رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحمن الراشد يكتب: تقارب أردوغان مع الأسد

جريدة الدستور

التسابق الملحوظ على دمشق بين قيادات مثل السودانية والتركية يتوافق مع التطورات السياسية على الأرض، هو مجرد اعتراف بالأمر الواقع. تركيا تقاربت بصمت مع النظام السورى منذ أكثر من عام، ضمن سياسة جديدة بالتعاون مع إيران والتخلى عن المعارضة السورية.

الحقيقة أن من قضى على المعارضة السورية فعليًا لم تكن قوات النظام السورى، ولا ميليشيات إيران، ولا سلاح الجو الروسى، بل حكومة أنقرة. فتقربها من إيران وروسيا، وانسحابها من المشهد السورى السابق أدى إلى انهيار المعارضة السياسية والمسلحة، على اعتبار أن تركيا كانت الحاضن الرئيسى للمعارضة المسلحة منذ اندلاع ثورتها فى عام ٢٠١١.
الانسحاب التركى من دعم مشروع المعارضة، أى الوطنية لتمييزها عن المسلحين الجهاديين، أدى إلى القضاء تقريبًا على المنظومة الميدانية، ولم تتبقَ سوى بضعة فصائل قام الأتراك باستئجارها لمقاتلة التنظيمات الكردية. كما أبعدت عددًا من القيادات السورية السياسية المعارضة إلى خارج الأراضى التركية بعد أن كانوا يسكنون فى إسطنبول.
وتتشكل على الأرض مواقف جديدة تبدو صادمة؛ تركيا أصبحت أقرب إلى نظامى الأسد وطهران، وهى الآن ضد الوجود الأمريكى وتقاتل المعارضة السورية المستوطنة شرق الفرات. ومع أن المسئولين الأتراك يبررون موقفهم الجديد ضد المعارضة السورية هناك بحجة أن معظمها من الأكراد، وهذا صحيح، إلا أن جل التوجه التركى مستويات مختلفة بُنى على سياسة حلف جديد مع إيران وروسيا فى المنطقة الذى يستوجب التخلص من المعارضة. وهو ما حذرت منه الخارجية الأمريكية أنقرة، التى ترى فى مواقف أنقرة وأفعالها ما يتعارض مع المصالح الأمريكية، وكذلك مع حلف الناتو، الذى تركيا عضو فيه. ومثال ذلك، عزم تركيا على شراء نظام الصواريخ S-٤٠٠ الروسى يثير غضب واشنطن، ومن المتوقع أن يوسع مسافة الخلاف بين الحليفين القديمين. أيضًا، إصرار تركيا على التقارب مع إيران والمتاجرة معها مؤشر على طبيعة التوجهات التركية فى المنطقة، وسوريا من بينها.
وزيارة الرئيس السودانى عمر البشير إلى دمشق قيمتها رمزية فقط، وتأتى ضمن تحركات متعددة لتعزيز صورة الرئيس بشار الأسد، للرد على الجانب الأمريكى الرافض للحل الروسى باعتماد النظام السورى من جديد. ومهما كانت المواقف الأمريكية متلكئة، فهى ستقبل بالأسد فى الجولة الأخيرة.
والوضع فى شمال شرقى سوريا غارق فى الوحل السياسى. فالتقارب التركى مع الأسد يزداد، وهو ما تحاول واشنطن منعه دون نجاح يذكر، وقد تضطر للتنازل والسماح للقوات التركية بدخول منبج، التى هدد الرئيس أردوغان بدخولها رغمًا عن الأمريكيين. أما لماذا يعتمد الأمريكيون على أكراد سوريا والعشائر العربية لمواجهة نظام الأسد، مع أن ذلك يغضب حكومة أردوغان، فالسبب أن واشنطن بلا خيارات أخرى وتعتبر أنقرة مسئولة عن الهزيمة، بعد أن تخلت عن المعارضة السورية. وتركيا تحارب أمريكا فى هذه المنطقة، حيث تستخدم فلول المعارضة السورية المسلحة التابعة لها، كـ«بروكسى» لمقاتلة «البروكسى» الأمريكى المشكل من الأكراد والعرب السوريين شرق الفرات.
من جانبهم، الروس يصرون على فرض نظام الأسد كاملًا، غير عابئين بسعى الأمريكيين لإفساد اتفاق أستانا - سوتشى، من خلال المطالبة بإنجاز اللجنة الدستورية، وإدخال المعارضة ضمن النظام الجديد لسوريا. لكن الجميع لا يثقون بجدية الأمريكيين، ويعتقدون أنهم لا يملكون النَفَس الطويل فى إدارة الأزمات، بخلاف الروس الأكثر إصرارًا ونجاحًا. وتمرد الأتراك على الأمريكيين فى سوريا دليل على ضعف واشنطن التى لا تملك سوى ثلاثة آلاف جندى على الأرض فى شرق الفرات.
صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية