رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع الاستعداد للعام الجديد.. المبدعون يتمسكون بالأمل والتفاؤل

هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي

فيما يستعد العالم لاستقبال العام الميلادي الجديد، يؤكد مثقفون ومبدعون كبار ضرورة التمسك بالأمل والتفاؤل في مواجهة تحديات وشدائد باتت ظاهرة عبر الكوكب الأرضي، متفقين في تلك الدعوة مع طابع الشخصية المصرية المتفائلة دوما والمنتصرة للحياة الكريمة والكادحة من اجل الغد الأفضل.

وها هو الكاتب الروائي الياباني الكبير هاروكي موراكامي، يوضح أن إبداعاته "رغم ما قد يعتريها من أجواء موحشة تحمل في نهاية المطاف حلما بعالم افضل عبر السعي لمثل هذا العالم"، فيما يسلم بأن الإنسانية تواجه معضلات عصيبة.

غير أن صاحب رواية "ما بعد الظلام" الذي ولد عام 1949 يقول:"منذ ان كنت شابا مراهقا في ستينيات القرن الماضي، وفي عصر يمكن وصفه في اليابان بعصر المثالية لم نكف عن الحلم بأن العالم يمكن أن يكون أفضل مادمنا نسعى لذلك".

ويتابع صاحب "الغابة النرويجية" و"كافكا على الشاطئ" و"مقتل قائد الفرسان" أنه من المحزن ان يغلب التشاؤم على البعض مع انه " علينا حتى في أوقات الشدائد إن نحفر إنفاقا للأمل وان نسعى للعبور من الظلام إلى النور".

أما الكاتب الروائي البريطاني مات هيج صاحب الكتاب الجديد "مزاح الحقيقة"، فيقول "حتى أن ذهبت لمكان معتم بوسعك أن تجد فيه ما يدعو للتفاؤل"، فيما جاء هذا الكتاب المفعم ببهجة احتفالات رأس السنة في قالب روائي يخاطب النشء في المقام الأول باعتبارهم كل المستقبل.

ويرى هيج صاحب رواية "كيف توقف الوقت" والذي عانى من مشاكل صحية أن "أسهل شيء في هذا العصر السقوط في هاوية الإحباط وان التحدي الحقيقي هو التمسك بالأمل". معتبرا أن من مهام المبدع في هذا العصر المشحون بالتحديات والمتغيرات ان "يؤكد على ضرورة ان يبقى الإنسان إنسانا في عالم متغير وحافل بالكثير من أسباب القلق".

ولا ريب كما يقول هذا الكاتب الروائي والقاص البريطاني والذي استهل مسيرته الإبداعية في عام 2004 بقصة "العائلة الأخيرة في إنجلترا" ان الساعات الفاصلة بين عامين في مسيرة الزمان "فرصة لحوار مع الذات وتجديد هواء النفس" فيما تشكل الكتابة في نظره "سبيلا للسيطرة بالخيال على أمور لا يسيطر عليها في الواقع الصعب".

وفي الاتجاه ذاته، سعى الكاتب والقاص الأمريكي جوناثان فرانزن في كتابه "نهاية النهاية للأرض" للبحث عن الأمل في زمن يصفه "بزمن الأزمة" حيث التغيرات في ظاهرة كالمناخ تدعو للتشاؤم، فيما يركز على أهمية "الحلول الإبداعية حتى على المستويات المتناهية الصغر".

وفي اتجاه الأمل يتبنى عالم الاقتصاد البريطاني تشارلز كيني نظرية متفائلة فحواها أن تحقيق دولة ما لمكاسب قد لا يعني حتما خسارة دولة أخرى وهي رؤية سوية تتسق مع الذهنية المصرية وفطرتها الطيبة.

والرؤية المتفائلة أو ثقافة الأمل كما تتجلى في هذه النظرية تقوم على شرط العمل والابتكار وهاهو تشارلز كيني يضرب مثلا بمقارنة موحية فحواها أن معدل إنتاج الغلال في العقد الأول من هذا القرن بلغ أكثر من ضعف معدل الزيادة في عدد السكان بالعالم النامي او "الجنوب".
وهاهو الكاتب والقاص البريطاني فيليب بولمان يتفق في الرأي مع مبدعين آخرين في الثقافة الغربية مثل مواطنته القاصة جاكلين ويلسون والفنانة الأمريكية روز مكجوان حول أهمية ثقافة الأمل وتبني مواقف إيجابية في الحياة.

ويقترن ذلك بإشارات لكتب تعبر عن هذه الثقافة وطاقتها الإيجابية المنتصرة للحياة فضلا عما تحمله من عزاء للأرواح الجريحة مثل كتاب "لغة الرحمة..قصة ممرضة" لكريستي واتسون وقصة "جاز" للكاتبة الأمريكية النوبلية توني موريسون بل ورواية شهيرة ترجع لعام 1884 وهي رواية "الكونت دي مونت كريستو" لألكسندر دوما.

