رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبده خال: الكتابة عبادة والجوائز مخدرات ونواقض صلاة.. و«التابوهات» تهمة جاهزة لمنع الناس من الحرية

عبده خال
عبده خال

الروائى السعودى قال إن الفوز بـ«البوكر» أضره لأنه أدى إلى التنقيب فى أعماله واتهامه بالعداء للدين

فوز 3 روايات سعودية بـ«البوكر» أنهى صورة الخليجى غير المبدع

رفضت عروضًا أجنبية لتحويل «ترمى بشرر» لفيلم منعًا للإساءة لبلدى

محمود عبدالعزيز عرض تجسيد الرواية فى عمل سينمائى

كان فوزه بـ«البوكر» الجائزة الأشهر فى مجال الرواية، عن روايته «ترمى بشرر»، تكريسًا لمكانة الأدب السعودى الحديث فى الثقافة العربية، وهو ما أكده فوز مواطنيه الروائية رجاء عالم، ثم الروائى محمد حسن علوان، بالجائزة نفسها، لتحصد السعودية ٣ ألقاب فى «البوكر».
هو الروائى السعودى عبده خال، الذى يملك مشروعًا روائيًا كبيرًا تعدى ١٨ رواية، منها «فسوق» و«ترمى بشرر»، و«نباح»، و«مدن تأكل العشب»، و«لوعة الغاوية»، و«الموت يمر هنا»، وكانت بدايته مع المجموعة القصصية «حوار على بوابة الأرض»، التى أعلنت مولد قاص وروائى عربى كبير.
«خال» عمل بالصحافة وكان له باع كبير فيها، ونشر فى الكثير من الدوريات الكبرى مثل مجلة «العربى» الكويتية، و«أخبار الأدب» المصرية، وغيرهما، وخلال رحلة طويلة كان له العديد من المواقف البارزة على الساحة الثقافية العربية، ظهرت فى احتجاجه ومقاطعته معرض الكتاب المقام فى مدينة الرياض ١٤٣٢هـ، لممارسة القائمين عليه حينها سياسة المنع والحجب، وتدخل المحتسبين، ليدشن دورًا جديدًا للمبدع السعودى الفاعل فى الحركة الثقافية العربية.
«الدستور» التقته فى حوار تحدث فيه عن هذه المحطات من حياته وتجربته الإبداعية، واستعرض آراءه وأفكاره حول الأدب السعودى والجوائز العربية.


