رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرآن «جملة واحدة» يقضى على الأفكار المتطرفة «1-3»


أحد أسباب التطرف والتشدد هو التعامل مع القرآن بكل آية على حدة، فهناك من يأخذ آية ويفهم منها معنًى خطأ دون النظر لباقى الآيات ذات العلاقة بالموضوع نفسه، ولو أنه جمع كل الآيات ذات العلاقة بموضوع معين؛ لخرج بجملة مفيدة متكاملة لا نقص ولا تناقض فيها، وبشكل معتدل وسطى بلا تطرف.
القرآن جملة واحدة؛ بكل سوره وآياته وأجزائه، فعندما تريد التحدث فى موضوع أو قضية ما، عليك أن تجمع كل الآيات معًا، حتى تخرج بمعنى مترابط، من غير أن يخرجها عن الهدف المقصود، أو يشوه معناها.
سور القرآن وموضوعاته شبكية وليست خطية، بعكس التوراة فهى خطية، أى أن لكل موضوع خطًّا مستقلًا بذاته وحده، ويكون فى النهاية خطوطًا متوازية غير متشابكة، وليس فيها ترابط ببعضها، ولكن الحياة ليست كذلك.
أما القرآن فكما قلنا إنه شبكى، أى: إن موضوعاته متشابكة ومتداخلة؛ لأنه يمثل الحياة.. والحياة متشابكة وليست خطية.
القرآن مكافئ للحياة، فلا بد أن يكون متشابكًا مثل الحياة، ولكى نفهم الحياة؛ لا بد من ربط القضايا ببعضها، ولكى نفهم القرآن لا بد أن نربط آيات الموضوع كلها ببعضها.
ولو أردت فهم كل آية على حدة وبمعزل عن الموضوع كله؛ تكون قد جزَّأت القرآن، والقرآن كما قلنا يُؤخذ جملة واحدة، ولو جزَّأته؛ لفقد فاعليته فى إنجاح الحياة، وكأنك تفهمه خطأ، فتنتج أفكارًا متطرفة تخطئ فى فهم آيات الجهاد.
والقرآن يعيب على من يحاولون تجزئته فيقول تعالى: «كما أنزلنا على المقتسمين (الذين قسموا القرآن على ما وافق هواهم)، الذين جعلوا القرآن عضين (تفريق المعانى المجتمعة وتمزيقها).
ويقول تعالى: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض»، وهذا أيضًا من تجزئة القرآن، ومن هنا عندما قرأ المسلمون القرآن قراءة تجزئة وتعضيد، صاروا مثل هؤلاء المقتسمين؛ فقدوا أنوار القرآن وظهر التطرف فيهم.
وأول من علمنا أن القرآن جملة واحدة هو النبى صلى الله عليه وسلم عندما نزل قول الله تعالى: «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم»، شق على الصحابة، فاشتكوا للنبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: «ومن منا لم يلبس إيمانه بظلم يا رسول الله؟!»، فقال لهم: ألم تقرأوا قول لقمان لابنه: «يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم».
هل تستطيع أن تعيش مع القرآن بهذه الطريقة؟ على طريقة الحاسب الآلى أو على طريقة المعجم، اجمع الآيات فى موضوع معين كموضوع الأخلاق مثلًا، وستشـرق أمامك أنوار القرآن، فتعود فاعلية القرآن: نور، وهدى، وشفاء، ورحمة، وعلم.
بينما لو لم نقرأ القرآن جملة واحدة، سيحدث خلل فى الرؤية وفى السلوك، ويحدث تطرف وإفساد وتشدد، كما حدث فى فهم آيات الجهاد مع هؤلاء الذين يعتنقون أفكار العنف والإرهاب، حيث إنهم لم يقرؤوها على أنها جملة واحدة، وقاموا بتجزئة القرآن تجزئة مخلة بالمعنى الشبكى.