رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فشل الإخوان جزء من التاريخ لا يمكن تجاهله!


ارتبطت إهانة مؤسسات الدولة بانفلات المصطلحات، ويلعب المخربون على مصطلح الانقلاب ويسمونه «عسكريا» وأحيانا «دمويا»، وطالما أننا نتحدث عن حرية الرأى فإنه هو الباب الذى يدخل منه المجرمون، وأظن أن علينا أن نتفق على أن لكل حرية حدودا، وأن الحرية هى تلك التى لا تتصادم مع حريات الآخرين.

لا شك أن الموقف فى مصر بعد المضى قدما فى تنفيذ خريطة المستقبل كما سميت فى البيان التأسيسى فى 3 يوليو الماضى يتسم بالغموض وربما الارتباك نتيجة لسهولة رفض الأوضاع القائمة، وصعوبة الاختيار بين البدائل، فى الوقت نفسه الذى تقوم فيه جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معها بالعمل على تعقيد الموقف وحرمان البلاد من الاستقرار على طريقة المثال المتداول «فيها لاخفيها» وفى هذا المجال نجد أننا نواجه فوضى إهانة مؤسسات الدولة، وانفلات المصطلحات، واستمرار التوتر فى سيناء، ومهاجمة المنشآت العامة والخاصة، والعمل على تعطيل مصالح الشعب، بينما تسير خطط المستقبل وفق جهود القائمين على إدارة الدولة ولكن بصعوبات جمة. وفى ظل كل الظروف السابقة يجرى التساؤل عن موقف الدكتور محمد مرسى ونجد تكرار الحديث عن المصالحة.

من أكثر المؤسسات التى تعرضت للإهانة نجد القوات المسلحة والقضاء وهى تجد هذه الإهانات بصفة خاصة من مؤيدى الدكتور محمد مرسى متمثلين فى جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة وحلفاؤهم باعتبار أن القوات المسلحة انضمت للشعب وحرمت الجماعة والعشيرة من تأييدها، ولم تتوقف عند التطاول على القائد العام للقوات المسلحة بل إنهم لجأوا إلى اتهام القوات المسلحة كمؤسسة، وهو أمر خطير على الدولة حينما تنهار الثقة بين الدولة وقواتها المسلحة، وإذا كان هذا الأمر عاما، أى فى كل دولة، فإن علاقة مصر بقواتها المسلحة علاقة خاصة ارتبطت بظروف نشأة الدولة فى التاريخ السحيق وفى الماضى القريب. هكذا وجدنا أحدهم، ولا أريد أن أسمى اسمه، يتهم القوات المسلحة ويقول إن «الجيش المصرى قتل قائده»، وقصد بذلك المشير عبد الحكيم عامر، وخطورة هذا الحديث أنه يتجه بالاتهام مباشرة إلى المؤسسة العسكرية، وليس إلى شخص أو أشخاص، وأن هذا الكلام يمكن أن يجرى تداوله بين الناس. كان من الممكن أن يتجه الاتهام إلى أى شخص فى القوات المسلحة أو خارجها، ولكن حينما يتجه الاتهام إلى المؤسسة نفسها، فلابد من وقفة مع من يوجهون الاتهام، وأتصور أن هناك جهات منوط بها أن تحافظ على هيبة مؤسسات الدولة وفرض الانضباط على أسلوب التعامل معها وليس تحصينها حصانة مطلقة، فالنقد ممكن، بل ومطلوب أيضا، لكن هناك فرقاً بين النقد والتطاول، كما أن توجيه الاتهام يجب أن يصاحبه تقديم الأدلة، وأرى مطالبة من يقوم بذلك بتقديم أدلته. ولا يتوقف التطاول على القوات المسلحة وإن كانت تحظى بالنصيب الأكبر منها، ولكن القضاء يناله أيضا من التطاول جانب، والقضاء يمثل الملاذ الأخير للمواطن، ويجب الحفاظ عليه وعلى الثقة به، وعلى من يريد انتقادا له أن يقدم الأدلة على ما يدعيه، والثقة مطلوبة فى القاضى وفى القضاء، وعلى القضاء نفسه أن يتولى حماية مؤسسات الدولة من العبث بسمعتها.

