السبوبة.. "الدستور" تحقق في التربح من تأجير الملاعب المدرسية خارج إطار القانون (تحقيق)

الساعة تجاوزت السابعة مساءً، جميع المنشآت الحكومية أغلقت أبوابها، من بينها المدارس، بعدما انصرف طلاب الفترات المسائية منها في تمام الخامسة، لكن بمجرد مرورك من جانب تلك المدارس، تسمع صياح شباب يتشاجرون أو ربما يمارسون رياضة ما داخل المدرسة في ذلك الوقت المتأخر من الليل.

الصياح لم يكن سوى لمجموعة من الشباب، قسموا أنفسهم فريقين يلعبون مباراة كرة قدم داخل ملعب المدرسة المخصصة للطلاب فقط، في وقت كانت فيه إنارة الفصول والملعب على مضاءة، وباب المدرسة مغلق عليهم من الداخل، ما يدل على دخولهم بعلم أحد من مسؤولي المدرسة.

خيط تتبعته محررة "الدستور" لتكشف في التحقيق التالي، عن سماسرة من عمال وبوابين مدارس حكومية، يؤجرون الملاعب الرياضية للشباب من خارج المدرسة، بعد انتهاء اليوم الدراسي، لساعات طويلة من اليوم، ما يؤدي إلى استهلاكها وهدر المال العام، وبمخالفة المادة رقم 151 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، وفي غياب رقابة وزارة التربية والتعليم.

حددت المادة 151 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، المحظورات التى يجب على الموظف العام تجنبها، منها: "حظر إساءة استخدام أدوات أو معدات العمل أو العبث بأصول وممتلكات جهة العمل أو التقصير الذى يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة والعاملين والمتعاملين مع الجهة".

ساعة اللعب بـ 40 جنيه في المدرسة
في منطقة شبرا الخيمة، التابعة لمحافظة القليوبية، توجد مدرسة خالد بن الوليد الإعدادية بنين في شارع الملاح، وتتبع لإدارة غرب شبرا الخيمة التعليمية، أبواب المدرسة كانت مفتوحة على مصراعيها، رغم تجاوز الساعة السابعة مساءً وانتهاء الفترة المسائية، بداخلها كان هناك مجموعة من الشباب يلعبون كرة قدم، في وقت لم نجد فيه حارس أو بواب المدرسة رغم إتاحتها لهؤلاء الأغراب، الذين لم يكونوا طلابًا بها.

15 طالبًا كان عدد الفريقين، الذين يدفعون مبالغا مالية لحارس المدرسة، كي يسمح لهم بالدخول بعد انتهاء ساعات اليوم الدراسي، بحسب حديث "الدستور" مع بعضهم.

محمد أشرف، طالب في المرحلة الإعدادية، يقول: "بنقسم المبلغ علينا وكل واحد بيدفع حوالي 5 جنيه بس ودفعنا 40 جنيه في الساعة للبواب، عشان يفتح النور ويسيبلنا الملعب".

عشق الطلاب للساحرة المستديرة هو السبب

هاني المغازي، والد أحد طلاب في المرحلة الإعدادية، يؤكد أن بوابين المدارس تحولوا إلى سماسرة بالفعل يقومون بتأجير الملعب للطلاب من داخل وخارج المدرسة مقابل الأموال، رغم أنها حق مكتسب لهم في أي وقت.

يقول: ابني في مدرسة عمر بن عبد العزيز في منطقة شبرا الخيمة، وبسبب حبه الجارف هو وأصحابه لكرة القدم أصبحوا تحت رحمة الفراش اللي بيقوم بعملية تأجير ملعب المدرسة، يوميًا بعد الساعة أربعة، يأخد فلوس مني عشان يقدر يحجز ملعب المدرسة ساعة يلعب هو وأصحابه، والساعة بتعدي الـ60 جنيه.

