رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرج عامر يكتب: افهم أولًا.. ثم اتخذ قرارك

فرج عامر
فرج عامر

مرت مصر بظروف سياسية صعبة، قادتها إلى ثورتين عظيمتين، أسفرت عن حياة ديمقراطية كُتب من خلالها دستور عظيم يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، والمرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية فى هذا الشأن، وتضمن أيضًا العديد من المواد ذات التأثير الجيد على الوضع فى مصر سواء اقتصاديًا أو سياسيًا وغير ذلك، فدستور ٢٠١٤ فتح أمامنا طريق المستقبل، وأرسى مبادئ احترام حقوق الإنسان، ومبادئ ديمقراطية جديدة، فهو دستور يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية.
أسفر الدستور عن انتخابات رئاسية أتت برئيس وطنى لم يختلف عليه أحد، بدأ مسيرة إصلاحات اقتصادية، أنتجت إنجازات عظيمة، فبعد مضى ما يقرب من ٤ أعوام على رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى طرأت على القطاعات الاقتصادية الخدمية والإنتاجية العديد من التغيرات الهيكلية التى انتشلت قطاعات بأكملها من سوء الإدارة والتخبط والانهيار، بل أصبح كثير من تلك القطاعات على مستوى مقارب لمثيلاتها فى الدول الصاعدة والصناعية.
إلا أن الدستور ليس مادة صلبة، وإنما يهدف إلى تحقيق صالح البلاد، حيث إنه من صنع البشر وهدفه تحقيق صالح البلاد والاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى، ومواد الدستور وضعت فى ظل ظروف صعبة، وفى حالة احتقان سياسى، وتدخل بعض العناصر التى كان لها بعض الأهداف، التى ربما ذات مقصد شخصى أو تضر بالأمن القومى آنذاك.
والآن، وبعد الاستقرار السياسى وانطلاق مسيرة الإصلاح الاقتصادى، آن الأوان لتعديله بما يخدم صالح البلاد، ولا توجد أى مخالفة فى ذلك، حيث إن الدستور نفسه ينص على إجراءات محددة لتعديله، وتم الالتزام بها فى الطرح المقدم بمجلس النواب.
السؤال الذى يتبادر للذهن: لماذا يتم تغيير فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات؟، وهل مدة الأربع سنوات غير كافية علمًا بأن الدول المتقدمة تطبق ذلك، وأن دولة كالولايات المتحدة الأمريكية، التى تعد القوة العظمى، لا تسمح ببقاء رئيس واحد لأكثر من مدتين فقط؟، فننوه هنا إلى أنه فى قارة إفريقيا احتلت مصر ونيجيريا وغانا أقصر المدد بأربع سنوات، بينما جاء أطولها فى كل من الكاميرون وغينيا والجابون بسبع سنوات، وجاء المتوسط فى قارة أوروبا أعلى قليلًا من المتوسط العالمى، حيث بلغ متوسط الفترة ٥.٢ سنة، حيث جاءت غالبية دول أوروبا بخمس سنوات، بينما جاءت فنلندا وروسيا بست سنوات، وكل من أيرلندا وأذربيجان بسبع سنوات، وفى الأمريكتين جاء المتوسط أقل من المتوسط العالمى، حيث بلغ ٤.٦ سنة، وجاءت غالبية الدول بأربع سنوات بينما جاءت فنزويلا والمكسيك بست سنوات، وفى قارة آسيا جاء المتوسط ٥.٢ سنة، حيث جاءت أغلبية الدول بـ٥ سنوات، ولا توجد إلا تايوان فقط بـ٤ سنوات، وجاءت لبنان وأوزبكستان وكازاخستان بـ٦ سنوات.
فإن كنا نريد وضع مقارنة موضوعية بين عدد السنوات عالميًا لتطبيقه فى مصر، يجب أن تكون المقارنة منحصرة مع الدول المماثلة للوضع السياسى المصرى من حيث نظام الحكم «رئاسى أو برلمانى»، وأيضًا من حيث التطور الديمقراطى ومدى تطور ورسوخ الديمقراطية بالمقارنة بالوضع المصرى.
