رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

افريكوم تتجه إلى توسيع دائرة نشاطها فى أفريقيا لمكافحة الإرهاب

مجلس الأمن
مجلس الأمن

كشفت نقاشات مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع حول حالة الأمن فى لأفريقيا عن تهديدات إرهابية حقيقية تواجهها دول أفريقيا وفى مقدمتها دول الساحل والصحراء ومن بينها جمهورية مالي التي طالبت الأمم المتحدة بالعدول عن سياساتها الانسحابية من عمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة في القارة بل وتكثيف عملياتها على هذا الصعيد مهما كانت كلفتها.

و تعد الكلفة الباهظة لفاتورة تشغيل قوات حفظ السلام الدولية في أفريقيا أحد الاعتبارات الأساسية التى دفعت الولايات المتحدة وقيادتها العسكرية لأفريقيا أفريكوم إلى تعظيم دورها لمكافحة الإرهاب فى القارة الأفريقية تفاديا لحدوث فراغ أمنى يسمح بتعاظم أنشطة الإرهاب والقرصنة فى القارة.

و مع توجه الأمم المتحدة إلى خفض أعداد تلك القوات وترشيد الإنفاق عليها بدأت واشنطن اتجاها معاكسا لتعزيز دور القيادة الأفريقية "افريكوم" وبناء شراكات فعالة مع جيوش وبحريات الدول الأفريقية الصديقة، فعلى سبيل المثال تلتهم الكونغو الديمقراطية وهى إحدى الدول الأفريقية التى تشهد موجات اضطراب شديدة الجانب الأعظم من موازنة حفظ السلام بالأمم المتحدة، فخلال عقدين من الزمان انخرطت فيها الأمم المتحدة فى عملية حفظ السلام فى الكونغو MONUSCO بلغت فاتورة تمويل تلك العملية 11ر1 مليار دولار سنويا، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة الشهر الماضى إلى إعلان نيته خفض عدد قوات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة البالغ عددهم 16 ألفا بواقع ألفى فرد فى أقرب وقت ممكن بما فى ذلك قوات الشرطة الأممية وعناصر المراقبة المدنية.

و تلعب القوات الأمريكية فى أفريقيا دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب بالمشاركة مع الدول الغربية الكبرى ذات النفوذ فى القارة وفى مقدمتها فرنسا التى كانت صاحبة أكبر مستعمرات غربية فى القارة السوداء، وذلك بالإضافة إلى حكومات القارة، ففي منطقة الساحل والصحراء حيث تمركزات جماعات الإرهاب فى مالى والنيجر تلعب القوات الفرنسية دورها مهما بالتعاون مع القيادة الأفريقية فى الجيش الأمريكي "افريكوم" لمواجهة أنشطة المتطرفين المسلحين فى هذه المناطق والقفز على أية مشكلات قد تعيق توسيع نشاط "افريكوم" فى القارة وفى مقدمتها معادلة الحفاظ على التوازن بين حرية عمل وحدات مكافحة الإرهاب الأمريكية واعتبارات عدم المساس بالسيادة الوطنية للدول الأفريقية.

فعلى سبيل المثال وضعت الكاميرون ضوابط لعمل قوات مكافحة الإرهاب الغربية على أراضيها بما فى ذلك قوات افريكوم التى طلبت تدريب قوات مكافحة الإرهاب الكاميرونية، وقد شهد قائد افريكوم الجنرال توماس والدوسر بذلك أمام لجنة الخدمات المسلحة فى الكونجرس الأمريكي هذا الشهر، وقال إن الرئيس الكاميرونى يرى فى نفسه القدرة الكافية على دحر الإرهاب اعتمادا على قواته.

و بحسب الخبراء تبين الحالة الكاميرونية جانبا من المشاكل العملياتية التى تواجه القوات الأمريكية التابعة للافريكوم فى منطقة غرب أفريقيا، فالدول الأفريقية الحساسة لسيادتها ولتواجد قوات أجنبية على أراضيها بعد عقود طويلة من الحكم الاستعماري عادة لا تخول للقوات الأمريكية صلاحية شن الهجمات دونما تنسيق مسبق مع الجيوش الوطنية حتى ولوكان المبرر هو الدفاع عن النفس، بينما ترى قيادة افريكوم أن ترك قواتها تصول وتجول بحرية فى ميادين منازلة الإرهاب هو الأمر المطلوب الذى تحتمه مقتضيات المواجهة.