الأزمة من وجهه نظره، لم تكن في تأجير ملعب المدرسة الحكومي فقط بعد انتهاء اليوم الدراسي، ولكن قيام البواب بتأجيره أثناء اليوم الدراسي، ما يحرم الطلاب من استخدامه، مشيرًا إلى أن مدرسي الألعاب في أحيان كثيرة يرفضون إعطاء الطلاب كرة القدم أو حصة الأنشطة إلا بعد أن يدفعوا الطلاب مقابل مادي حتى يُسمح لهم بأخذ الكرة وممارسة اللعبة.

الأمر لم يكن حالة فردية في تلك المدرسة فقط، فعلى بعد أمتار منها تقع مدرسة "بيجام" الصناعية ذات الملعب الرياضي الكبير الذي افترشت الرمال أرضه، لم يكن وضعها مختلفًا كثيرًا، فهي تتبع نفس الإدارة التعليمية غرب شبرا الخيمة.

الجولة المصورة التي قامت بها "الدستور" داخل المدرسة كشفت عن تأجير ملعبها بعد انتهاء اليوم الدراسي، دلل على ذلك 10 شباب كانوا منهمكين وقتها في مباراة حادة، بعدما أجروا الملعب من الحارس، الذي أكد أنه يؤجره للطلاب مقابل مبالغ مالية دون علم مدير المدرسة بذلك.




يضيف لـ"الدستور": قدمنا مذكرات وشكاوى بشأن المدارس التي تخرج على القانون، وتنتفع من وراء تأجير ملاعبها لكن دون جدوى، كما أن ترك المدرسة مفتوحة ليلًا أمر في غاية الخطورة، وهو ما يعرضها لسرقة ممتلكات منها وأجهزة مختلفة وهو ما حدث بالفعل قبل سنتين في إحدى المدارس الابتدائية بمنطقة شبرا الخيمة.

إدارة شبرا: لدينا بلاغات عديدة بشأن تلك الأزمة

واجهنا محمد المهدي، مدير إدارة غرب شبرا الخيمة التعليمية، والذي أكد على أن القانون يمنع نهائيًا استخدام المدرسة في أي عمل خارج اليوم الدراسي، هذا فضلًا عن الإنذارات التي يتم إرسالها للمدرسة بشكل مستمر.

ويضيف لـ"الدستور": المسئولية تقع على عاتق مدير المدرسة في حال تم إثبات مثل هذه الوقائع خلال اليوم الدراسي، فيما عدا ذلك يكون المسئول هو حارس الأمن، المسئول عن المدرسة في توقيت حدوث الواقعة، مشيرًا إلى أن مدرسة خالد بن الوليد تعد من بين المدارس المخالفة والتي قد حُرر لها محضر بهذا الشأن من قبل.

ويتابع: "هناك بالفعل عدد من البلاغات والمحاضر المقدمة بشأن هذه المشكلة وجار النظر فيها وحلها"، مشددًا على معاقبة كل من خالف اللوائح والقوانين، رغم أن المديرية تقوم بتفتيش دوري مفاجئ على مدارس الإدارة، وخاصًة في الفترات المسائية، وإذا ثبت أي مخالفة من قبل مدرسة معينة فيقوم مسئول الأمن بتحرير محضر بالواقعة للتحقيق فيها.

النهار يلتقط أنفاسه الأخيرة، الساعة تشير إلى حوالي السادسة مساءً، حين انتقلنا من شبرا الخيمة، إلى منطقة المعادي التابعة لمحافظة القاهرة، والتي تقبع فيها مدرسة الجبرتي الإعدادية بنين، وتحديدًا في الشارع الخلفي لإدارة المعادي التعليمية.

الساعة في المعادي بـ 80 جنيه والتأجير لـ"الولاد فقط"
جولة موثقة بالصور قامت بها "معدة التحقيق" داخل المدرسة، وجدت خلالها مجموعة شباب في الملعب الخاص بها رغم انتهاء اليوم الدراسي، تتراوح أعمارهم ما بين 13- 15 عاما يقومون باللعب وممارسة رياضة كرة القدم.