إن الدول تضع الدساتير طبقًا لما يتناسب مع طبيعتها وطبيعة الحكم فيها، وليس لدى كل الدول المتقدمة دستور، فبريطانيا ليس لديها دستور، ورئيس الوزراء «رئيس السلطة التنفيذية» يتولى الحكم دون حد أقصى من عدد المدد، وألمانيا لديها دستور والمستشار الألمانى «رئيس السلطة التنفيذية- لأن الرئاسة شرفية» يتولى الحكم دون حد أقصى من عدد المدد، وفرنسا وروسيا ينتخب الرئيس لفترتين فقط ولكن من الممكن أن يعاد انتخابه مرة أخرى بعد أن يتولى غيره الرئاسة.
والولايات المتحدة ليست صاحبة النظام الأفضل فى العالم، والحكم فيها «نظام إدارة الحكم» وليس «نظام حكم مطلق»، لأن هناك مؤسسات فى الدولة. وأيضًا الصين التى حققت أعلى معدلات تنمية اقتصادية فى العالم خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة ليس لديها نظام حكم ديمقراطى، ولا يمكن مقارنة نظام الحكم لديها بنظام الحكم لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الصين اختارت نظام الحكم الأصلح لها ولشعبها.
أؤكد أن اختزال التعديلات الدستورية المقترحة فى موضوع «مد فترة الرئاسة» أمر غير صحيح، ولكن علينا أن نسأل أولًا ما الدافع وراء تعديل مدة الرئاسة؟، الأكيد أن الدافع ليس من أجل شخص الرئيس، وإنما هو إعطاء الفرصة لاستكمال الإصلاحات الجوهرية والضرورية التى يقوم بها الرئيس، كما أنه ليس الغرض منح الرئيس السيسى الفرصة للحكم، ولكن الغرض من تعديل المدة- الدستور تضمن مدة رئاسة افترض فيها أن هناك دولة مستقرة وبها مؤسسات- هو تحقيق استقرار الدولة وبناء المؤسسات، والتجارب التى نشاهدها يوميًا فى حياة المصريين أنه إذا تغير القائد «قبل أن يكمل المشروع» يأتى شخص آخر يبدأ من جديد، ويضع ما تم إنجازه.
أيهما أولى «أن نطبق الدستور» أم أن نعطى الفرصة للرئيس لاستكمال ما تم التخطيط له وتنفيذ المشروعات التى تحتاج بعض الوقت لإتمامها؟، لماذا نمتدح ما وصلت إليه تركيا أو روسيا أو ماليزيا، وننسى أن أهم الأسباب فى ذلك أنهم أعطوا الفرصة لصاحب المشروع أن يكمله، وفى جميع هذه الدول حصل رئيسها أو رئيس وزرائها على الفرصة الكاملة لإتمام الإصلاحات، حتى فى ماليزيا قام المواطنون بانتخاب مهاتير محمد، مرة ثانية، للحفاظ على ما حققته ماليزيا.
الاستقرار من أهم عوامل النجاح، والإنجازات التى حققها الرئيس لا تحتاج لمن يبررها أو يتحدث عنها، معظم مشاكل الاستثمار فى مصر سببها عدم الاستقرار، والغرض من التعديلات الدستورية هو طمأنة كل المواطنين بأن هناك استقرارًا فى مصر إلى أن يتم تحقيق أهداف التنمية التى أعلن عنها الرئيس.
والمدة المتبقية حتى ٢٠٢٢ ليست كافية لاستكمال المشروعات القومية الكبرى «العاصمة الإدارية- إصلاح التعليم- إصلاح منظومة التأمين الصحى».. وغيرها من المشروعات، والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا نفترض أن التعديل بغرض استمرار الرئيس فى الحكم؟، لقد قال الرئيس فى أكثر من مناسبة إنه جاء إلى السلطة بإرادة الناس، وإذا تغيرت هذه الإرادة لن يستمر فى السلطة.
وصراحة القول، لماذا نجبر الرئيس، الذى يجتهد ويحقق إنجازات على أرض الواقع، على ألا يستمر فى مشروعه؟، وإذا كان هناك من هو أصلح من الرئيس السيسى ليتولى شئون البلاد فإن التعديلات الدستورية لن تمنع الأصلح من أن يترشح وينجح، فالأمر فى النهاية بيد إرادة الشعب وحده.