ورغم موازنتها بين اعتبارات السيادة الوطنية ومتطلبات التعاون مع الغرب فى مكافحة الإرهاب بقيت الكاميرون إحدي أهم دول أفريقيا جنوب الصحراء المتعاونة بقوة مع جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية وهو ما شهد بهد السفير الأمريكى فى ياوندى بيتر هنرى فى مؤتمر صحفي هذا الأسبوع مؤكدا اعتزاز بلاده بمواصلة دعم جهود الكاميرون فى التصدى لمسلحي بوكوحرام فى شمالها الأقصى ومواجهة الجرائم الإنسانية التي يرتكبها منتسبو هذا التنظيم المتطرف ضد المدنيين الكاميرونيين الرافضين لأفكارهم، وقدرت الأمم المتحدة إعداد النازحين من مناطق شمال الكاميرون الفارين من بطش جماعات التطرف التى تقودها بوكوحرام بنحو 430 الف قروى، بينما يتمركز فى الكاميرون نحو 300 خبير ومستشار مكافحة إرهاب أمريكي يعاونون الجيش الكاميرونى فى التصدى للجماعات المسلحة، كما وافقت الولايات المتحدة هذا الشهر على تزويد الكاميرون بعربات مدرعة وسيارات مطاردة ومعدات لكشف الألغام، كذلك حصلت الكاميرون على دعم سخى لمكافحة الارهاب من كل من الصين وإسرائيل وألمانيا.

و تعد اعتبارات سلامة القوات الأمريكية أحد المشكلات التي تواجه توسيع نشاط "افريكوم فى أفريقيا، ففي منتصف فبراير الماضي، أعاد الوضع الأمني المضطرب فى بوركينا فاسو الي صدارة الجدل قضية " مأمونية عمل القوات الأمريكية في أفريقيا " حيث كان مقررا مشاركة قوات أمريكية فى تدريبات Flintlock 2019 " القفل الفولاذى 2019 " التى أجريت في الفترة من 15 فبراير وحتى الثالث من مارس الماضين فى بوركينا فاسو ومناطق من موريتانيا بمشاركة 34 دولة أفريقية وغربية وبإجمالى قوات يبلغ 2000 جنديا من مكافحي الإرهاب، وأبدى مشرعون أمريكيون آنذاك قلقهم من تعرض العسكريين الأمريكيين المشاركين فى " القفل الفولاذى " لأعمال استهداف انتقامية من منظمات الإرهاب في بوركينا فاسو ثأرا من الدور الأمريكى النشط فى التصدي لتلك الجماعات.

تجدر الإشارة إلي أن القوات الأمريكية قد اعتقلت ألفا من منتسبى تنظيم " داعش " ممن كانوا فى سوريا ومنهم من حاول التسلل إلى أفريقيا لشن هجمات مضادة ذات طابع انتقامى من العسكريين الأمريكيين، كما أن قرار الاتحاد الأفريقي بسحب قوات "اميصوم" من الصومال والتى تشكل القوات البوروندية قوتها الضاربة قد طرح تساؤلات عن احتمالية استئناف جماعات الإرهاب الصومالية المتحالفة مع القاعدة وداعش لأنشطتها بقوة ضد الأهداف الغربية، ويذكر فى هذا الصدد أن الرئيس البوروندى الذى تتقاضى بلاده مبالغ مالية طائلة مقابل نشر 5700 من قواتها لحفظ السلام فى الصومال منذ العام 2015 كان قد عارض قرار سحب قوات اميصوم.

وتتطلع القيادة العسكرية للجيش الأمريكي افريكوم، إلى استكمال بناء قاعدتين جويتين فى أفريقيا قبل نهاية العام الجارى 2019 إحداهما تقع في جمهورية النيجر والثانية تقع في الصومال، وقالت افريكوم التى تتخذ من مدينة شتوتجارت الألمانية مقرا لها فى بيان صادر عنها إن الأوضاع فى أفريقيا يتطلب بناء ارتكازات عملياتية قوية لقوات افريكوم فى القارة وفى الوقت ذاته بناء شراكات تدريبية مع جيوش القارة والعمل بصورة مشتركة ونشطة لمكافحة الإرهاب.