■ لاقت روايتك «ترمى بشرر» كثيرًا من الانتقادات عند صدورها ومع ذلك فازت بـ«البوكر».. هل ترى أن الفوز بالجائزة يدحض أية رؤية قللت من شأن الرواية؟
- الكتابة كشف، ومن ذا الذى يحب أن تكشف سوءته؟ منذ صدور الرواية اجتاحتها أعاصير الانتقاد، وكلما طوحت بها الأمواج، استطاعت أن تنجو بحمولتها، إلى أن رست على جبل جائزة «البوكر».
■ كيف تصف آثار الجائزة عليك، ماذا قدمت لك، وهل أخذت منك؟
- قد لا تصدقين أن جائزة «البوكر» قد أضرت بى. سأروى لكِ كيف أحدثت بى من ضرر.
كنت فى السابق أكتب فى الظل كل ما يعنّ فى المخيلة، وكنت فرحًا بأن كتبى لا تباع فى المكتبات المحلية، لكى لا تركض العيون الضيقة خلف كتاباتى فى محاولة للتضييق على حريتى الكتابية، والسبب فى ذلك أننا عشنا أكثر من ٤٠ عامًا فى مطحنة «الصحوة» التى امتازت بمتابعة الكُتّاب والتضييق عليهم من خلال التهم الجاهزة، إما أنك ضد الدين أو عدو للوطن، وبهاتين التهمتين تم تشويه سيرة الكُتاب فى مجتمع محافظ جدًا يعتبر رجل الدين إنسانًا مقدسًا كل كلامه مصدق.
وبعد فوزى بـ«البوكر» تحولت أعمالى إلى ورش حفر ليس للتنقيب عن جمال الرواية بل بحثًا عن كلمة قِيلت هنا أو هناك تمس «التابو» ووصل الأمر إلى التهديد المباشر بتصفيتى جسديًا، وحدث هذا فى أمسية دعيت إليها فى إحدى مدن المملكة. وبسبب التنقيب فى أعمالى الروائية، خرجت حاملًا تهمًا عديدة كل منها أسوأ من الأخرى، فأضرت بحياتى وحياة أسرتى.
أما الجانب الإيجابى فى الفوز بجائزة «البوكر»، فيتمثل فى الإشارة إلى أن كتاباتك مهما حصرت قد استطاعت البزوغ من بين مفاصل الصخور الناتئة، لأن الجائزة تحمل اسم الروائى إلى العالمية، وتدعو العيون الضيقة والمتسعة للبحث عنه وعن منتجاته، ويصبح الحكم على ما يكتبه متعدد الاتجاهات، بدلًا مما كان عليه الحال قبل الجائزة.
■ فوزك فتح الباب لفوز كُتّاب سعوديين بالجائزة، هل ترى ذلك يعيد ترتيب المكانة الأدبية للمملكة بين الدول العربية؟
- الجوائز لعبة لها قواعدها، ومن يكتب للحصول على جائزة فلن يتقن اللعبة، ربما يكون الفائز محظوظًا أنه حقق الهدف من اللعبة ففاز بالجائزة، وما زلت مصرًا على أن الكاتب لا يسعى لأية جائزة ما دامت الكتابة تمثل له حالة من العشق.
أما بالنسبة لتكملة سؤالك، فالإجابة عنه تكشف ما ذهبت إليه، بمعنى أن ثمة هوامش يكتب بها أروع الروايات، تفوق إبداعًا ما يكتب فى المتن، وسابقًا كانت المراكز الثقافية «القاهرة وبغداد ودمشق وبيروت»، ترى فى الإنسان الخليجى كائنًا غير منتج إبداعيًا، ينام أمام بئر نفط تغدق عليه حياة مرفهة، هذا الاعتقاد الذى استمر فترات طويلة لم يخالطه أن الروائى الخليجى يعيش الكفاف الذى يعيشه أبناء المراكز الثقافية، ويحلم كما يحلمون ويتعذب بأمانيه كما يتعذبون، لكن الفرق كان فى الاتجاهات، وفوز ٣ روايات سعودية بجائزة «البوكر»، حق مكتسب، فرط النقاد العرب فى إعطائنا إياه على مدى عقود.
■ كيف ترى قدرة الرواية السعودية على الإسهام فى صناعة سينما ناجحة؟
- السؤال يتطرق لفنين مختلفين فى صياغة المشاهد، أحدهما «قرائى» والآخر «مرئى»، ولكل منهما التقنيات الخاصة به، وأول ملاحظة يمكن بها الرد بأن الكتابة فعل فردى، بينما صناعة السينما عمل جماعى.. هذه توطئة لا بد من ذكرها.
