رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصف مطار تل أبيب.. ولمَ لا؟


لم يتوقف الإسرائيليون عن شن الغارات ضد أهداف داخل الأراضى السورية، كانت غارات ليل الأحد ـ الإثنين، الماضى، أحدثها وطبعًا لن تكون آخرها. وعليه، لم يفاجئنا بشار الجعفرى، مندوب النظام السورى لدى الأمم المتحدة، حين أعادنا، مساء الثلاثاء الماضى، ٤٦ سنة إلى الوراء، بإعلانه، ضمنيًا، اعتزام بلاده تطبيق القاعدة «التوراتية» التى هدّد بها «السادات» العدو نفسه: «العين بالعين.. والسن بالسن.. والعمق بالعمق».
بعد أكثر من ٧٠ هجومًا وضربة جوية وصاروخية استهدف بها الإسرائيليون سوريا، خلال العام الماضى، فقط عام ٢٠١٨، استمرت الغارات فى العام الجارى، بدرجة أعنف، باستهداف مطار دمشق الدولى، فى ١٢ يناير، ثم غارات ليل ٢٠ ـ ٢١ يناير، التى زعمت أنها استهدفت «مخازن للصواريخ والذخائر تابعة للقوات الإيرانية». وبهذا الشكل، كان طبيعيًا أن يهدد الجعفرى، خلال جلسة عقدها مجلس الأمن لمناقشة الوضع فى المنطقة، بأن بلاده ستمارس حقها الشرعى فى الدفاع عن النفس، وسترد على القصف الإسرائيلى لمطار دمشق الدولى، بمثله على مطار تل أبيب، إذا لم يتخذ المجلس إجراءات لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضى السورية.
نعرف، كما يعرف الجعفرى ويعرف «طوب الأرض»، أن هذه الاعتداءات ما كانت لتحدث لولا إخفاق مجلس الأمن فى تنفيذ قراراته على مدى عقود طويلة، ولولا الدعم اللامحدود الذى وفرته دول دائمة العضوية فى المجلس لهذا الكيان المارق، وشجعه على زيادة جرائمه وانتهاكاته وممارساته للإرهاب بعيدًا عن أى مساءلة. أما الجديد، فهو أن تقرير نيكولاى ملادينوف، المبعوث الأممى إلى المنطقة، تعمد تجاهل جرائم الاحتلال، كما تعمد تجاهل تسمية الأشياء بمسمياتها. وبالتالى، لم يعد أمام سوريا إلا التلويح أو التهديد بتطبيق القاعدة التوراتية التى أعاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات صياغتها.
تهديد السادات أجبر الإسرائيليين على التراجع عن قصف العمق المصرى، أما تهديد الجعفرى، فرد عليه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الأربعاء، بتأكيده على استمرار الضربات الجوية على سوريا، زاعمًا أن الجيش الإسرائيلى هو «الجيش الوحيد الذى يحارب الجيش الإيرانى فى سوريا». وزاد على ذلك فأضاف: «أنا واثق من قدرتنا على هزيمة العدو». وجاء الرد على تلك التصريحات من روسيا، التى طالبت الإسرائيليين، فى اليوم نفسه، يوم الأربعاء، بضرورة التوقف عن توجيه الضربات الجوية العشوائية على سوريا.
ردًا على سؤال لوكالة «تاس» بشأن الضربات الإسرائيلية الأحدث على سوريا، قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية: «ينبغى استبعاد أسلوب شن ضربات عشوائية على أراضى دولة ذات سيادة»، لأن مثل هذه الضربات، فى رأيها، «تزيد التوتر فى المنطقة»، و«لا تصب على المدى الطويل فى مصلحة أى دولة هناك، بما فى ذلك إسرائيل». وبقدر أقل من الميوعة، أضافت زاخاروفا: «ينبغى ألا نسمح مطلقًا بأن تتحول سوريا، التى تعانى من صراع مسلح منذ سنوات، إلى ساحة لتسوية الحسابات الجيوسياسية».
ميوعة رد «زاخاروفا» لا تقارن بميوعة رد الفعل الروسى على حادث اللاذقية، فى ١٧ سبتمبر، الذى راح ضحيته ١٥ عسكريًا روسيًا، والذى اكتفت روسيا، وقتها، بتحميل المسئولية للإسرائيليين وقررت، فى ٢٤ سبتمبر، تزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوى المتطورة «إس ٣٠٠»، غير أن هذه المنظومة لم تمنع الإسرائيليين من شن هجمات فى ٢٩ نوفمبر وأخرى فى ٢٥ ديسمبر، وصولًا إلى الهجمات الأحدث أو الأعنف.
لأى جيش فى العالم مهمتان أساسيتان، الأولى هى صدّ أى اعتداء على أراضى بلاده، والثانية إجبار العدو على عدم التفكير مطلقًا فى شن أى هجمات، من خلال ما يُعرف بالردع الاستراتيجى، والمقصود به أن يعرف العدو أن خصمه لديه الوسائل والأدوات والقوة اللازمة للردع والرد، وبالتالى يتوقف تفكيره ونيته فى مجرد شن هجمات أو البدء باعتداءات. وهذا بالضبط ما فعلته قواتنا المسلحة فى ١٤ أكتوبر ١٩٧٣ حين حاولت القوات الجوية الإسرائيلية الهجوم على قواعد الطائرات، وتصدت لها قواتنا الجوية ببسالة، ودارت عدة معارك كان أعنفها معركة المنصورة التى خسر فيها العدو ٤٤ طائرة.
بعد هذه المعركة بيومين، كان «السادات» يؤكد أمام مجلس الشعب، فى خطابه التاريخى، أن «الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم (أوهمت الإسرائيليين) بأكثر مما يقدرون على تحمل تبعاته». ومن القاعدة التوراتية، أطلق التهديد الذى لا نرى، اليوم، ما يمنع الجيش العربى السورى من تنفيذه: «العين بالعين.. والسن بالسن.. والعمق بالعمق». وبالتالى، يكون قصف مطار تل أبيب هو رد الفعل الأنسب على قصف مطار دمشق، ولسنا فى حاجة إلى التأكيد على أن البادى أظلم.. وأكثر إجرامًا.