رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: تحية للرجال

جريدة الدستور

أعرف أنك شاهدت الفيديو الذى لم يستغرق أكثر من ثوانٍ، للإرهابى الحسن عبدالله وهو يُفجّر نفسه فى رجال الداخلية عندما وضعوا أيديهم عليه، وأتخيل ما الذى فعلته وأنت تتابع خطوات القدر أمامك، قد تكون شهقت، وضعت يديك على فمك حتى لا تنطلق صرختك، أخفيت عينيك حتى لا تقابل اللحظة الخطرة، زادت دقات قلبك خوفًا وهلعًا.
لكن هل سألت نفسك عن مشاعر هؤلاء الرجال الذين تقدموا تجاه الإرهابى وهم يعرفون جيدًا أن الموت فى انتظارهم ولا شىء غيره.
فى غلظة إنسانية تعامل البعض مع المشهد على أن رجال الداخلية ما كان لهم أن يتعاملوا مع الإرهابى بهذه الطريقة طالما أنهم يعرفون أنه مفخخ، وأعتقد أن من قالوا ذلك اكتفوا بمشاهدة الفيديو، وهم يسندون ظهورهم إلى مقاعدهم المريحة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تصور أنفسهم فى نفس المكان لحظة الخطر.
ما لا يعرفه كثيرون أن رجال الداخلية الذين تقدموا باتجاه الإرهابى عبدالله الحسن، كانوا يعرفون أن هذه هى لحظاتهم الأخيرة فى الحياة، كان تقديرهم أنهم عندما يمنعونه من التقدم خطوة واحدة إلى الأمام فهم يفدون مئات المصريين على الأقل، ويحملون عنهم موتهم.
هذه هى القصة باختصار، معنى لا يمكن أن يقدره إلا من قرر أن يبقى هذا الوطن سالمًا آمنًا مهما كانت التضحية ومهما كان الثمن.
لم يفكر أحد من شهداء الشرطة الثلاثة، مقدم الأمن الوطنى، رامى على أحمد على هلال، وأمين الشرطة، محمود محمد أبواليزيد محمود عبدالله، ومعاون الأمن، محمد خالد محمد متولى، وهم يمنعون الإرهابى من التقدم- فى بيوتهم أو أولادهم أو المستقبل الذى ينتظرهم، لم يقل أحد منهم: ولماذا أموت أنا بينما يعيش الآخرون؟
ولو قلت لى إن هذا هو عملهم، سأقول لك: هناك كثيرون لا يؤدون ما عليهم، لا يقومون بواجبهم فى الحياة، ولا يلومهم أحد، لكن رجال الشرطة ليسوا من هؤلاء أبدًا، يعرفون ما عليهم ولا يتأخرون عنه، ليس من مقتضيات وظيفتهم حتمية الموت، لكنها من مقتضيات حماية وطنهم الذى لا يتأخرون عليه.
كل من يقف على خط المواجهة مع الإرهاب يستحق التحية، وهؤلاء الثلاثة الذين لا تزال دماؤهم ساخنة يستحقون التحية أكثر، ليس لأنهم أوقفوا هذا الإرهابى فقط، ولكنهم نبهونا إلى أننا أمام مرحلة جديدة من مراحل الإرهاب وموجاته التى يبدو أنها لن تنتهى بسهولة، قالوا لنا: أفيقوا من غفلتكم واهتمامكم بالتفاهات، لأن هناك ما هو أهم وأبقى.
رجال الشرطة فى اللحظة التى ارتقوا فيها إلى الله أرسلوا لنا رسائل عديدة يجب ألا نغفلها أو نتجاهلها، لأن فى تجاهلها هلاكنا جميعًا، لم يطلبوا منا أن نرعى أولادهم ونود أسرهم ونخلد ذكرهم، فالشهداء لا يفكرون فى شىء من ذلك، لأنهم لو فكروا بهذه الطريقة ما تقدموا خطوة ولا أوقفوا إرهابيًا ولا أنقذوا بلدًا.
إنهم ببساطة تحركوا بهذه الخفة التى رأيناها حتى يقولوا لنا: هذا هو دورنا فى المعركة، وعليكم أن تكملوا بعدنا، وأعتقد أن أكثر ما يحرص عليه الشهيد ألا نضيّع ثمن تضحيته هباء، لا يطلب منّا أن نغنى له، رغم أننا يجب أن نفعل ذلك، ولا يريد تخليد ذكره، رغم أن هذا واجبه علينا، بل فرض عين على كل مصرى، ولكن أن نحافظ على هذا الوطن الذى منحوه أرواحهم عن طيب خاطر.
احفظوا أسماء الشهداء الثلاثة جيدًا، احفظوا أسماء جميع الشهداء جيدًا، ضعوا صورهم فى بيوتكم، تحدثوا مع أولادكم عنهم، اجعلوا منهم قدوة ومثلًا.. فلن نعبر بهذا الوطن إلى بر الأمان إلا بسيرة هؤلاء الرجال، الذين لا نملك إلا التحية لهم ولتضحياتهم، وكل ما أتمناه أن يقبلوا هذه التحية منا.
طبتم أحياء وطبتم أموات يا شهداءنا فى كل مكان.