الصيادين فى محافظة كفر الشيخ، أن مزرعة «بركة غليون» كانت عبارة عن حقل تجريبى فى أيام الافتتاح الأولى، لأن الاستزراع السمكى يحتاج فترة معينة ليست بالقصيرة لبدء الإنتاج.
وأضاف: «بعد هذه الفترة التجريبية نجح المشروع بالفعل، وبدأ فى إنتاج أنواع كثيرة من الأسماك، على رأسها بلطى وجمبرى من أجود الأنواع، والذى لا يقتصر الأمر على تصديره إلى الخارج، بل يتم توزيع كميات منه أيضًا فى محافظات الجمهورية، بأسعار لا تتجاوز 22 جنيهًا لكيلو البلطى».
وواصل: «الجمبرى هو ما يتم تصدير أغلب إنتاجه إلى الخارج، أما باقى الأنواع الأخرى، التى تنتجها المزرعة، فمغرقة السوق المصرية، خاصة بعدما أصبحت المزرعة تعمل بكل طاقتها فى الوقت الحالى».
وأشار إلى وجود 15 منفذًا فى كفر الشيخ تنقل إليهم منتجات مزرعة «بركة غليون» من أسماك البلطى والفيليه والجمبرى والبورى، عن طريق سيارات وفرتها المحافظة، مضيفًا أن «الأنواع التى يتم استغلالها فى التصدير نظرًا لوفرة إنتاجها هى العروش والجمبرى، وهو ما يسهم فى توفير العملة الصعبة للبلد».
وكشف نقيب صيادى كفر الشيخ عن إعادة استزراع السمك والجمبرى فى الأحواض من جديد فى أغسطس المقبل.
وشدد على أن المشروع خدم كثيرًا من أبناء كفر الشيخ وأسهم فى تقليل معدلات البطالة بينهم، بتوفير وظائف وفرص عمل أمامهم، مشيرًا إلى أن اختيارهم جاء بعد خضوعهم لمقابلات شخصية لكشف مدى قدرتهم على العمل فى هذا المشروع الضخم، وانضم إليهم كثيرون من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة والدبلومات، وعمل كل منهم، حسب المجال المتخصص فيه، فخريجو كليات العلوم وظفوا فى المعامل، وخريجو الزراعة فى التغذية.
وتابع: «المشروع يضم عمالا مدربين على كيفية التعامل مع الأدوات التكنولوجية، وهو ما اكتسبوه من الدورات التدريبية، التى خضعوا لها فى الصين، وتدربوا فيها على كيفية تشغيل المصانع التى تعمل آليًا فى كل المراحل، ما عدا الاستخراج من الأحواض».
ووجه محافظ كفر الشيخ، فى وقت سابق، رؤساء المدن ببيع منتجات «بركة غليون» بنفس سعر الشراء، بدون هامش ربح للمحافظة، وهو ما أدى إلى انخفاض الأسعار.