رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوم يا مصرى ١

هنا «الأسمرات»: أكبر مجتمع إنتاجي وحضاري بـ16 مليار جنيه

جريدة الدستور

«يد تبنى.. ويد تحمل السلاح».. هذا ليس شعارًا بل حقيقة أكدتها «دولة ٣٠ يونيو» على مدار سنوات مضت، وستظل متمسكة بها فى سنوات طويلة مقبلة؛ حتى تقف مصر على قدميها.
تتحرك الدولة المصرية على مختلف الاتجاهات تقريبًا، تبنى مدنًا جديدة، تقضى على العشوائيات، تحفر أنفاقًا هائلة، تشيد طرقًا جديدة، تعيد بناء البنية التحتية.. هذا وغيره الكثير والكثير.
هنا نتوقف أمام «ملحمة البناء»، نعرض لمجموعة من المشروعات القومية؛ حتى يعرف الجميع أين كنا، وأين وصلنا، وما الذى ننتوى فعله فى بلدنا.


«لو تطلَّب منا الأمر ألا نأكل حتى لا يكون بيننا من يعيش فى عشوائيات سنفعل».. قبل نحو 3 أعوام أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى ذلك التصريح، فى إطار الحرب التى أعلنها للتخلص من المناطق العشوائية المهددة لحياة المصريين، فتحول ذلك الحلم إلى حقيقة يراها الجميع. كانت أولى بشائرها إنشاء مدينة «الأسمرات»، أو مشروع إسكان «تحيا مصر»، التى أقيمت على طراز معمارى حضارى لتسع أبناء المناطق الخطرة بما يوفر لهم عوامل الأمن والحياة الكريمة. وبعد مشروع «الأسمرات» صفحة مضيئة فى ملف التنمية والتطوير، الذى بدأه الرئيس السيسى منذ توليه المسئولية، حيث افتتح المرحلتين الأولى والثانية منه فى يونيو 2016، منهيًا بذلك عهد العشوائيات المتهالكة القديمة الواقعة داخل المدن أو على أطرافها.