ومع تسليمها بأن أحوال العالم ليست على ما يرام، تقول الكاتبة الباكستانية الأصل والبريطانية الجنسية كاميلا شامسي:"علينا ان نبحث عن أسباب للتفاؤل"، فيما ترى صاحبة رواية "حريق في البيت" أن الطبيعة الإنسانية لا تخلو من خير يثير التفاؤل.

وهذه الدعوة للأمل والتفاؤل التي يطلقها مثقفون ومبدعون كبار حول العالم تتفق كل الاتفاق مع سجايا الشخصية المصرية والتي تتجه بكل الوضوح في الساعات الفاصلة بين رحيل عام ومجيء عام جديد.

وفيما تبدو مصر كلها في هذه الساعات الفاصلة بين عامي 2018 و2019 كتلة من الضوء تعبر عن ضياء فرحة قلوب المصريين باستقبال العام الميلادي الجديد، فإنهم يكتبون نصهم المضيء بنور القلوب والانتصار للحياة على الإيقاع البهيج لحشود البشر الذين يجددون المعنى الكبير لثقافة المكان والزمان عاما بعد عام.

وإذ تتوالى الأنباء والتقارير الإخبارية حول آخر الاستعدادات لاحتفالات العالم بالعام الميلادي الجديد، ناهيك عن القراءات والتوقعات لعام 2019، فان السياق الاحتفالي للمصريين بكل بهجته البريئة ولغته الحافلة بالأماني الطيبة يظهر من المنظور الثقافي ان اللغة ليست كلمات فقط وإنما هي أيضا إيماءات وسلوكيات ورموز وطريقة إخراج.

فاحتفالات العام الجديد كعلامة دالة على ثقافة البهجة إنما تعبر ببساطة وبلاغة معا عن ثقافة المصريين المنتصرة للحياة والمحتفلة بها في عديد التعبيرات والإشارات والإيماءات مابين مفردات اللغة وتبادل التحية وسلوكيات السماحة والتسامح وطقوس الترفيه وفضاءات الحميمية والفطرة الطيبة، ولكأن الإنسانية كلها انخرطت واندمجت في ساعات يرحل فيها عام ويولد عام جديد في عمر الزمان.

وهنا في كل شبر من ارض الكنانة التي تفتح ذراعيها للجميع تتجلى كل الوان البهجة في الساعات الفاصلة بين رحيل عام ومجيء عام جديد وهنا يتجلى معنى البهجة المصرية في أيقونة صنعها التاريخ وحوارات الأزمنة بعفوية ودون تصنع او تكلف وتتصافح إبداعات متعددة لتمنح المزيد من الحضور والزخم للمجازات الذهنية والأدوار الرمزية والرسالة الحضارية لوطن وشعب شيد أول دولة في التاريخ الإنساني.

والخيوط الممتدة من الأضواء الملونة في ميادين وساحات مصر وعلى امتداد محافظاتها ونيلها الخالد احتفالا بمولد عام 2019 انما تترجم حقيقة راسخة عبر التاريخ الثقافي للإنسانية بصيغ وصور متعددة، وان اتفقت في الجوهر والمعنى على ان المصريين شعب ينتصر للحياة ويهدي الإنسانية دوما ألوانا من عذوبة البهجة البريئة.

وإذا كانت الذاكرة والذكريات بحر الأدباء مثل البريطاني مات هيج صاحب كتاب "أسباب للبقاء حيا" فما بين عام يرحل وعام يجيء يحرص كتاب وأدباء على طرح تأملات في الواقع والأحلام عبر الصحف ووسائط الإعلام المختلفة بينما تظهر النظرة المستقبلية في ضوء الإنجازات المصرية في كل أوجه الحياة خلال عام 2018 ان "المستقبل صناعة مصرية".

وفيما يحمل عام 2019 تحقق الحلم المصري في "وطن بلا عشوائيات وتتويج مسيرة إنجازات هائلة في هذا الملف خلال السنوات الأربع الأخيرة"، يجمع المثقفون المصريون على أهمية مواصلة الحرب على الإرهاب مهما كانت التضحيات لإلحاق هزيمة نهائية بهذا الخطر الذي يهدد المصريين ومنظومة قيمهم الثقافية والحضارية فيما "يبقى شهداء مصر الأبرار دائما في قلوبنا".

وهنا حيث تكتب مصر نصها البهي احتفالا بمولد عام ميلادي جديد، يسجل المصريون ببساطة وعفوية حقيقة انتصارهم على قوى الشر والظلام التي تريد احتجاز النور والأحلام..هنا شعب واحد يسير على طريق الأمل بفطرة الطيبين وصدق المؤمنين..فاشهدي يا نجوم السنين!.