رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور تحقق فى أوضاع ذوى الاحتياجات الخاصة بالتعليم الفنى: الدمج على الورق

جريدة الدستور

لم يتمكن ذوو الاحتياجات الخاصة من الالتحاق بالتعليم الفنى، قبل عام ٢٠١٦، وظلت فرص التحاقهم بالتعليم، مقتصرة على المراحل قبل الجامعية، ما دفع الكثير من أولياء الأمور، إلى الاكتفاء بالمرحلة الإعدادية لأبنائهم، أو تحميلهم أعباءً ذهنية إضافية بإلحاقهم ضمن صفوف الثانوية العامة.
ومع صدور قرار ٢٢٩ لعام ٢٠١٦، وجد هؤلاء الطلاب طريقهم إلى المدارس الفنية بمختلف أنواعها، الصناعى، والزراعى، والتجارى، والفندقى، وفق قرار من لجنة الدمج المشكلة من قبل وزارة التربية والتعليم، والتى تحدد تخصصات تتلاءم مع طبيعة الإعاقة. ومع نهاية «عام ذوى الاحتياجات الخاصة»، ٢٠١٨، ترصد «الدستور» حال الطلاب من ذوى الإعاقة، ومجهودات وزارة التربية والتعليم تجاه دمجهم بصفوف التعليم الفنى، وكذلك تتوقف عند المشكلات التى واجهها الأهالى، ويتعلق معظمها بصعوبة المناهج التعليمية، وعدم تهيئة المدارس لاستيعابهم، واقتصار العملية التعليمية على سهولة الامتحانات، مع تجاهل التدريب والتأهيل لسوق العمل.


الأهالى: يتعرضون لـ«التنمُّر».. بعضهم ما زال أميًا المعاملة مثل الأصحاء.. ولا تدريبات عملية تقدم لهم
فى أغسطس ٢٠١٦، صدر قرار وزير التربية والتعليم السابق الدكتور الهلالى الشربينى بشأن دمج الطلاب ذوى الإعاقة البسيطة بمدارس التعليم الفنى، وتضمن تشكيل لجنة فنية بمديريات التعليم لتنظيم الدمج، وقبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية، ومتابعة الحالات، وإصدار تقارير الدمج، واختيار المجال المناسب لكل حالة.
وتكشف الإحصائيات عن دمج ٤٧٨ طالبًا وطالبة فى التعليم الفنى التجارى بالقاهرة، وبلغ عددهم بالصف الأول الثانوى ٢٧٤ طالبًا وطالبة، و١٤١ بالصف الثانى، و٦٣ بالثالث، بينما فى التعليم الصناعى بلغ عددهم ٢٠٥ طلاب وطالبات، بينهم ١٠٧ بالصف الأول الثانوى، و٧٨ بالصف الثانى، و٢٠ طالبًا بالصف الثالث، فيما تم دمج نحو ٥١٧ طالبًا وطالبة بمحافظة الجيزة، بإجمالى ٣٣٢ طالبًا بالصف الأول الثانوى، و١٢٣ بالصف الثانى الثانوى، و٦٢ بالصف الثالث الثانوى.
«ملك» إحدى طالبات الصف الثالث الفنى الصناعى، وواحدة ممن جرى عليهم قرار الدمج، قالت والدتها إن التجربة اقتصرت على سهولة الامتحانات والنجاح، دون العمل على استيعاب الطلاب المناهج، التى لا تراعى الإعاقة الذهنية، فتتعامل مع الطلاب من ذوى الاحتياجات الخاصة كغيرهم من الأصحاء.
وتشكو والدة «ملك» من ارتفاع كثافة الطلاب، التى تصل لنحو ٤٥ طالبة فى الفصل الواحد، مما لا يمكّن المعلمين من الاعتناء بها، رغم اقتصار عدد طلاب الدمج بالمرحلة الأخيرة من الشهادة الفنية الصناعية، على اثنتين فقط، إحداهما تتمتع بقدرات ذهنية أعلى من الأخرى.
وتضيف أن التدريب العملى لا يختص ابنتها بمزايا تجعلها قادرة على التعلم بالشكل الكافى، لذلك تستعين الأسرة بمدرسين خصوصيين لتدريبها بالمنزل، رغم التكلفة الباهظة، موضحة أن أسر ذوى الإعاقة الذهنية لا تحتاج أكثر من مناهج مبسطة، ومعلمين مؤهلين لاستيعاب الفروق الفردية بين الطلاب.
