رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة الشر والألم.. والرد على الملحدين «1-3»


دائمًا ما يتساءل الملحدون: أين رحمة الله وسط هذا الشر والألم الكبير فى الأرض؟.. أليس هو أرحم الراحمين؟.. أليست الرحمة عنوان خلقه وعنوان كتابه؟.. أين هذه الرحمة؟.
لماذا الألم يعصر الأرض.. زلازل.. براكين.. كوارث يروح ضحيتها ملايين لا ذنب لهم.. أطفال معذبون.. أطفال شوارع.. أطفال مشردون لا ذنب لهم.. حروب يموت فيها الأبرياء.. أطفال تُيتم.. أشد ألم على النفس هو الموت.. أين الرحمة وسط كل هذا العذاب؟ لماذا أوجد الله الشر أصلًا، ولماذا الشر يملأ الأرض؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها يسألها الملحدون.
١- لماذا أمر وأوجد الله الشر فى الحياة أليس ذلك ضد الخير والرحمة؟
الله لم يأمر بالشر كله رحمة وكله خير لكنه سمح به لحكمة {إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف ٢٨- ٢٩.
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب، فلماذا ترك الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟ لأن الله أرادنا أحرارًا.. والحرية اقتضت الخطأ، ولا معنى للحرية دون أن تكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب.
والاختيار الحر بين الشر والخير، المعصية والطاعة، وكان فى قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارًا، وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرًا، وكان ذلك يقتضى أن يسلبنا حرية الاختيار، وفى دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة.
ولهذا تركنا نخطئ ونتألم ونتعلم، وهذه هى الحكمة فى سماحه بالشر من أجل الحرية، لذلك قال تعالى: «لا إكراه فى الدين»، لماذا نفهمها فقط أنها للكافر.. لا تجبر أولادك على التدين.. لا يزايد الغرب علينا فى الحرية.. الدين هو مؤسس فكرة الحرية.. ليس تمثال الحرية أو الحرية.. لكن الدين هو مصدر الحرية.
٢- مع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير فى الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء.. فالصحة هى القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضى معظم سنوات عمرنا فى صحة، ولا يزورنا المرض إلا أيامًا قليلة.. وبالمثل الزلازل هى فى مجملها بضع دقائق فى عمر الكرة الأرضية، الذى يُحصَى بملايين السنين، وكذلك البراكين وكذلك الحروب هى تشنجات قصيرة فى حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
٣- الشر يحمل بداخله الخير.. نرى لكل شىء وجه خير فالمرض يحقق وقاية، والألم يربى الصلابة والتحمل والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت فى داخل الكرة الأرضية وتحمى القشرة الأرضية من الانفجار وتُعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية فى مكانها، والبراكين تنفى تلقائيًا المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة.
والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها، وتجمعها فى كتل وأحلاف، ثم فى عصبة أمم، ثم فى مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكى والتصالح.. وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب.. البنسلين.. الذرة.. الصواريخ.. الطائرات النفاثة.. كلها خرجت من أتون الحروب.. ومن سم الثعبان يخرج الترياق.. ومن الميكروب نصنع اللقاح.
الإله جعل من قلب الألم يولد الخير والرحمة.. ألم الولادة آخره مولود جميل.. الرعد المخيف يعقبه مطر.. كله خير.. التجارب الفاشلة هى سر النجاح.
والشر فى الكون كالظل فى الصورة إذا اقتربْتَ منه خُيلَ إليك أنه عيب ونقص فى الصورة.. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضرورى ولا غنى عنه، وأنه يؤدى وظيفة جمالية فى البناء العام للصورة. ولهذا يقول الإمام أبوحامد الغزالى: إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى. إنه الألم الخلاق- قاعدة صحيحة- وليس الفوضى الخلاقة.. تركيب التحديات يرتقى بالإنسان فكرًا وخلقًا وإيمانًا.. فانظر إلى آثار رحمة الله.
٤- سبب رابع لسماح الله بوجود الشر.. بضدها تعرف الأشياء.. هل كان ممكن نعرف معنى الصحة لولا المرض.. هكذا يفهم العقل البشرى.. الشىء وعكسه بثبت الفهم.. لولا أخطاء الآخرين لما تجنبت خطأهم.. وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض..؟! الصحة تظل تاجًا على رءوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض، وبالمثل ما كان ممكنًا أن نعرف الجمال لولا القبح، ولا الوضع الطبيعى لولا الشاذ.. كيف يشعر بحمد الله من لم ير إلا النعمة؟