أما عن استطاعة الرواية المحلية صناعة سينما ناجحة فهى قادرة، مع اشتراط وجود المنتج المتكفل بالدعم لإخراج العوالم والأفكار المبثوثة داخل العمل الروائى، ثم المخرج فى تقديم رؤية سينمائية لهذا العمل وجعل الكاميرا تؤدى دورها فى اكتشاف خباياه، وتحويل أحداثه من حالة القراءة إلى حالة المشاهدة، ثم يلى ذلك كاتب السيناريو الفطن الذى يستطيع رسم ونقل المشاهد المرئية والحوارية إلى منطقة إبداعية يحكم عليها من خلال الأحكام السينمائية، وعامة أرى أن المخرج العبقرى يستطيع تحويل العمل الروائى المتواضع إلى فيلم مكتمل أركان الحكم بالجودة السينمائية.
■ ما سر تراجعك عن رفض تقديم أعمالك الروائية فى مادة سينمائية أو درامية؟
- كنت رافضًا لأسباب عدة، أهمها أننا كنا محاصرين بأجواء التشدد ورفض جميع الفنون حتى تم تحريم السينما بشكل قاطع لا رجعة فيه من قِبل المشايخ الذين كانوا مسيطرين فى المجتمع، وظللنا سنوات نحارب حربًا ضروسًا لإيجاد دور سينمائى، وقبل ذلك رفع التحريم عن فن السينما. فى تلك الأجواء لم يكن بالإمكان أن أتساهل أو أوافق على تقديم أى من أعمالى الروائية أو القصصية.
لكن بعد حدوث حركة ثورية اجتماعية، بإسقاط الوصاية على المجتمع، والسماح بفتح دور عرض سينمائية وإخراج السينما من سجن التحريم، أعلنت الموافقة على تحويل أعمالى إلى أعمال مرئية، سواء كان فيلمًا أو مسلسلًا.
■ لماذا لم تلجأ إلى السينما العربية أو المصرية تحديدًا لتقديم أعمالك الروائية؟
- فى البدء ليس من مهمة الكاتب البحث عمن يقبل بأعماله الروائية لتجسيدها دراميًا، فهذا عمل جهات أخرى ذات صلة بالعمل أو بصناعة السينما، فأنا أرى أن مهمة الكاتب أن يكتب ويجود عمله فقط، كما أن صناعة السينما قائمة على تجسيد واقعها الفكرى والاجتماعى، ولكل بلد مشاريع سينمائية ودرامية قادرة على جذب المشاهد المحلى أولًا وثانيًا بقية المشاهدين فى العالم.
وبعد الفوز بـ«البوكر» تقدمت عدة شركات إنتاجية، بريطانية وإسبانية وأمريكية، لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائى، وبدأنا فى المفاوضات إلا أننى وجدت نفسى رافضًا لها، لأنها أعادت تشريح النص وفق مصالح سياسية تضر ببلدى، وأرادت استغلال أجزاء من الرواية وتضخيمها لكى تبث للعالم ويقال «هذا ما يحدث فى السعودية»، وذلك حين كان البلد محاصرًا بتهم عديدة، فرأيت أنه من السفالة أن تشارك بالهجوم ضد بلدك مهما كانت المغريات المادية، لذلك توقفت المفاوضات لهذا السبب الجوهرى.
■ لكن ألم تتلق أى عروض مصرية لذلك؟
- تلقيت مكالمة من الصديق تركى شبانة «أصبح وزيرًا للإعلام السعودى فى ديسمبر الماضى، ولنبارك له هذا المنصب الذى يليق بجهوده وألمعيته»، من القاهرة قائلًا لى «ثمة شخص يريد أن يحدثك»، وانتقل لجوال ليصلنى صوت ليس بغريب عن سمعى، بدأ ذلك المتحدث بالإسهاب عن جمال رواية «ترمى بشرر»، وأنه على أتم الاستعداد للعب دور البطل فيها. كنت أركض خلف الصوت لأتمكن من معرفة صاحبه، وبعد نثر كثير من الكلمات عن الرواية، عرفت أن محدثى هو الفنان الكبير الراحل محمود عبدالعزيز، وكم كانت سعادتى عندما عرفت أن هذا الفنان العبقرى يتمنى تجسيد رواية «ترمى بشرر» وأن يكون بطلها.
وعندما عاد الجوال إلى الأخ تركى شبانة، كان سؤاله «ما رأيك بأن تقوم القناة التى أشرف عليها بتحويل الرواية لفيلم سينمائى؟»، وعند هذا العرض باركت الفكرة إلا أن المشاغل العديدة ذهبت بالفكرة التى كانت حماسية فى تلك الليلة.
كما تلقيت الكثير من العروض لتحويل رواياتى إلى مسلسلات، لكنها متواضعة إنتاجيًا، رغم كون هذه الروايات تحمل عوالم تحتاج إلى إنفاق كبير لتجسيدها. وأذكر أن الفنانة العظيمة سعاد عبدالله أبدت رغبتها فى تقديم رواية «مدن تأكل العشب» إلى مسلسل تنتجه قناة عربية كبيرة، لكن لم يصل الأمر إلى حد الرسمية.