18 ألف وحدة سكنية فى مراحل المشروع الثلاث.. وبناء مصانع لتوفير عمل للمنتقلين
التعاون كان أول فصول ملحمة «الأسمرات»، التى أقيمت على 3 مراحل، حيث تولى صندوق «تحيا مصر» مهمة التمويل، وجرى إعداد الإنشاءات، بالتعاون بين الصندوق ومحافظة القاهرة والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وكان الهدف الأول نقل سكان المناطق الخطرة والعشوائية الآيلة للسقوط وبها حياة غير آدمية بالقاهرة الكبرى إلى المجمع السكنى الجديد.
تضمت المرحلتان الأولى والثانية من المشروع نحو 11 ألف وحدة سكنية، وزادت إلى نحو 18 ألف وحدة مع قرب انتهاء المرحلة الثالثة.
وتشمل المرحلة الأولى 6156 أسرة، وأقيمت على مساحة 60 فدانًا، والثانية 4680 أسرة، وأقيمت على مساحة 67 فدانًا، على أن تضم الثالثة، التى من المقرر افتتاحها قريبا 4500 أسرة على مساحة 80 فدانًا، وارتفعت تكلفة المشروع من 14 مليار جنيه إلى 16 مليارًا.
ويضم المشروع، بمراحله الثلاث، عددًا من المبانى الخدمية المُلحقة والمكملة، تتمثل فى مجمع المدارس لمراحل التعليم المختلفة، ودور حضانة، ومراكز طبية، ووحدة صحية، ومركز رياضى، وملاعب مكشوفة، ووحدات شرطية، ومطافئ، وإسعاف وبريد، بجانب إقامة أسواق حضارية، ومخابز، ومركز تدريب وصيانة، فضلًا عن إنشاء مسرح كبير بين المراحل الثلاث.
وشملت المرحلتان الأولى والثانية نحو 140 محلًا تجاريًا، موزعة على التجمعات السكنية المختلفة، وأضافت المرحلة الثالثة 176 محلًا تجاريًا متنوعة الاستخدام، و4 ملاعب متعددة الأغراض، وملعب كرة قدم، وحمامى سباحة، ومبنى اجتماعيًا، وحديقة أطفال، و4 حضانات على مساحة 460 مترًا لكل حضانة، و4 وحدات صحية بالمساحة نفسها، وساحة انتظار سيارات تسع ألف سيارة، علاوة على إنشاء مسجد وكنيسة ومخبز آلى.
وتتكون «الأسمرات» من تجمعات سكنية بجوار بعضها، فى كل منها نحو 10 عمارات سكنية ويزداد عددها أو يقل حسب التصميم الهندسى، وكل عمارة بها 6 أدوار، وتضم 6 شقق سكنية لا تقل مساحتها الصافية عن 70 مترًا مربعًا، وتتكون الشقق فى المدينة من غرفتَى نوم وصالة صغيرة ومطبخ وحمام.
أما عن الفرش فتضم سريرين وصالة بها 4 مقاعد للسفرة، والأنتريه يشمل كنبة ومقعدين.
وانتقل إلى المشروع منذ افتتاحه نحو 10 آلاف أسرة من مناطق مثلث ماسبيرو ومنشأة ناصر والدويقة وعزبة خيرالله وإسطبل عنتر، وتسلم الأهالى وحدات سكنية مفروشة.
وبحسب المهندس حسن الغندور، رئيس حى الأسمرات، فإن إدارة المدينة تمنع أى محاولة لتغيير ملامح المنظومة المطبقة فى المكان، فلا يجوز أن تتحول الوحدة إلى مكان للبيع والشراء، ولا يمكن للبيع أن يكون عشوائيًا فى الشارع بعربات متجولة أو «كارو» وما شابه، لأن هناك أماكن مخصصة لذلك يمنع الخروج عنها.
كما أنه غير مسموح بالانتقالات الداخلية بـ«التوك توك» أو السيارات القديمة العشوائية، خاصة أن هناك أتوبيسات مخصصة من محافظة القاهرة للتنقلات الداخلية وإلى خارج المدينة.
كما وفرت الدولة المسكن بكل احتياجاته، وفرت أيضا فرص العمل للقاطنين هناك، فتمت إقامة مصانع ملابس وسبح يدوية وسجاد حرير داخل بعض «بدرومات» العمارات السكنية، ووفرت تلك المصانع عملًا لنحو ١٥٠٠ سيدة تم تدريبهن مقابل راتب فى أول شهرى تدريب قيمته ١٥٠٠ جنيه وتمت زيادته إلى ٢٠٠٠ جنيه مع بداية الإنتاج، بمواعيد عمل تبدأ من الساعة 9 صباحا إلى 3 مساء تتوسطها ساعة راحة.
وكذلك تم توفير عمل لنحو 42 سيدة لنظافة الشوارع مرتين يوميا، براتب شهرى 1500 جنيه، بمواعيد عمل من الساعة 8 إلى 10 صباحا، ومن 5 إلى 7 مساء.
ونفى المسئولون الشائعات التى ترددت عن تهديد مواطنى الأسمرات بدفع إيجار الوحدات أو الخروج منها جملة وتفصيلًا، موضحين أن نحو 200 أسرة رفضوا الدفع من الأساس، خاصة أن الكثير منهم أجروا وحداتهم بشكل سرى «من الباطن» أو باعوها بالمخالفة للقانون، ولذلك تم سحب الشقق منهم، لأن تأجيرهم لها يعنى أنهم ليسوا فى احتياج إليها، حيث تم إخلاء 38 شقة بعد ارتكاب قاطنيها تلك المخالفات، كخطوة للحفاظ على سير منظومة العمل فى الأسمرات، التى تسير وفقًا لنظام وقانون.
وكشف المسئولون عن أن إحدى الجمعيات الأهلية تتكفل بالدفع عن غير القادرين، فيما يتم إعفاء الأرامل والمطلقات من دفع الإيجار بناءً على دراسة حالاتهن الاجتماعية والاقتصادية.
لا إجبار أو ضغوط لنقل الأسر إلى المنطقة.. وبرامج للتوعية بضرورة تحديد النسل
وضعت الدولة آليات اختيارية لانتقال الأسر إلى «الأسمرات»، فلا إجبار لأحد أو ممارسة لضغوط، إذ أكد مدير صندوق تطوير العشوائيات، خالد صديق، أنه لا يتم إجبار أى مواطن على التنازل أو الخروج من بيته بطريقة قسرية، حيث يتم توفير كل الحلول التى يفضلها المواطن، سواء كانت التعويض المادى أو توفير سكن بديل أو الحصول على قيمة إيجارية، أو إعادة تسكينه فى نفس المنطقة بعد تطويرها.
ووزع صندوق تطوير العشوائيات على مئات الأسر من مثلث ماسبيرو، فى إطار مشروع تطوير المنطقة، استمارات ليختاروا من بين 5 بدائل، 3 منها تسمح بالبقاء فى المثلث مع دفع قيمة مالية شهرية لاستئجار أو تملك وحدة سكنية فى المكان بعد تطويره، وتمثل الاختياران الآخران فى تلقى تعويض مادى وترك المثلث أو الانتقال إلى «الأسمرات». واختار نحو 3500 أسرة من أصل 4500 أسرة ترك المكان، وقبل معظمهم بالتعويض المادى وبعضهم بالانتقال لـ«الأسمرات».
وأجرى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بحثًا حول «احتياجات الأسر المنقولة إلى حى الأسمرات»، وأظهرت نتائج البحث بعض التوصيات من أجل استمرارية تطوير الخدمات المقدمة للأسر المقيمة فيه، فى إطار اهتمامات الدولة بتوفير الخدمات للمواطنين خاصة للأسر المنقولة من المناطق العشوائية إلى المناطق الآمنة. وأُجرى حصر شامل للأسر التى تم نقلها بالفعل إلى «الأسمرات» باستخدام استمارة تضمنت بيانات الأسر الأساسية وخصائصهم الاجتماعية والاقتصادية، وبلغ عدد من تم حصرهم 8507 أسر مقيمة بالحى.
وجرى عرض بعض المقترحات الخاصة بتطوير الخدمات المقدمة للسكان على المسئولين، وفقا لنتائج الدراسة، منها التوسع فى المحال التجارية والخدمات الطبية وتحسين شبكة المحمول وتشغيل الحضانات التى يتم تجهيزها بالمنطقة والاهتمام برفع القمامة بشكل دورى، للحفاظ على البيئة خالية من التلوث، إلى جانب الاهتمام بصيانة العقارات بشكل مستمر للحفاظ على سلامة المبانى.
وقُدمت للسكان برامج لتوعيتهم فى مجالات عدة، فى مقدمتها برامج تنظيم الأسرة للحد من الزيادة السكانية، وبرامج توعية لنشر ثقافة العمل الحر والتشجيع على إقامة مشروعات صغيرة، وبرامج تدريبية لتنمية المهارات فى مختلف المجالات، ما يتيح فرصة الحصول على عمل خاصة فى المجالات التى طرحها سكان المنطقة، مثل التدريب على بعض الحرف اليدوية كأعمال الخياطة والمهن الحرفية كالنجارة والحدادة والسباكة والخراطة وصيانة السيارات، إلى جانب الدورات التدريبية فى مجال الكمبيوتر.

