رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخطط الصهيونى المغلف بالديمقراطية


مصر الدولة العربية المركزية والمحورية الأهم والأكبر هى ذات مجتمع متجانس عرقياً وبدرجة كبيرة دينياً ولا يمكن بالتالى تقسيمها إلى دويلات، حيث لا توجد أقليات عرقية يُعْتَّدُ بها أو دينية باستثناء الأقباط الذين يتمتعون بدرجة عالية من الانتماء الوطنى.

مع استمرار بقاء هذه المجتمعات فى إطار النمط الزراعى، شبه الرأسمالى، شبه الإقطاعى - العشائرى القديم، فإن عملية التوسع لبلدان المركز الرأسمالى لم تجد صعوبة تذكر فى السيطرة عليها والتحكم فى مسار تطورها السياسى والاقتصادى اللاحق، بما يخدم هيمنة المصالح الرأسمالية وتفردها من جهة، ويَعوقُ عن النهوضِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ والسياسيّ لتلك المجتمعات أو امتلاكها لمقومات التقدم والحداثة أو المجتمع المدنى من جهة أخرى.

مصر الدولة العربية المركزية والمحورية الأهم والأكبر هى ذات مجتمع متجانس عرقياً وبدرجة كبيرة دينياً ولا يمكن بالتالى تقسيمها إلى دويلات، حيث لا توجد أقليات عرقية يُعْتَّدُ بها أو دينية باستثناء الأقباط الذين يتمتعون بدرجة عالية من الانتماء الوطنى. فشعورهم دائماً مصرى ولا يوجد لديهم طموحات سياسية للانفصال عن الوطن الأم. والحل بالنسبة لأمريكا يتمثل فى الاستعاضة عن تقسيم الدولة المصرية بالعمل على إضعافها وإنهاكها من الداخل وبأيد مصرية، منعاً من أن يؤدى التدخل المباشر لأى قوى أجنبية إلى استفزاز الوطنية المصرية. وهكذا تم العمل على تسهيل استلام حركة الإخوان المسلمين للحكم كوسيلة لإضعاف اقتصاد الدولة المصرية وتحويل سياسة أخونة مصر إلى أداة لتدمير وحدة المجتمع، ومع أن جهود إضعاف وإنهاك مصر مازالت فى بداياتها، إلا أننا نشاهد مؤشرات خطيرة لما ستؤول إليه الأمور فى ما لو نجح المخطط الأمريكى بنحر مصر، فى حال عدم القدرة على تقسيمها مثل قيام دولة ضعيفة كإثيوبيا بالتطاول على مصر الدولة الأفريقية والعربية القائدة وتهديدها بالفعل وليس بالقول فى أهم قضية استراتيجية ألا وهى مياه نهر النيل.

المشاهد التى يتابعها الإنسان العربى فى جميع البلدان العربية باعتباره المعنى الأول والأهم بأحداثها، ويتابعها معه العالم بأكمله بصمت واستحياء مغلف بالألم لأنه لا يستطيع حتى الرفض أو الاعتراض أمام هيمنة وتسلط أنظمة وحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأتباعهما من المستعمرات القديمة والحديثة التى لا تقوى إلا على تنفيذ ما تؤمر به من مواقف وسياسات، حتى إن تظاهرات التنديد والاستنكار التى تخرج فى أنحاء متفرقة من العالم ومنها البلدان التى تتلطى خلف لافتات وشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ضد ما تمارسه حكوماتها من تلاعب بمصائر الشعوب الأخرى فى العالم وتآمر مكشوف ومعلن عليها تحت عناوين تخترعها هذه الدول لتبرير أفعالها وخططها التخريبية للأرض والإنسان.

أكثر المشاهد وضوحا يظهر حالياً فى مصر التى بدأ شعبها المرحلة الثانية من ثورته بعد أن أعاد الرئيس المصرى الإخوانى المعزول محمد مرسى المنتخب بنسبة لا تزيد على 18% من مجموع أصوات الشعب المصرى خلط أوراق المرحلة تمهيدا لسيطرة تنظيم الإخوان المسلمين على مقاليد السلطة والتحكم بمقدرات الشعب المصرى ومفاصل حياته وإرادته، ويلغى دوره العروبى المتقدم الذى يعتمد على موقع مصر الجغرافى وحجمها السكانى وتركيبة مجتمعها الأميل إلى العلمانية البعيدة عن التطرف والحقد الذى يمارسه الإخوان المسلمين مع الفئات المجتمعية المخالفة لهم، وهكذا عادت مصر إلى المربع الأول الذى كانت فيه قبل سنتين، والمؤشرات جميعها تدل على أن المواجهة آخذة بالاتساع بسرعة حتى إسقاط المشروع الذى ينفذه الإخوان فى مصر بالكامل.