■ فى روايتك «أنفس» تعمقت فى سبر أغوار النفس البشرية.. إلى ماذا تذهب بالكتابة عن النفس؟
- نحن جهلة بالنفس البشرية، ولو كتب الجميع فى ذلك، فثمة زوايا لم يلق عليها الضوء داخل بيئة هذه النفس، وأعتقد أننى سرت فى طريق جديد من دروب هذه النفس التواقة إلى سلوك ما لا يخطر على بال، ولمن يقرأ الرواية الحق فى التأمين على قولى أو نقضه بجملة قصيرة «أنت واهم».
■ ما رأيك فيمن يقولون إن الخيال هو الداعم الأول للروائى والأيقونة الحقيقية التى يستمد منها كتاباته وعوالمه؟
- الخيال هو سر الوجود، وروايتى «أنفس» تحاول فك هذه الصُّرة التى حملها الإنسان، فى رحلته الأزلية كزاد يتغذى عليه أينما حل، الخيال منحة إلهية لم نشكر الله عليها كما يجب، إنه يصعد بالإنسان إلى مراتب متقدمة من الوعى، فجميع الاكتشافات والاختراعات ما هى إلا منتج لخيال نشط استطاع جذب المجرد لأن يكون واقعًا مشخصًا.
■ هل ترى أن كل إنسان يصلح لأن يكون «مادة خام» للرواية؟
- لكل إنسان تشكيلات داخلية، وهى فى جوهرها لا تثبت على حال، ولكى تتوازن تخلق لنفسها فضاء محدودًا، ليتعرف إليها من هم فى محيطها، بينما هى فى حركتها الداخلية مجموعة من الحيوات فى صدر شخص واحد.
■ دخلت العناية المركزة ٦ مرات.. هل هذا سبب بروز الموت فى كل رواية لك باعتباره «تيمة» أصيلة؟
- كل كائن يتلقى إشارات الموت، وكلما بلغ مرحلة من الإيمان بأن الموت هو انتقال من حالة زمنية إلى أخرى، كان الاطمئنان حاضرًا، ويصبح الدخول إلى محراب الموت تعبدًا. وأنا أتعامل مع الموت باعتباره معادلات رياضية، كلما وصلت إلى حل، يسلمك إلى معادلة أخرى، وإلى دوائر متداخلة من الفهم والوعى، لما يستبطنه الواقع من معارف، فكثير من المعضلات هى أزمة تفكير، وعلى كل عقل التحرر من المستهلك. وطالما أغرتنى تجارب الموت باستلال الأسرار المخبأة خلف ستار الغيب أو جلبها من مقبرة الموت.
■ قلت من قبل «الكتابة مرض» وتلبس الشخوص وعيش حيواتها يسبب وجعًا حقيقيًا.. كيف تتفادى هذا الوجع؟
- من قال إننى أتفادى ذلك، أنا أستجلب تلك العلة، فوجودها يعنى بقائى داخل عالم مكتظ بالشخصيات، وأصدقك القول إننى أسعى إلى هذا الاستجلاب، فكل شخصية تواجدت فى داخلى كشخصية روائية، أقوم بالتودد إليها حتى تحتل عروقى، لأنهك فرحًا بكتابتها، وأعتقد أنه لا يزال أمامى إنهاك شديد يدعونى لأن أكتب، ومخيلتى أشبه بـ«رحم أنثى شديدة الخصوبة». هل رأيت امرأة خصبة يصوم رحمها عن الولادة؟.
■ عملت بالصحافة وتكتب القصة والمسرحية والرواية والسيناريو.. كيف تحافظ على التوازن بين كل ذلك؟
- الروح هى ذاتها، فقط إذ رأت صورتها هنا أو هناك، تصعد كى تلتقم ثمرة ما أغرتها بالصعود.
■ أخيرًا.. كيف ترى فكرة «التابوهات» فى الأدب؟
- التابو وضع كتهمة تمنع الناس من الحرية، والأحرار هم من يكسرون كل قيد وسجن، لأن الحرية هى الخلية الأولى لوجود الإنسان.
■هل تعتقد أن الفوز بالجوائز تتويج للمسيرة الأدبية؟
- لا ألتفت إلى الجوائز، فهى «مخدر» يريد منك التوقف والافتتان بما اكتشفته من جوانب نفسية كانت غائبة، ولكى تلجم خيالك تمنحك قطعة سكر، على أنها آخر قطعة ستنالها، وأعتقد أن الجوائز إذا وضعت فى البال، تكون شبيهة بـ«نواقض الصلاة» فلا أنت صليت ولا أنت قعدت عن العبادة. والكتابة عبادة لا تحتاج إلى جوائز، إنها إيمان خالص لا ينتظر جزاء ولا شكورًا.