والدة مايكل فايز، الذى يعانى الإعاقة السمعية، وحصل على دبلوم فنى قسم نجارة أثاثدمج، قالت إن نجلها لم يتعلم شيئًا من المدرسة، وإنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فضلًا عن أبسط مبادئ النجارة، وأرجعت السبب فى ذلك إلى خوف المدرسين من التعامل مع طلاب الدمج، مضيفة أن ابنها ظل عرضة للتنمُّر بصورة متكررة، دون تحرك من إدارة المدرسة، ما أدى إلى انقطاعه عنها.
أحمد النجار، أحد طلاب الدمج الحاصلين على شهادة الدبلوم الفنى، يعانى من ضمور جزئى بالعضلات، إلا أنه متفوق فى اللغات الأجنبية، ما مكّنه من الالتحاق ببعض مكاتب السفريات لفترة ليست بالطويلة، يقول إن مساوئ التعليم الفنى عديدة، موضحًا «لم نحصل على الاهتمام والرعاية الكافيين، كما أن المعلمين لا يدركون خطورة عدم التفريق بين معاق وآخر، ويتعاملون مع مريض الإعاقة الذهنية، نفس معاملة من يعانى ضمور العضلات، مشيرًا إلى أنه عانى الوضع نفسه حين حاول دخول سوق العمل».
أما والدة محمد عبدالحليم، الحاصل على شهادة الدبلوم الفنى الصناعىدمج، والمصاب بإعاقة ذهنية، فقالت إن نجلها يحب عمله ويسعده التعامل مع زملائه الذين يراعون إعاقته واحتياجاته، ولا يثقلون عليه بالأعمال التى لا يقوى عليها، لكنها أوضحت أنه تخرج من التعليم غير قادر على القراءة والكتابة، لانشغال المعلمين بالطلاب العاديين أكثر من طلاب الدمج، الذين يعيشون فى عزلة تامة.
«المدرسة لا ترحب بهم».. تقول والدة مروان أبوالعزم، الطالب بالصف الثالث الثانوى الزراعى، وصاحب الإعاقة الذهنية وضعف السمع، مضيفة أن ابنها التحق بصفوف الدمج، منذ الصف الثالث الابتدائى، ومنذ تلك الفترة وهو يحضر الامتحانات فقط، إذ «لا توجد مدرسة ترحب بحضوره هو أو أقرانه»، لذلك فإن معاناة طالب الدمج تتخطى أزمة عدم توافق المناهج مع حالته، وحذر المدرسين فى التعامل معه، لتصل إلى رفض المدرسة حضوره بالأساس، إلا فى فترات الامتحانات.
فى المقابل، كشفت مصادر لـ«الدستور»، عن استغلال البعض قرارات دمج الطلاب من ذوى الإعاقة بالتعليم الفنى، إذ يلتحق بعض الأصحاء بمدارس التعليم الفنى كمعاقين، لسهولة الامتحان الذى يخضع له طالب الدمج، باعتباره صاحب قدرات خاصة تستوجب مراعاة حالته، لكنهم يصطدمون بشهادة تخرج تخص طلاب الدمج، ما يدفعهم إلى ادعاء شفاء أبنائهم من الإعاقة، لذلك يطالب بعض الأصوات باختبار القدرات دون الاكتفاء بتقديم أوراق قد يتم تزويرها.

«التعليم» ترد: تحقيق فى شكاوى رفض دمجهم.. وضعف المستوى فى الكل
رأى محمد إبراهيم، مسئول الدمج بوزارة التربية والتعليم بالجيزة، رئيس لجنة الإعاقة بالجمعية القومية الدولية لحقوق الإنسان، أن هناك طفرة فى مجال التعليم الفنى، الذى أصبح يستقبل ذوى الإعاقة ضمن صفوفه.