مأموريات لتجديد الرقم القومى مجانًا.. وتوفير جميع التخصصات فى المركز الطبى
وفرت الدولة عوامل الاستقرار المعيشى والأمان لقاطنى «الأسمرات»، إذ أرسلت وزارة الداخلية، ممثلة فى قطاع مصلحة الأحوال المدنية، مأموريات قانونية وفنية لتجديد بطاقات الرقم القومى لأهالى المدينة.
وتم تجديد نحو ألفى بطاقة بعد منح استمارات التجديد مجانًا، فى إطار حرص الوزارة على مراعاة البعد الاجتماعى والإنسانى للمواطنين، واتخاذ كل الإجراءات للتيسير عليهم ومساعدتهم فى استخراج أوراقهم الثبوتية.
وأنشأت الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية بوزارة التضامن الاجتماعى 6 حضانات فى «الأسمرات»، إضافة إلى إنشاء مركز خدمات لرعاية الطفل والأسرة، ونظمت حفل تخرج للمتدربات بالدورة التدريبية الأولى لـ«الميسرات»، فى إطار مشروع تحسين جودة تنمية الطفولة المبكرة، الذى يهدف إلى تنمية وتطوير الجانب البشرى القائم على تقديم الخدمة بالحضانات، بالتعاون مع هيئة التعاون الدولى اليابانية «الجايكا».
ووفرت الدولة البيئة الصحية والاجتماعية الملائمة للسكان، واهتمت بالجانب الرياضى، وأنشأت ملاعب مجهزة بالأجهزة الفنية، وأدى ذلك إلى تحقيق مجتمع «الأسمرات» إنجازات رياضية.
وفاز فريق «الكونغ فو» بالمدينة ببطولة الجمهورية فى أول مشاركة رسمية له، وحصل الفريق على 9 ميداليات ذهبيـة، وفضيتين، و5 ميداليات برونزية، وتم اختياره ليمثل المنتخب القومى فى البطولة التـى نظمتها وزارة الشباب والرياضة، وشاركت فيها منتخبات المحافظات وأقيمت بالصالة المغطاة بمدينة رأس البر، وأشرف عليها اللواء محمد عاشور، رئيس الاتحاد التنفيذى للكونغ فو.
كما أعلن العامرى فاروق، نائب رئيس نادى الأهلى، عن إجراء القلعة الحمراء اختبارات لأبناء «الأسمرات» الموهوبين رياضيًا، و«من يصلح منهم يتم إلحاقه بقطاع الناشئين بالنادى لتنمية مواهبهم وصقلها».
ويقدم المركز الطبى لـ«الأسمرات 1» خدمات لتخصصات أقسام الباطنة والنساء والتوليد والأطفال، ويتردد عليه نحو 70 حالة مرض أطفال فى اليوم، كما أن الدواء يتوافر فى صيدليات الحى بسعر كشف جنيه واحد فقط لأى نوع من الأمراض، إضافة إلى أن الحالات الطارئة يجرى علاجها فى قسم الطوارئ الموجود فى المركز، والحالات التى تحتاج إلى أشعة أو تدخل جراحى عميق ترسل إلى أقرب مستشفى مثل الدمرداش أو الحسين الجامعى.

