رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخفاش

جريدة الدستور

استند الشيخ إلى النافذة، كانت هناك سيدة لم يعرفها فى شقة جاره الأعزب، وهذه المرة قادته السيدة إلى الشباك المجاور لتتكلم معه، لم يتمن أن يتكلم معها، رأى أنها ربما تكون عشيقة أو فتاة ليل أو حتى سيدة حقيرة تنظف البيوت للعزَّاب؛ فجاره هذا لم يكن إلا أعزب آخر من ساكنى الشقة المستأجرة، لم يعلم لِمَ يفكر بالطريقة نفسها، لم يعلم لِمَ لم يترك لإرادته بعض الوقت؛ ليتفهم الأمر، وبذلك قرر أن يغلق النافذة، أو فقط يقوم بإغلاق الشيش، أو حتى إزالة الضوء الساقط من الشمس، وإبقاء نفسه- كما يبقى دائما- فى الظل.
تطرق به الزمن، رأى أنه ربما لمح وجهها يذكره بفتاة عشقها، قبل أن يتزوج من أم أبنائه، لم تكن كالبقية.
أطرق للحظة أو لدقيقة أمام الزجاج الداخلى للنافذة، كان ظله واضحًا لها- فكر بذلك كما يفكر دائمًا- إنه حتى لا يريد أن يُرى، ولا أن يسمع من يراه، فحياة الخفافيش أشرس من ذلك، يفضل الحياة كأرملة، أو عذراء تبقى فى مكانها، ولكن ليس هناك غير الشيخوخة والسجائر والأدوية الكثيرة، التى يفضل وضعها فى علبة من الكرتون أو البلاستيك، والابنة الكبرى الأصيلة التى تأتى لتقص له أظافر قدميه، وكحته العالية جراء التعود على السجائر الرخيصة تلك، رائحة البيت تصيبه بالغثيان.
لم يفكر كثيرًا أيضًا، فوقت صلاة الظهر قد حان، قام ليتوضأ، وحين خرج من الحمام، وجد أحدًا يطرق الباب، وصوت امرأة تقول: «إنت هنا يا عمو …»
فتح الباب، ووجدها، قالت له: «أنا جيت أسلم عليك، وأعرفك بنفسى، أنا مرات خالد، فى الشقة اللى قدامك، لو عايز حاجة، اطلب منى...
لم يستمع إلى باقى الكلام، صمت واتسم بالبلاهة، هكذا.. فكر.
- تمت-