أما السعودية فهى قابعة تنتظر إشارات قادمة من واشنطن لتحدد مصيرها، وأخطر تلك الإشارات هى المتعلقة بالمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية والممتلئة بالنفط والرغبة الأمريكية بفصل الدين عن النفط، ويعتبر مصير العائلة المالكة السعودية ومستقبلها جزءاً من هذه الرؤية، إن المخطط اليوم كبير وكبير جداَ ولم يتوقف عند جزء معين من الوطن العربى، بل يتمدد ليشمل كل الوطن العربى، حيث يهدف الى تقسيم السودان الى شمال مسلم وجنوب مسيحى ودارفور والعراق الى ثلاث دول شيعية وسنية وكردية ففى 6 فبراير 1982 كتب المراسل العسكرى لصحيفة «هاآرتس الإسرائيلية» زائييف شييف «إن أفضل ما يمكن ان يحدث للمصالح الإسرائيلية فى العراق هو «تفكيك العراق الى دولة شيعية ودولة سنية ودولة كردية» وسوريا الى دولة علوية فى منطقة الساحل ودويلة حلب السنية ودمشق السنية ثم دولة درزية فى الجنوب وتقسيم المغرب العربى إلى دويلة البربر وتضم جزءاً من ليبيا والمغرب والصحراء الكبرى ودويلة بوليساريو وهى التى تخوض نزاعاً الآن بين الجزائر والمغرب».

كان النظام العراقى تحت قيادة صدام حسين من القوة والصلابة بحيث كان من المستحيل اللعب على واقع الاثنيات والطوائف المتعددة التى كونت المجتمع العراقى، لهذا كان القرار الأمريكى- الغربى باحتلال العراق وتدمير اقتصاده ومجتمعه وشرذمته وتقسيمه إلى طوائف وملل، طولاً وعرضاً، بحيث تم تقسيم العراقيين الأكراد والتركمان عرقياً، والعراقيين المسلمين العرب طائفياً إلى سنة وشيعة، وبذلك تم استعمال أكثر من مقياس لجعل تقسيم العراق من السوء بحيث يستحيل إعادة توحيده. فالدولة المركزية موجودة نظرياً ولكنها محصورة عملياً فى بغداد، والأقاليم هى فى واقعها أكثر من إقليم وأقل من دولة. والوضع العام للعراق هلامى لا شكل له ولا قدرة له على التصرف كجسم واحد صلب. وما جرى للعراق يوضح أن مخطط أمريكا لإعادة تشكيل دول المنطقة ابتدأ منذ فترة سبقت الربيع العربى.

أما الوضع فى سوريا الآن فيختلف عن كل من مصر والعراق . فسوريا متنازع عليها بين أمريكا وروسيا وأصبحت أول ساحة صراع ساخن فى حرب باردة جديدة. إننا نشهد الآن إعادة انبعاث حرب باردة من نوع جديد. فالصراع على مصادر الطاقة والنفوذ فى المياه الدافئة أصبح يتخذ أشكالاً علنية، ومن السذاجة افتراض العديد من العرب بأن عدو عدوى صديقي. فروسيا والصين تكافحان الآن للحفاظ على مصالحهما فى الطاقة وفى الوجود فى المياه الدافئة، ولا علاقة لذلك بالمقاومة أو الصراع العربى الإسرائيلى. ولو وصلت الأمور إلى حد الحزم واتخاذ موقف، فقد يكون موقف روسيا والصين تجاه إسرائيل صادماً للعرب الذين ينشدون النجاة من خلال الآخرين وليس من خلال أنفسهم وجهودهم الذاتية. وفى نهاية المطاف لن يسأل أحد سوريا عن رأيها فيما سيتم التوصل إليه من اتفاق، لا أمريكا ولا روسيا سوف تسأل، والحل للصراع الدائر فى سوريا لن يأتى من داخل سوريا، بل سوف يفرض عليها من الخارج وعقب اتفاق بين أمريكا وروسيا، ولكن تبقى الحقيقة الأساسية، وبغض النظر عن الحل النهائى للصراع الدائر فى سوريا، فإن سوريا قد دُمّرَت وتحتاج إلى وقت طويل للعودة إلى الحال الذى كانت عليه عشية بدء الصراع، ما يحدث فى أمتنا العربية والإسلامية اليوم ليس مجرد أزمة هوية وانتماء فهو أيضاً و قبل كل شىء أزمة أخلاق .. ولتحديد معالمها أو مؤشراتها لسنا بحاجة للكثير من الجدل فى الفوارق بين الأزمتين أو فى تضمين واحدة لأخرى فلننهى هذا الجدل العبثى الآن ولنعترف أنهما معاً الأصل فى تفشى المصيبة و وانتشارها عبر الحدود.. لماذا؟ شهد عام 2005 الكثير والكثير من الأحداث التى كانت أساسية فى مشروع النظام العالمى الجديد الذى ينكره البعض ويعتبرون أنه جزء من نظرية المؤامرة ويطلبون منا أن ننسى كلام رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية واعترافهم به.

■ أستاذ القانون العام