وتواجه قوات افريكوم جنبا إلى جنب مع جيوش البلدان الأفريقية تحديات الإرهاب والتطرف العنيف فى كل من منطقة القرن الافريقى ومنطقة الساحل والصحراء، كما أبرمت الإدارة الأمريكية مطلع العام الجارى اتفاق تعاون عسكريا وشراكة لمكافحة الإرهاب مع بوركينا فاسو تتضمن تدريبات أمريكية لقوات الجيش ومكافحة الإرهاب البوركينية.

وتعد بوكوحرام وداعش من أخطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة التى تتشارك الحكومات الأفريقية والولايات المتحدة الجهد فى مواجهتها على الأرض الأفريقية، وتقدر الاستخبارات الأمريكية عدد العناصر المسلحة لهما فى أفريقيا بنحو خمسة آلاف مسلح يتمركز معظمهم فى صحراء النيجر وامتداداتها فى شمال نيجيريا وهى المنطقة التي شهدت مصرع عناصر دورية عسكرية أمريكية راكبة مؤلفة من أربعة أفراد قبل عامين فى كمين نصبه لهم الإرهابيون، وأثار فى حينه جدلا داخل المجتمع الأمريكى حول فاتورة مكافحة الإرهاب فى أفريقيا التى يتحملها الأمريكيون، لكن الرأي العام الأمريكى والمشرعين انتهوا إلى أن هذه المشاركة هي خط دفاع أول عن الداخل الأمريكي ضد مخاطر الإرهابيين ومعاقلهم حول العالم.

وشهد شهر مارس الماضى نشاطا تدريبيا مكثفا على مكافحة القرصنة قادته الولايات المتحدة بالاشتراك مع دول من منطقة غرب أفريقيا وذلك لتعزيز حالة المواجهة والتصدى لأنشطة التهريب والقرصنة فى خليج غينيا وسواحل غرب القارة الأفريقية وهى الأنشطة التى تغذى جماعات الإرهاب وتموله وتقوى شوكة عصابات تهريب النفط ومقاولى الهجرة غير الشرعية وغيرها من جماعات الإجرام المنظم فى أفريقيا.

التدريبات التى أطلق عليها اسم اوبانجيم اكسبريس، أثمرت بناء قدرات متناغمة للبحرية الأمريكية ونظيراتها فى دول غرب أفريقيا على صعيد عمليات المطاردة البحرية والدهم للسفن المشكوك فى أمرها، وما يتصل بذلك من عمليات تفتيش واعتقال للعناصر الإجرامية وذلك بمشاركة تشكيلات بحرية من جامبيا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج وتوجو وجمهورية بينين.

و تتكامل تلك التدريبات مع تدريبات مماثلة تقودها الولايات المتحدة افريكوم، فى شرق أفريقيا تحت مسمى كتلاس اكسبريس، بدأت فى العام 2010 بالتعاون مع القوات البحرية وقوات خفر السواحل فى دول الشرق الافريقى، وتعد مسارات الملاحة بين الموانئ الأمريكية وموانئ خليج غينيا فى غرب أفريقيا من أهم مسارات الملاحة العالمية للتجارة ونقل النفط وتوازيا مع ذلك تعد مسارا أساسيا لتهريب المخدرات من مناطق إنتاجها فى أمريكا اللاتينية إلى السواحل الأفريقية ومنها إلى أسواق البيع فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا.

وقد شهدت مياه خليج غينيا فى غرب أفريقيا خلال العام الماضى 48 حادث قرصنة مقابل 33 عملية فى العام 2017 و14 عملية فى العام 2014 وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن مكتب مكافحة القرصنة التابع للاتحاد الدولى للملاحة الذى وصف نشاط القراصنة فى غرب أفريقيا بأنه الأبشع على مستوى العالم حيث شهد العام الماضى وحدة ست عمليات اختطاف لرهائن من على متن سفن ملاحية طلبا للفدية وإحراق انتقامي لـ 13 سفينة من أصل 18 سفينة هاجمها القراصنة رفضت دفع الفدية فضلا عن عمليات اختطاف طالت 141 فردا استطاعات بحريات دول الإقليم إنقاذ 130 منهم.