أدعت "محررة الدستور" أنها ترغب في تأجير الملعب الخاص بالمدرسة بحجة أن الملاعب الأخرى في والأكاديميات والنوادي غير آمنة، لنتفاجئ بأن الملعب يؤجر للصبية فقط ويصل سعر الساعة إلى 80 جنيها، ورفض الحارس التأجير لنا لأن هذه المدرسة هي للبنين فقط.







كما أعلن الجهاز أن العام الدراسي 2017 2018، شهد ارتفاعًا في أعداد التلاميذ بمراحل التعليم قبل الجامعي، ليبلغ عددهم 23.2 مليون تلميذ في 20172018، بينما في عام 2016 2017 بلغ عدد التلاميذ 22.5 مليونًا، أي بزيادة بلغت 3.3% عن العام الدراسي السابق.



من المعادي في جنوب محافظة القاهرة إلى صفط اللبن في الجيزة، كانت لنا جولة أخرى هناك، حوالي السادسة مساءً كانت وجهتنا مدرسة الشروق الإعدادية بنين في منطقة صفط اللبن التابعة لإدارة بولاق الدكرور التعليمية.




فايز بركات، عضو لجنة التعليم بالبرلمان، يؤكد أن المدارس التي تقوم بتأجير ملاعبها بعد انتهاء اليوم الدراسي يعتبر أمرًا غير قانونيًا، مشيرًا إلى أن ما يحدث في هذه المدارس يتم من خلال تلاعب حارس المدرسة، وربما أشخاص بإدارتها تتورط في هذا التعدي، الذي يتطلب إحالة المسؤول إلى التحقيق.

يوضح لـ"الدستور" أنه في حال عدم وجود نص قانون صريح يجرم تأجير ملاعب المدارس مساُء، فهناك استنتاجات قانونية أن من يقوم بأي سلوك ينتفع من ورائه من المنشآت الحكومية هو شخص خارج على القانون ويعاقب على ما فعله.

التربية والتعليم: ليس لدينا علم بشأن تأجير ملاعب المدارس

وضعنا كل ما وثقناه أمام وزارة التربية والتعليم، لمعرفة دورها الرقابي والإداري حيال تلك التعديات. الدكتورة إيمان حسن، رئيس الإدارة المركزية للأنشطة الطلابية بوزارة التربية والتعليم الفني، تقول أن تأجير ملاعب المدارس بعد اليوم الدراسي غير قانوني، وليس لدى الوزارة أو الإدارة التعليمية أو حتى إدارة المدرسة ما يخص بتلك العمليات غير القانونية التي تتم في الملاعب.

تشير لـ"الدستور" أن العقوبة تكون لمن يدير هذه العملية الربحية بتحويله للشئون القانونية ومجازاة كل من يخالف اللوائح الإدارية، مضيفة: "من الممكن أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتقنين كل تلك الأمور من خلال وضع لائحة تنفيذية، تنظم عملية الاستفادة من الملاعب الخاصة بالمدارس بعد الانتهاء من اليوم الدراسي".

توضح أن ذلك لا بد أن يتم في إطار عمل أنشطة طلابية مختلفة، تحت إشراف توجيه التربية الرياضية ومدرسي التربية الرياضية بالمدرسة بمرتب شهري، لافتة إلى أن الخطأ يكمن في أن التأجير يتم بدون علم الوزارة كما أن ذلك مخالف لجميع اللوائح والقوانين.

واختتمت رئيس الإدارة المركزية للأنشطة الطلابية، يجب أن يتم التأجير في إطار موافقة كل من المدرسة، والإدارة المركزية للأمن، بفتح المدارس مساءً بعد اليوم الدراسي وذلك تحت إشراف مدير المدرسة وتوجيه التربية الرياضية