ارتبطت إهانة مؤسسات الدولة بانفلات المصطلحات، ويلعب المخربون على مصطلح الانقلاب ويسمونه «عسكريا» وأحيانا «دمويا»، وطالما أننا نتحدث عن حرية الرأى فإنه هو الباب الذى يدخل منه المجرمون، وأظن أن علينا أن نتفق على أن لكل حرية حدودا، وأن الحرية هى تلك التى لا تتصادم مع حريات الآخرين، أما الحديث عن الانقلاب فقد سبق إيضاح الفرق بين الانقلاب وغيره من أساليب تغيير الحكم، ومن المؤكد أن ما حدث ما بين 30 يونيو و3 يوليو ليس انقلابا حيث لم يقتصر على تغيير الرئاسة بل وضع خريطة للمستقبل، وكان تحركا شعبيا جماهيريا انضمت إليه القوات المسلحة، ولم يصدر البيان عن القوات المسلحة وإن كان فى دارها، بل صدر عن ممثلين لجهات شعبية مختلفة بعضهم من حلفاء الدكتور محمد مرسى وحضره ممثلون عن الأزهر والكنيسة والمرأة، ولم يكن التحرك دمويا بأى شكل من الأشكال، بل إن التغيير لم يكن مفاجئا وحدد له موعد سبقه بثلاثة أشهر، ثم بمهلة السبعة أيام ثم مهلة 48 ساعة، والانقلابات تحدث فجأة، ودون إعلان مسبق. أخيرا فلم يكن التغيير دمويا، وحدث بدون إراقة نقطة دم، أما وقد قام البعض بعد ذلك بالعدوان على المنشآت ومنها دار الحرس الجمهورى فهذا كان يمكن أن يحدث قبل 3 يوليو وبعدها، ومن حق الحرس أن يدافع عن نفسه ومنشآته.

صادف الأسبوع مرور 61 سنة على ثورة 23 يوليو أم الثورات المصرية التى ترتفع شعاراتها وصورها وأغانيها فى الملمات، وكانت موجودة دائما فى ميدان التحرير، وما زالت هذه الثورة قادرة على الإلهام للحاضر والمستقبل، فقد كانت قيادتها واضحة، وكانت لها برامج عامة شرعت فى تنفيذها فور قيامها، كما أبدت من الحزم ما مكنها من تجنيب البلاد مخاطر كانت معرضة لها، ولم تكتف بالتنظيم السياسى الذى أعد لها والذى عرف بتنظيم الضباط الأحرار، فسعت إلى انضمام الشعب إليها من خلال هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى العربى، وربما كان أهم ما ميز ثورة 23 يوليو هو مضمونها الاجتماعى الذى بدأ بصدور قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 1952 أى بعد قيام الثورة بشهر ونصف، ثم تلته بعد ذلك مشروعات التصنيع والتعليم وغيرها الكثير، وهو ما لم يبد حتى الآن لا فى يناير 2011 ولا فى يونيو 2013، ولعل الاحتفال بـ 23 يوليو 2013 يلهمنا الكثير فى مستقبلنا، خاصة فيما يتعلق بأولئك الذين يسعون إلى نشر الفوضى فى مصر تحت ادعاء الحرية والتظاهر السلمى والاعتصام السلمى، فمن يحمل سلاحا أبيض أو ناريا أو طوبة أو زجاجة حارقة تسقط عنه صفة السلمية، ومن يقطع طريقا أو يعطل المواصلات يسقط حقه فى الاحتجاج.

يبقى حديث المصالحة وعدم الإقصاء وهو ما يجب توضيحه، فالمؤكد أن الإخوان المسلمين جزء من الشعب لا يمكن تجاهله، لكن أيضا ما فعله الإخوان المسلمون من جرائم وفشل جزء من تاريخ مصر لا يمكن تجاهله، وعلينا أولا تصفية ما سبق ومحاسبة المسئولين عن الجرائم قبل الحديث عن المصالحة، كما أن الحديث عن حزب «الحرية والعدالة» وغيره من الأحزاب ذات الصبغة الدينية يجب أن نـتأكد من أنها لن تعود للاتجار باسم الدين واستغلال شعارات الإسلام والجهاد لتغطية الجرائم، وقد كان قانون الأحزاب يرفض قيام الأحزاب على أساس دينى، والمفروض أن لجنة شئون الأحزاب بمحكمة النقض تقوم على ذلك، وهنا فإن المطلوب إبعاد القضاء عن هذا المجال حتى يمكن الطعن بحرية فى شرعية الأحزاب القائمة على أساس دينى أو غيره أمام القضاء العادى، وأن تكون هناك وسائل وأساليب لسحب شرعية الأحزاب المخالفة، كل ذلك قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، وأن تتسم الإجراءات الخاصة بالأمن بالحزم والشدة.

■ خبير سياسى واستراتيجى