رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو.. والاستراتيجية الإقليمية والدولية «4»


هذا هو التصور الذى أطرحه للنقد والتحليل عن تأثير ثورة 30 يونيو على المعادلة الاستراتيجية محليا، وسوف أتابع ماذا بعـد تأثيرها محليا وإقليميا ودوليا فى مقال الأسبوع القادم بإذن الله، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

فى المقال الأول تم تأصيل مفاهيم مصطلحات الشرعـية والمشروعـية والثورة الشعـبية والانقلاب العـسكرى كنقـطة انطلاق لتناول هذا الموضوع، حيث أثارت التفاعلات التى سبقـت وصاحبت وأعـقبت أحداث 30 يونيو جدلا واسعا وردود أفعال متباينة حول ما إذا كانت هـذه الأحداث تندرج تحت مفهوم الثورة الشعـبية أم الانقلاب العـسكرى، وقد خلصنا إلى أنها كانت نموذجا رائعا لثورة شعـبية مكتملة الأركان، وفى المقال الثانى تناولت تأثير هـذه الثورة عـلى المعادلة الاستراتيجية الدولية، وتم التركيز على الولايات المتحدة بحكم كونها القطب الوحيد فى عالم اليوم تتربع عـلى قمته وتقـود تـفاعلاته، وفى المقال الثالث تناولت تأثيرها فى المعادلة الاستراتيجية الإقليمية، مع التركيز عـلى تداعـيات سقوط نظام حكم الإخوان المسلمين فى مصر عـلى القوى الإقليمية الفاعـلة فى منطقة الشرق الأوسط (تركيا وسوريا وإسرائيل وحماس)، وفى مقال اليوم سأتناول تأثيرها محليا فى مصر وبعض القوى الإقليمية القريبة من مصر شعـبيا ورسميا.

إذ يشير الواقع إلى أن جميع الدول الخليجية إلا قـليلا، كانت فى مرمى حكم التنظيم الدولى للجماعة خاصة الإمارات العـربية والكويت فالسعـوديـة، هذه الدول الشقيقة بادرت بإنقاذ مصر من عـثرتها التى كادت تهوى بها إلى هوة الانهيار، بعـد أن تركها نظام الحكم الفاشى قاعا بلقعا، فقدمت لها المساعـدات المالية وهى لا تبغى مناً ولا شكورا، حيث عـبرت هذه المساعـدات عن إخاء صادق شـد من أزر مصر، كما عـبرت بصورة واضحة عـن تحرر هـذه الدول من سيطرة الولايات المتحدة، وهـو الأمر الذى زاد من حجم المخاوف الأمريكية، كما كانت تونس أول من تأثر بثورة 30 يونيو بحكم التقارب الجغـرافى‮ ‬والثقافى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى، وبحكم التاريخ المشترك ووحدة الدين والمذهـب واللغة، حيث تمكنت حركة تمرد التونسية من جمع عـدد كبير من وثائق سحب الثقة من حكومة الجماعة، وانتفض الشعب التونسى ضد حركة النهضة الإسلامية، فانسحب 52 نائباً من المجلس التأسيسى ودخلوا فى اعتصام مفتوح بمقر المجلس حتى يتم حله، ثم استقال 42 نائبا معارضا، كما أعـلن حزب التحالف الديمقراطى سحب 10 من أعضائه ليصبح عـدد المنسحبين من المجلس التأسيسى 104 نواب من أصل 217 مما يستوجب حله، ثم تأججت ثورة الشعـب التونسى بعـد اغتيال المعارض البارز البراهمى فاستقال بعـض الوزراء، وهو الأمر الذى يشير إلى أن الشعـب التونسى قادم بقـوة للتخلص من هذا الحكم الذى فرضته الولايات المتحدة عـلى دول هـذه المنطقة .

