رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قميص ريجينى.. والكعكة الليبية



ظلت الأوضاع هادئة، حتى مساء الأربعاء الماضى، بشأن قضية مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى. وعلى كل خير، انتهى الاجتماع العاشر بين المحققين المصريين والإيطاليين، باتفاق الطرفين على أن «التحقيقات تسير على نحو جيد»، وتأكيدهما على بذل كل ما فى وسعهما للكشف عن الجناة، آملين فى الوصول إلى نتائج نهائية فى المستقبل القريب.
فجأة، هبّت عاصفة الخميس، وظهر رئيس مجلس النواب الإيطالى، الغرفة السُّفلى من برلمان البلاد، على شبكة «RAI» التليفزيونية الإيطالية، ليعلن تعليق العلاقات الدبلوماسية مع مجلس النواب المصرى «حتى يكتمل التحقيق النهائى فى هذه القضية وتتم معاقبة المذنبين». ونسبت وكالة الأنباء الإيطالية، أنسا، إلى مصادر «لم تذكر أسماءها أو صفاتها» أن السلطات الإيطالية بصدد توجيه اتهامات إلى ضباط شرطة ومخابرات مصريين. وفى اليوم التالى، يوم الجمعة، ذكرت وكالة «رويترز» أن وزارة الخارجية الإيطالية استدعت السفير المصرى، بزعم أن هناك حالة من عدم الارتياح الشديد فى روما بشأن تطورات القضية.
التتابع الزمنى يوحى بأن إيطاليا كانت جاهزة بورقة التصعيد، وانتظرت الإشارة من فابريزيو لوباسو سفيرها بالخرطوم، الذى شارك، الخميس، فى أعمال الاجتماع الوزارى الثانى عشر لـ«آلية دول جوار ليبيا»، الذى استضافته العاصمة السودانية، لتبادل وجهات النظر تجاه آخر مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، واستعراض سبل دفع جهود التسوية السياسية. وفيه أعلن وزير خارجيتنا، بوضوح، أن مصر ترفض أى تدخل خارجى لتسوية الأزمة، وطالب بـ«احترام الملكية الوطنية للشعب الليبى»، وقال بمنتهى الحسم: «لا يمكن أن يقبل الليبيون أو أن تقبل دول جوار ليبيا، أن يترك مستقبل هذا البلد الشقيق فريسة لأطراف وقوى خارجية لا يهمها سوى تحقيق مصالحها الضيقة والسيطرة على مقدرات الشعب الليبى».
فى اجتماع الخرطوم، الذى جاء استكمالًا للاجتماعات الوزارية المتعاقبة لـ«آلية دول جوار ليبيا»، استعرض وزير خارجيتنا تطورات المسار الذى ترعاه مصر لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وأكد أهمية ومحورية «آلية دول الجوار»، وقال بوضوح إنها لا تزال المحفل الأنسب لتقديم الدعم المطلوب للأشقاء فى ليبيا. وغير إعلان رفض مصر أى تدخل خارجى لتسوية الأزمة الليبية، وغير مطالبتها بـ«احترام الملكية الوطنية للشعب الليبى»، ربما كان أكثر ما أوجع الإيطاليين هو تشديد وزير خارجيتنا على عدم امتلاك رفاهية الوقت لاختبار مسارات جديدة، أو الخوض فى مبادرات فرعية بديلة عن المسار الأممى. وما يوجع هنا، هو أن «مؤتمر باليرمو» كان أحد تلك المسارات الجديدة أو المبادرات الفرعية البديلة.
المؤتمر الذى استضافته المدينة الإيطالية، منتصف نوفمبر الماضى، جاء قبل مرور حوالى ٦ أشهر على مؤتمر مماثل استضافته العاصمة الفرنسية باريس. ومعروف أن فرنسا وإيطاليا بينهما قدر من التنافس أو الصراع، لانتزاع نصيب أكبر من «الكعكة» التى تريد الولايات المتحدة أن تنفرد بها، ونقصد مخزون النفط الليبى. وفى وجود مثل هذا الصراع الذى يطيل الأزمة ولا يحلها، طبيعى ألا يرضى المتنافسون المتصارعون عن تحركات مصر التى ليس لها أى مصالح فى ليبيا، أو أهداف، غير استقرارها ووحدة ترابها. والثابت، هو أن مشروع توحيد الجيش الليبى، الذى ترعاه مصر، يحظى بتوافق الأطراف الليبية والدعم الأممى. وبات فى حكم المؤكد أن يتم قريبًا توقيع الاتفاق النهائى، بعد جولات الحوار الست «أو السبع»، التى استضافتها القاهرة.
لا تريد مصر إجمالًا، غير الحفاظ على وحدة التراب الليبى، وتمكين مؤسسات الدولة من القيام بدورها، وتوحيد المؤسسة العسكرية. على أن يتم ذلك كله عبر حوار ليبى- ليبى، دون أى ضغوط خارجية. وانطلاقًا من تلك الثوابت، دعمت مصر «ولا تزال» مهمة المبعوث الأممى الحالى، كما دعمت مهمات المبعوثين الأمميين الخمسة السابقين. كما لم تتوقف عن دعم الجيش الوطنى الليبى، والدفع فى اتجاه إجراء الانتخابات، لأن عدم وجود سلطة مركزية وجيش وطنى، لا يفيد إلا الجماعات الإرهابية، التى ثبت بشكل قاطع أن هناك دولًا تدعمها، تكاد تكون معروفة بالاسم. كما هو معروف أن لتلك الجماعات وداعميها مصالح ومكاسب تتمسك بها، وستظل تدافع عنها.
.. وتبقى الإشارة إلى أن كل الأطراف التى لا يشغلها غير مصالحها، صار دورها مكشوفًا، بل إنها لم تعد تلعب إلا على المكشوف. ولا مانع من أن نشير، بالمرة، إلى أن بيان مجلس النواب المصرى، جاء ضعيفًا وهزيلًا، ولا يتناسب إطلاقًا مع فجاجة «أو وقاحة» تصريحات رئيس مجلس النواب الإيطالى الصادرة بالأمر المباشر. كما أننا لم نجد أى ضرورة أو جدوى لإبداء الأسف إزاء قرار تعليق العلاقات. إذ ليست هناك علاقات قائمة من الأساس حتى يتم تعليقها، وحال وجودها فإنها ستكون، قطعًا، عديمة الفائدة أو «زى قلتها»!