رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيفية رفع الظلم الاجتماعى


ارتفعت نسبة التذمر لدى لشباب بسبب عدم إيجاد فرص عمل لهم وعدم قدرتهم على الاستفادة من أحلى فترات حياتهم الغنية بالطاقة والحيوية، وهذا يؤدى بهم إلى عدم القدرة على الزواج أيضاً فى السن المناسبة لذلك مما يهدد برفع نسبة العنوسة فى المجتمع

وهذا مؤشر خطير جداً يعتبر تربة خصبة لانتشار الرذيلة والفساد والتحلل الاجتماعى كما أنه دافع قوى للجريمة. الظلم الاجتماعى الذى يمارسه بعض الأفراد تجاه بعض آخر، يشكل ـ هو الآخر ـ عاملاً أساساً لظهور مشكلة الفقر. وللظلم الاجتماعى اتجاهات عديدة تتغيّر تبعاً للظروف الاجتماعية، وتبعاً للحالة التى يعيشها الفرد، والمجتمع، والسلطة.

وفيما يلى نسجل أهم اتجاهات الظلم الاجتماعى:

1 ـ صياغة المجتمع على أسس جاهلية «طبقية، فكرية منحرفة، عنصرية»، حيث يتمتّع ـ فى ضوء هذه الصيغة ـ حفنة محدودة بكلّ فرص الثراء، فى حين تعيش الغالبية من الناس محرومة من أبسط حقوقها الأساسية. وفى الواقع أنّ صوراً عديدة من حالات الفقر، تستند إلى هذا العامل، فالكثير من الناس هم فقراء لأنّهم ينتمون إلى قبيلة، أو طبقة، أو فئة معينة من الناس!! كما أنّ بعض الناس صار غنيّاً لأنّه ينحدر من طبقة، أو قبيلة أو فئة معيّنة!! وهكذا يتّضح أن تشكيل فئات المجتمع على وفق تلك الموازين يساهم إلى حدّ كبير فى نشوء ظاهرة الفقر.

2 ـ وهناك لون آخر من ألوان الظلم الاجتماعى الذى يسبب نشوء ظاهرة الفقر، وهو الظلم المتّصل بالعلاقات الاقتصادية بين أفراد المجتمع، ففى غالب الأحيان يتّجه أفراد المجتمع إلى ترتيب معاملاتهم، وتجارتهم ومكاسبهم على أسس غير عادلة.

حيث يتّجه بعض أفراد المجتمع إلى رفع أسعار السلع بشكلٍ كبيرٍ، أو إلى احتكارها، أو استيفاء المنافع والخدمات بأجور زهيدة أقلّ من قيمتها منظومة الأسعار الرائجة، أو نوع العمل المبذول، وفى أحيان أخرى يمارس بعضهم التطفيف فى الميزان وإلى ما هنالك من صور وحالات اقتصادية غير عادلة تؤدّى إلى سحب أموال الناس بالباطل، واستغلال طاقات الناس بدون مقابل. وجميع هذه الحالات يؤدّى إلى ظاهرة الفقر؛ وذلك لأنّها لا تظل محصورة ضمن علاقات فردية، بل تمتد فى عمق العلاقات الاقتصادية وتتحوّل إلى ظاهرة عامة، وحيث إنّ أسعار الخدمات وأجور الأعمال مترابطة، فإنّ ذلك التضخّم فى أسعار السلع والتلاعب بالميزان، أو حالات الغش الأخرى سوف تؤثّر مباشرة فى دخل أفراد المجتمع بصورة حادة، من خلال انخفاض القوة الشرائية لفئات المجتمع، فتنمو بذلك ظاهرة الفقر وتتزايد مع استمرار تلك الممارسات. والذى يعقّد المشكلة أنّ هذه الحالات والممارسات يصعب السيطرة عليها أو منعها، وذلك إمّا لضعف السلطة عن الوصول إلى تلك الممارسات وضبطها ؛ لأنّها عادة تجرى بصورة فردية لا يمكن السيطرة عليها إلاّ فى إطار ممارسات حكومية خاصة، أو لأنّ النظام الاقتصادى قائم على ذلك اللون من الممارسات بحيث يكون السلطان الحقيقى لقوانين العرض والطلب ومن ورائه شهوة حبّ المال، والاختلاس، كما هو الحال فى الأسواق الحرّة فى ظل الأنظمة الرأسمالية. وفى ظلّ هذه الممارسات يتّجه تركيب الفئات الاجتماعية بحسب وضعها المالى، اتّجاهاً تستحوذ فيه فئة خاصة من الناس على المزيد من الأرباح والفوائد. بينما تتّجه الفئات المتوسطة نحو الأسفل، والفئات الفقيرة نحو المزيد من الحرمان. فعلى الرغم من وفرة نعم الله التى تسع الجميع فإن نوعية العلاقات الاقتصادية الظالمة بين الناس أدّت إلى تكديس الثروة بيد فئة محدودة من الناس وإلى حرمان غالبية أفراد المجتمع من حقوقهم فى الحياة المطمئنة، فقد فضح فرعون فى شعبه وظهر للناس مدى ظلمه الذى يعانى منه الكثير بمعنى أوضح جعل موسى من ظلم فرعون لشعبه قضية رأى عام فقد قام بنقل الناس من الخوف والسكوت الى مرحلة تداول الحديث عن ظلم فرعون. عن طريق موقف مؤمن آل فرعون. «وقال رجل مؤمن من الفرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقاً يصبكم بعض الذى يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب ● ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» «28-29» غافر طريقة أخرى فى إظهار للناس مدى كذب وزيف هذا النظام الفاسد المستبد على أعين الناس عملياً عن طريق تحدى موسى عليه السلام لفرعون وسحرته. «قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى» «59 طه» النتيجة وخيمة وغير متوقعة للنظام الفاسد وهى سقوط هذا النظام بموت فرعون وجنوده. ننتقل لمرحلة أخرى من مراحل التغيير.بعد موت فرعون وجب على بنى إسرائيل إقامة دولتهم فى أرض فلسطين وإقامة المنهج الربانى ومحاربة القوم الظالمين فيها لإقامة العدل ورفع الظلم عن الناس حتى بعد موت موسى عليه السلام. فقد حمل هذا التكليف بعده موسى عليه السلام نبى الله يوشع بن نون عليه السلام فى المعركة بين طالوت وجالوت التى أقيمت بعدها دولة الحق وكان أول حكامها نبى الله داود عليه السلام.

وهذا فيه دليل على أن أصحاب الدعوات الربانية إيمانهم بالله عز وجل يستوجب عليهم رفع الظلم وإقامة العدل وزجر الظالم ومحاولة إعطاء الحق للمظلوم فى أى عصر وفى أى مكان. وهذا هو منهج الأنبياء. وكان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يدركون ذلك ويعملون من أجله.

■ أستاذ القانون العام جامعة طنطا