ويشير الواقع أيضا إلى أن مصـر، منـذ ثـورة 30 يونيو وحتى الآن، تتعـرض لمؤامرة متعـددة الأطراف، أمريكية السياسة، صهيـونية الأهـداف، تركية الآليات، قطرية التمويل، تهدف إلى تقويض الثورة وترتكز عـلى خمسة محاور رئيسية، الأول هو تشويه تفاعـلات وأحداث 30 يونيو باعـتبارها انقلابا عـسكريا، والثانى هو الحشد المأجور فى رابعة العدوية والنهضة لإقـناع الرأى العـام الداخلى والخارجى بأن المجتمع المصرى ينقسم إلى طرفين متساويين متكافئين، ويقوم المحور الثالث عـلى خطة إعلامية ضخمة تعـتمد فى إعـدادها وتسويقها عـلى شركات دعاية عالمية، تعمل على تشويه الجيش المصرى وتحسين الصورة الذهنية للجماعة، وتتبناها محطات فضائية تتمتع بمعـدلات مشاهـدة عالية (BBC البريطانية، CNN الأمريكية، وقناة الجزيرة التى يتم بثها باللغة الإنجليزية) توجه رسائلها إلى الجماهير المستهدفة فى كل من أوروبا وأمريكا وأفريقيا والعالم الإسلامى، والمحور الرابع هو العـمل على خفض الروح المعـنوية للمجتمع المصرى وإحباطه بترويج الشائعات، وتبنى أعمال العـنف لإرهابه، الأمرالذى يؤدى إلى فقدان ثقة الشعـب فى الأجهزة الأمنية، أما المحور الخامس وهو الأهم، فهو السعـى الدءوب إلى إنهاك وتشتيت واستنزاف قدرات وطاقات جهود القوات المسلحة فى سيناء وفى الداخل، لإضعاف قدراتها القتالية التى اكتسبتها من إعادة تأهيلها وتدريبها المتواصل حتى تعاظمت كفاءتها القتالية وارتفعـت روحها المعـنـويـة تحت قيادتها الجديدة المدركة لمسئولياتها الوطنية والأخلاقية والتاريخية، وللتدليل على هذه المؤامرة الدنيئة، يمكن الإشارة إلى استخدام الصاروخ الأمريكى «Hell Fire» الموجه المضاد للدبابات لأول مرة ضد مبنى مديرية أمن شمال سيناء فى العـريش، وهو ما يبرهن على تعـددية هذه المؤامرة، حيث إنه سلاح أمريكى، تم شراؤه بتمويل قطرى، وتم وصوله إلى مصر بوسائل تركية، حتى تضمن إسرائيل أمنها القومى.

وفى إطار السياسة الأمريكية فى المؤامرة المشبوهة، قرر أوباما إرسال عـضوين من مجلس الشيوخ الأمريكى إلى القاهرة، ينتميان إلى الحزب الجمهـورى المعارض، وهـمـا من لجـنـة القـوات المسلحة (جون ماكين وليـنـدسـاى جراهام)، حيث صرحا قبل وصولهـما إلى القاهـرة بأنهما يحملان رسالة موحدة من الحزبين الديمقراطى والجمهورى، تـفـيـد أولا بضرورة التوقف عـن ملاحقة قيادات الإخوان وإلا تم إعتبار أحداث 30 يونيو انقلابـا، وأن الولايات المتحدة ثانيا ما زالت مُصرة عـلى التلويح بقطع المساعـدات العـسكرية عـن مصـر، وأن ما يهـم الولايات المتحـدة ثالثـا هـو عـدم رغـبتها فى أن تسود مصر فوضى عارمة قد تـؤدى إلى تهديـد أمن إسرائيـل، وفى إطار ذات السياسة سعـت الولايات المتـحـدة إلى إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهى تعـلم عـلم اليقـيـن أن هـذه المفاوضات مصيرها الفشل، وفى يقينى أن الهدف الأمريكى الرئيسى هـو إحداث بعـض النجاحات لإقناع الرأى العام الأمريكى والدولى بأنها ما زالت قائدة لتفاعلات النسق الدولى، والتغـطية عـلى فشل استراتيجيتها فى منطقـة شرق وجنوب البحر المتوسط، كما عـملت الولايات المتحدة على تكثيف زيارة أشتون الممثلة العليا للاتحـاد الأوروبى، وبيـرنـز نائب وزير الخارجية الأمريكى ووزير خارجية ألمانيا والمبعـوث الأوروبى، مع تكثيف اللقاءات السرية التى تعـد لها سفيرة جهنم.

وكان آخر هـذه اللقاءات التى جمعتها وبيرنـز مع هشام قنديل مساء يوم 3 أغسطس، كما شجعـت الولايات المتحدة عـلى طرح المبادرات الوهمية وآخرها تصريحات الدكتور البرادعى بشأن الخروج من الأزمة الطاحنة التى تمر بها البلاد، حيث دعا فيها إلى إمكانية الإفراج عن قيادات الجماعة المحبوسين عـلى ذمة قضايا مختلفة قد تصل عـقوبتها إلى الإعـدام وتضمن الخروج الآمن للقيادات الأخرى، وأتعـجب كيف لرجل دولة يشغـل مثل هذا المنصب ويمثل النظام الحاكم أن يطلق مثل هذه التصريحات، التى كان عـليه تقديم استقالته أولا إذا كانت هذه التصريحات تمثل رأيه الشخصى، وفى وسط هذا الزخم فاجأ جون كيرى الجميع بتصريح أعـلن فيه أن تحرك الجيش المصرى جاء تلبية لمطالب الملايين، وأن الجيش المصرى لم يستولى عـلى السلطة، ويعـتبر هذا التصريح هو الأفصح لسانا الذى يُعـبـر تعـبيرا صادقا عـن مكانة ودور مصر كنقطة ارتكاز أساسية لبناء أى استراتيجية أمريكية فى المنطقة، كما يمثل اعـترافا صريحا بأن التفاعـلات التى سبقت وصاحبت وأعقبت أحداث 30 يونيو تندرج تحت مفهوم الثورة الشعبية المكتملة الأركان، وهو الأمر الذى لا ينكره أى عـاقـل ولا يتجاهله إلا كل غافل.

■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعـة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.