وأوضح «إبراهيم» أن الموافقة على دمج الطلاب، تتم عبر لجنة تنعقد فى الفترة من ١ يوليو وحتى ٣٠ نوفمبر، تعمل على تقدير الإعاقة، عن طريق اختبار يخضع له الطالب فى حضور ولى الأمر، لافتًا إلى أن المدارس متاحة لطلاب الإعاقات السمعية، والبصرية، والحركية والشلل الرباعى، كما أكد أن الوزارة تراعى تدريب المعلمين فى التخصصات المختلفة للتعليم الفنى، سواء من خلال التدريب المحلى أو عن طريق البعثات إلى الخارج، للتعامل باحترافية مع الطلاب.
وقال مسئول الدمج بالوزارة، إن اللجان تختار المجال المناسب لكل طالب حسب احتياجاته وطبيعة إعاقته، تفاديًا لتعريض حياته للخطر، إذ يتخصص طلاب الإعاقة البصرية والسمعية فى بعض التخصصات مثل زراعة الشتلات وتربية الحيوانات والدواجن، وغيرها من المجالات التى تناسب طبيعة إعاقتهم، فيما نتفادى التحاقهم بأقسام الكهرباء على سبيل المثال، فلكل إعاقة يتاح لها ما يناسبها.
وكشف محمد إبراهيم عن أن الوزارة تعمل على إحداث طفرة ونقلة فى وعى المجتمع، تجاه دمج ذوى الاحتياجات الخاصة، وأنها تعمل حاليًا على إنشاء مدينة متكاملة بمدينة السادس من أكتوبر، لاستيعاب أعداد كبيرة من الطلاب بالمراحل المختلفة سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى، وتشمل مراحل التعليم المختلفة، إلى جانب خلق فرص العمل والسكن.
أما الدكتور محمد مجاهد، نائب وزير التربية والتعليم، للتعليم الفنى، فيرى أن كل ما يتم ترويجه عن عدم استفادة طلاب الدمج من الدراسة، أمر غير صحيح ويندرج تحت «الشائعات»، متسائلًا بأنهم إذا كانوا لا يتعلمون شيئًا، فلماذا يتم إلحاقهم بالمدرسة؟ وعلق على ضعف طلاب الدمج فى الكتابة والقراءة، بأن ذلك ينطبق على الطلاب العاديين أيضًا، ودعا إلى التقدم بالشكوى للوزارة، حال امتناع المدرسة عن استقبال الطلاب أو عزلهم عن أقرانهم أو استبعادهم من التدريبات العملية، ووعد بأن يتم التحقيق فيها على الفور.
وأوضح «مجاهد»، أن الوزارة كرمت معلمة دمج من أسيوط، اكتشفت فى طلاب الدمج مهارات كثيرة، قائلًا إنها «ليست ملاكًا، ويوجد مثلها الكثيرون، بينما المعلمون الذين يبعدون الطلاب عن ورش العملى فهم أقلية».
وبينت إنجى مشهور، مستشارة وزير التربية والتعليم لشؤون الطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة، أن الدمج هو جمع الإعاقات المتقاربة مع بعضها، كدمج ضعاف البصر والمكفوفين، مشيرة إلى أن الطلاب الذين يعانون من الإعاقة الذهنية مستوى ذكائهم أقل من ٦٧٪، بينما الطلاب المصابون بإعاقة سمعية، أغلبهم يتعلمون فى مدارس للصم والبكم، لأن دمجهم مع زملائهم على درجة كبيرة من الصعوبة، ويفضل إلحاقهم بالتعليم العام أكثر من الفنى، مؤكدة أن الوزارة تواجه مشكلة الكثافة بتوجيه طلاب الدمج للمدارس الأقل كثافة، لكن أولياء الأمور يفضلون المدارس القريبة إليهم.
وأوضحت «مشهور» أن التخصصات من الأمور المتاحة بالنسبة لطالب الدمج، إلا فى بعض الحالات، التى لا يستطيع ولى أمر الطالب فيها اختيار المجال المناسب لإعاقة ابنه، حيث تضطر لجنة التقييم فى هذه الحالات فقط، أن تتدخل وتحدد للطالب ما يتلاءم مع حالته، حرصًا على سلامته فى المقام الأول، وضمان مساعدته فى مرحلة ما بعد التخرج، مشيرة إلى أن الوزارة توفر «مدرسة الظل» لأصحاب بعض الإعاقات منها «متلازمة داون»، لمساعدة مدرس الفصل فى التعامل مع الطالب، وذلك على حسب رغبة أولياء الأمور.