إشادات دولية تشبِّه الحى بـ«الكمبوندات» وإعلاء روح العمل السمة الأبرز للسكان
تُوجت مجهودات الدولة فى بناء وتوفير البيئة الصحية والاجتماعية بـ«الأسمرات» بالحصول على إشادات دولية كبيرة، إذ عبرت الدكتورة داليا الشافعى، الخبيرة الدولية فى مجال التنمية البشرية بكندا، عن انبهارها بالمشروع، حينما زارت الحى والتقت العاملين والعاملات بمصنع السبح، الذى تعمل فيه 99 موظفة من سكان المدينة، والعاملين فى الإنتاج من المنازل، وزارت مصنعين للملابس الجاهزة وتعرفت على المنتجات والعاملات بالمصنع، حيث يغلب العنصر النسائى به، مع وجود فتيات يخضعن للتدريب تبدأ أعمارهن من 18 سنة.
وأعربت «داليا» عن سعادتها وفخرها بحى الأسمرات وشكل الحياة به، والمماثل لأى «كمبوند» فى المناطق الجديدة، مشيرة إلى أن السمة الأبرز فى الزيارة هى ابتسامة كل من قابلتهم من الأهالى، وتعبيرهم عن رضاهم بالمجتمع الجديد وإعلاء روح العمل والإنتاج.
وذكرت أن التجربة المصرية فى تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة، وانتقال الأهالى منها إلى حى الأسمرات، أصبحت من عوامل جذب المصريين المغتربين، لتفعيل دورهم للتواصل مع المجتمع الأوروبى، وإبراز دور مصر الفعال فى هذا المجال.​
ويعتبر «الأسمرات» أحد التحديات الكبيرة فى طريق إنهاء العشوائيات، حيث بلغ عدد المناطق غير الآمنة، فى عام 2016، 351 منطقة بمساحة 4.5 ألف فدان، وبلغت نسبة مساحة المناطق غير الآمنة بمحافظتى القاهرة والإسماعيلية 40.7% من إجمالى مساحة مثيلاتها على مستوى الجمهورية.
ووفقًا لتقرير جهاز «التعبئة والإحصاء»، تأتى المناطق العشوائية غير الآمنة ذات درجة الخطورة الثانية فى المرتبة الأولى وبلغ عددها 251 منطقة، تلتها المناطق ذات درجة الخطورة الثالثة بنسبة 16.8%، وتمثل مناطق درجتى الخطورة الأولى والرابعة 11.7% من إجمالى المناطق العشوائية غير الآمنة.
وتعتبر مساحات المناطق العشوائية بمحافظات سوهاج والشرقية وبنى سويف الأعلى على مستوى محافظات الجمهورية بنسب بلغت 71.1% و69.5% و65.3% على التوالى، وتمثل نسبة العشوائيات نحو 39% من إجمالى الكتلة العمرانية للجمهورية وتنتشر فى 226 مدينة.
وتخلو 8 مدن فقط من المناطق العشوائية، موزعة فى مدينتين بمحافظة السويس ومدينتين بالشرقية و3 مدن بكفر الشيخ وواحدة بالجيزة، فيما تحتل محافظة الإسكندرية المركز الأول من حيث انتشار العشوائيات، حيث بلغت مساحة تلك المناطق بها 20.1 ألف فدان بنسبة 12.5% من إجمالى المساحة.
وتأتى محافظة القاهرة فى المركز الثانى بمساحة 19.4 ألف فدان بنسبة 12%، تليها الجيزة بـ15.5 ألف فدن، بنسبة 9.6% من إجمالى مساحة المناطق العشوائية.