رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حادى الأرواح.. العالم يحتفل بذكرى رحيل جلال الدين الرومى.. وأمريكا تستمع لأشعاره

جلال الدين الرومى
جلال الدين الرومى

ليس من الغريب أن تحتفل دول، مثل تركيا وأفغانستان والعراق وإيران، بذكرى وفاة مولانا جلال الدين الرومى، ولكن الغريب أن بريطانيا وأمريكا ودولًا أخرى احتفلت بالذكرى الـ٧٤٥ لرحيل حادى الأرواح.
نظمت ولاية أريزونا، بالولايات المتحدة الأمريكية، مؤتمرًا لإلقاء شعر مولانا الرومى، ووفقًا لصحيفة «ذا ستيتس مان»، فإن الرومى ولد فى ١٢٠٧، فى بلخ «كانت فى إيران آنذاك والآن فى أفغانستان»، ومات فى قونية عام ١٢٧٣، وهو شاعر مسلم وفقيه صوفى كبير، يُعرف باسم «مولانا»، ويُعتبر واحدًا من أعظم الأساتذة والشعراء الروحيين الصوفيين، المشهور بأشعاره الروحية التى أثرت على نطاق واسع فى الفكر والأدب فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، وغير الإسلامى.
وعند وفاته، أسس أتباعه الأمر المولوى، المعروف أيضًا باسم وسام الدراويش المولوية، وانتشر تأثير الرومى بين الإيرانيين، والطاجيك، والأتراك، واليونانيين، والبشتون، والمسلمين من مختلف الجنسيات، وتُرجمت قصائده إلى معظم لغات العالم.
ووفقًا للكاتب الأمريكى وليام تشيتيك، فإن «الرومى» هو من أرسى الصوفية فى العديد من المجتمعات، مضيفًا أن الصوفية الموجودة فى كل من الإسلام السُنى والشيعى ليست طائفة، بل هى طريقة للتواصل مع الله، أو طريقة لفهم الدين.
وبينما يؤمن جميع المسلمين بأنهم فى طريقهم إلى الله، ويأملون فى أن يصبحوا قريبين منه فى الجنة، يؤمن الصوفيون أيضًا بأنه من الممكن التقرب من الله، واحتضان الوجود الإلهى فى هذه الحياة، والإخلاص للنبى محمد (ص).
وأوضح «تشيتيك»، حسب الصحيفة، أن «الرومى» يرى أن ضبط النفس والبعد عن الرغبات الدنيوية يتحقق عن طريق حب النبى محمد، وركز على الاستماع إلى الموسيقى، والرقص من خلال دوران العابد حول نفسه، والذى يُنظر إليه على أنه تقليد رمزى للكواكب فى النظام الشمسى الذى يدور حول الشمس.
ولقد آمن «الرومى» بأن الموسيقى والشعر والرقص مسار للوصول إلى الله، وهى البذرة التى أنتجت رقصة «المولوية»، وهو طقس استغفار.
وفى التقاليد المولوية، تمثل العبادة رحلة للروح صاعدة من خلال العقل والحب إلى الكمال، وفى هذه الرحلة يشعر العابد بالحب، ويتخلى عن «الأنا»، ويجد الحقيقة، ويصل إلى الكمال، ثم يعود الباحث من هذه الرحلة الروحية، مع نضج أكبر، إلى الحب، وإلى أن يكون فى خدمة الخليقة كلها دون تمييز.
ورغم أن «الرومى» كان يحاول أن يرسّخ لعدم التمييز بين البشر والأديان والأعراق، يرى إبراهيم جامرد، وهو شيخ صوفى فى ولاية كاليفورنيا، الذى أمضى حياته فى ترجمة شعر الرومى، أن الأمريكان يحبون الرومى كثيرًا، وله شعبية كبيرة فى الولايات المتحدة، لكنهم يتمنون لو أنه لم يكن مسلمًا.
ويقول «جامرد» إن شعبية شعر الرومى، وشعراء مسلمين آخرين، تتزايد فى وقت تتنامى فيه المشاعر المعادية للإسلام فى الغرب، وفى أمريكا لا يزال الإسلام هو الدين الأسرع نموًا، وفى الوقت نفسه، لا يزال هناك اهتمام قوى بالتصوف، ولكن ذلك يرجع إلى كونه لا يعتمد على الإسلام فقط، بل يتعدى ديانات معينة.
ويوضح «جامرد» أن هناك حركات صوفية شعبية منتشرة فى الولايات المتحدة، لأنها تصدر عن مسلمين معتدلين، وهذا هو السبب الرئيسى فى أن شعر الرومى يتمتع بشعبية كبيرة، حيث يُنظر إلى الرومى على أنه صوفى أحب الله بعيدًا عن خلافات الأديان.
وأضاف: «يحب العديد من الأمريكيين الرومى بسبب روحانيته، وقدرته على وصف النشوة فى حب الله، ويتم تسويق معظم كتب الرومى لإرضاء الرغبة القصوى فى التصوف، فيما ليس لدى الأمريكيين سوى القليل من الاهتمام أو التعاطف مع الإسلام السياسى، لكن من خلال قراءة أكثر كتب الرومى شعبية، يتعلم الأمريكيون الكثير من القيم الإسلامية التقليدية، وتعاليم الحكمة».
ويكشف «جامرد» عن أنه نشأ فى أمريكا مسيحيًا، ويقول: «كان إيمانى الأقوى يتحقق فى مقولة بالكتاب المقدس، هى (لتكن إرادتك لا إرادتى)، لذلك كنت مسلمًا بالفعل، لكننى لم أكن أعرف ذلك، ثم فى الكلية درستُ التصوف، وأدركت أننى أكثر انجذابًا للصوفية».
ويضيف: «خلال رحلتى إلى تركيا، قضيتُ معظم رمضان فى قونية، ووضعت عمامة الشيخ وأنا فى قبر مولانا الرومى لمدة ١٠ أيام، وشعرت بالسعادة».
وفى أمريكا، فكرت هوليوود فى إنتاج فيلم عن «الرومى» منذ ٢٠١٦، ولكن حتى الآن لم يبدأ تنفيذ المشروع بسبب انتقادات واسعة جدًا للعمل الذى سيكون مقتبسًا عن رواية الكاتبة التركية إليف شافاق «قواعد العشق الأربعون»، وكان سيتولى بطولته ليوناردو دى كابريو، فى دور الرومى، وروبرت داونى جونيور، فى دور شمس التبريزى.
ويقول كاتب السيناريو، الحائز على جائزة الأوسكار، ديفيد فرانزونى، إن صنع فيلم عن الشاعر الصوفى جلال الدين الرومى قد ولّد الكثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعى، بسبب اختيار دى كابريو، وروبرت داونى.
ويقول «فرانزونى»، لصحيفة «الجارديان»: «بما أن نجم تيتانيك لا يبدو كما لو أنه ولد فى أفغانستان، وروبرت داونى جونيور لا يشبه أى شىء آخر غير كونه صوفيًا أبيض، فإن تعليقات وانتقادات غاضبة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعى، لطالما أغضبت هوليوود الأقليات العرقية بخياراتها النجوم الذين سيؤدون أدوارًا لأشخاص من الشرق الأوسط».