وأشارت مستشارة وزير التربية والتعليم، إلى أن الوزارة حريصة على تدريب المدرسين من خلال عقد عدة بروتوكولات مع المؤسسات المختلفة، إضافة لعقد ورش عمل لتنمية مهاراتهم، مشددة على أن الوزارة لا تتردد فى أى إضافة يمكنها أن تساعد على تنمية مهارات المعلمين.
ولفتت إنجى مشهور، إلى أن ظاهرة تعرض الطلاب للتنمُّر موجودة فى العالم كله، وأنها ليست مقتصرة على ذوى الإعاقة فقط، لافتة إلى أن فصل الطفل عن العالم وحبسه بالمنزل ليس حلًا، وأكدت أن وزارة التربية والتعليم نظمت حملة بالتعاون مع «اليونيسف» لمواجهة تلك الظاهرة.

حقوقيون: ضعف الإمكانيات أزمة.. والميزانية الخاصة مطلوبة
قالت سهى الفرارجى، الناشطة الحقوقية بوحدة الإعاقة بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الدمج يتطلب وضع ميزانية مخصصة لتفعيل برامج التدريب والتأهيل لأعضاء التدريس والإخصائيين النفسيين والاجتماعيين، إلى جانب تجهيز المدارس بما يتناسب مع طبيعة احتياجات طلاب الدمج، مشددة على أن الإعاقة لا تحول دون التعليم الفنى، لكن هناك استسهالًا من قبل بعض القائمين على العملية التعليمية، والذين ينتقون بعض الإعاقات دون غيرها، إلى جانب استقبالهم أعدادًا محدودة من الطلاب، وعزلهم عن أقرانهم.
بينما قالت يسرية أبوزيد، مسئولة الدمج السابقة بالمجلس القومى للإعاقة والمشرفة على قانون التعليم الفنى، والمديرة التنفيذية لمؤسسة «ويانا» الدولية للتوعية والدمج، إن طالب الإعاقة لم يكن مسموحًا له قبل عامين الالتحاق بالتعليم الفنى، حيث يتم إلحاق الطلاب بالثانوية العامة، وهى مرحلة تتطلب قدرات ذهنية تفوق ما يتمتع به بعض الطلاب، ويعد قرار ٢٢٩ لعام ٢٠١٦، إنجازًا كبيرًا قامت به وزارة التربية والتعليم والمجلس القومى للإعاقة.
وأوضحت «أبوزيد» أن أكبر صعوبة تقابل الطلاب، قلة الإمكانيات المالية والفنية فى التعليم العام، منذ تشخيص حالة الطفل، وصولًا إلى مرحلة الدمج، الذى يضطر خلاله إلى التأقلم مع نحو ٧٠ أو ٨٠ طالبًا، كما أنه لا توجد أماكن مجهزة للدمج مثل «غرفة المصادر» إلا فى أماكن بسيطة، وأن هناك ١٠٪ فقط من جملة المدارس، تمتلك مثل هذه الغرف، موضحة أنها غرف تتوافر فيها جميع الأركان التعليمية، التى يحتاجها الطلاب.
وقال أحد المعلمين بالمدارس الصناعية- فضل عدم ذكر اسمه- إن أولياء الأمور الذين يشتكون من عدم تحصيل أبنائهم بصورة مرضية، يرجع إلى صعوبة التعامل مع كل طالب على حدة، فى ظل الكثافة العالية للطلاب فى الفصل الواحد، فضلًا عن صعوبة مجاراة البرنامج الزمنى للمقرر الدراسى، الذى وضعته الوزارة، قبل الدخول فى امتحانات التيرم الأول أو الثانى، ما يدفعنا إلى تسريع عملية التدريس، وسط طلاب عاديين وبعض طلاب الدمج.
وأضاف المدرس، أن الخوف من تعرض طلاب الدمج للأذى، وراء عدم إشراكهم فى تدريبات الورش الفنية، وضرب مثلًا بقسم النجارة، حيث يجب أن يتعامل الطلاب مع المنشار وغيره من الآلات الحادة والخطرة، مما يدفعنا إلى تجنيب مشاركتهم، ويرى أن ذلك «لا يعد تقصيرًا بل مراعاة لحالاتهم، وحماية لنا فى الوقت نفسه، من مسئولية قد نتعرض لها حال وقوع أذى أو ضرر ما لأحد الطلاب».