رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البروفيسير.. سامي عبدالعزيز: باصرف على نفسى من عمر 9 سنين واشتغلت سواق تاكسى وأنا معيد فى جامعة القاهرة

جريدة الدستور

- عملت فى بيع النجف والأدوات المنزلية مع أقاربى
- زوجتى «ست جدعة» تمتلك شخصية قوية وأدين لها بالفضل
- أشجع الأهلى.. وأنا صاحب فكرة أغنية «يا سلام يا خطيب»
-عبدالحليم حافظ قال لى: «إنت ولد ذكى وعارف سر النجاح»

سواء كنت واحدًا من العاملين فى مجال الإعلام، أو تتابع أخباره وتطوراته من بعيد، أو حتى شاهدته مصادفة وهو يتحدث بطريقته اللبقة وبصوته الكاريزمى، ستدرك قيمة وقدرات الدكتور سامى عبدالعزيز، أستاذ الإعلام والعلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، عميدها الأسبق، ذلك الرجل صاحب قصة الكفاح التى ينبغى أن تروى.
فى عمر الـ٩ سنوات بدأ الاعتماد على نفسه: «لم أكن آخذ من والدى مليمًا وقتها»، كما يقول، ثم عمل مع أقاربه فى بيع الأدوات المنزلية، وذلك بالتزامن مع تفوقه الدراسى الذى أهله لدخول كلية الإعلام والتخرج فيها بتقدير انتهى به إلى العمل معيدًا فى الكلية.
ولأنه تعود على الكفاح، قرر فى هذا الوقت تحويل السيارة «فيات ١٢٤» التى اشتراها من عمله فى السعودية إلى «تاكسى» ليعمل عليه طوال الليل، بعدما قضى نهاره فى كد وتعب بالتدريس وتحضير الماجستير.. كل هذا مشاهد من رحلة كفاح يرويها «الدكتور سامى» فى حواره مع «الدستور» خلال السطور التالية.

■ بداية.. كيف كانت نشأة الدكتور سامى عبدالعزيز؟
- ولدت فى الشرقية- أكرم محافظات الجمهورية- وتحديدًا فى مدينة الزقازيق، حيث درست فى مدرسة قريبة من منزلى، وكانت جدتى ذات الأصول التركية التى تسكن بجوارنا تراقبنى من شرفة المنزل يوميًا لتتأكد أنى «ما بزوغش» وأدخل الفصل فى الموعد المحدد.
■ ما تأثير هذه النشأة فى حياتك؟
- أنا نتاج أب وأم مكافحين، وأساتذة فى الابتدائية والإعدادية غرسوا فىّ حب التعليم والتعلم، وتعلمت منهم أن أرضى بالحد الأدنى من المعيشة، كما أن جدتى «شديدة الانضباط» كان لها تأثير كبير على حياتى، إذ تعلمت منها الالتزام والنظافة واحترام المواعيد.
لذا من المستحيل أن أتأخر عن محاضرة، بل إنى أذهب إلى المدرج قبل الطلاب، لإيمانى بأن التدريس مهنة مقدسة، والأستاذ الذى يحترم نفسه ومواعيده سيُجبر الطلاب على الاحترام والالتزام.
وأنا كذلك ابن جيل تربى على أن الدين سلوك وحياة لا «دروشة»، جيل «عصامى» لم يعاصر ثورة التكنولوجيا، وحفر فى الصخر للحصول على المعلومة من مرجعها الأصلى، ما علمنا الصبر فى البحث العلمى والدقة فى كل ما نكتبه.
■ ما أكثر الصعوبات التى واجهتك فى بداياتك؟
- عندما كنت معيدًا، مرض والدى ولم يكن لدىّ وأشقائى الأربعة أى دخل، وكان المعيد لا يستطيع السفر إلى الخارج، وليس من حقه الحصول على إعارة أو انتداب. وقتها توجهت إلى الدكتور الراحل عبدالملك عودة- عميد كلية الإعلام وقتها- وطلبت منه السفر إلى المملكة العربية السعودية، حيث كان يؤسس قسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز، فقال لى إن السفر ليس من حقى، وطلب منى تقديم استقالتى، مضيفًا: «لو عدت قبل المدة القانونية المسموح بها بعد تقديمك الاستقالة سنقبل رجوعك». بعدها سافرت إلى السعودية ورجعت بعد ٤ أشهر، واشتريت سيارة «فيات ١٢٤»، وكانت «حاجة كبيرة جدًا» وقتها، لكن بعد أسبوع بسبب الظروف الصعبة حولتها إلى تاكسى عملت عليه «وردية» من التاسعة ليلًا إلى الثامنة صباحًا.
■ كيف قبلت العمل على تاكسى وأنت معيد فى الجامعة؟
- كنت أدرس وأحضّر الماجستير فى الجامعة خلال الفترة الصباحية وأعمل على التاكسى ليلًا، ولم يكن الأمر غريبًا علىّ، لأننى كنت أصرف على نفسى ولا آخذ من والدى مليمًا واحدًا من سن ٩ سنوات، وأخوالى كانوا من كبار تجار النجف والكريستالات والأدوات المنزلية، فكنت أعمل معهم فى إجازة الصيف، وفى آخر الـ٣ أشهر يعطونى ١٠٠ جنيه، وكانت «ثروة» آنذاك، إذ يمكنك بها شراء سيارة أو شقة فى البلد، وبها كنت أشترى زى المدرسة و«أتمنظر» وأعطى أشقائى منها، وأنا فى الجامعة كنت أعطى مجموعات تقوية للطلاب لتدبير مصاريفى.
■ هل صادف وركب معك بعض طلابك؟
- «حصلت كتير»، وكان الطلبة يقولوا: «مش ده الدكتور سامى؟». وبعيدًا عن الدخل المادى من «التاكسى» ومساعدته لى فى الإنفاق على نفسى وشقيقاتى وتزويجهن، علمنى أيضًا كيف أكون إعلاميًا ناجحًا، لأن أول شروط الإعلامى هو الإنصات واكتساب الخبرات، ولأننا المصريين نتحدث كثيرًا فى المواصلات، جعلنى التاكسى مُلمًا بما يحدث فى المجتمع، ومن يريد التأثير فى الناس عليه أولًا فهمهم.
■ ما الذى تحرص عليه عند تعاملك مع الطلبة؟
- باحب جدًا الطالب الذى يختلف معى وتكون لديه وجهة نظر، وهو ما تعلمته من الدكتور عبدالماجد بركات عندما كنت طالبًا، إذ كنت عضوًا فى شلة معروفة يلقبنا بـ«عواجيز الفرح»، لأننا كنا دائمًا نخالفه وندخل معه فى جدالات كثيرة، ولما ننتهى «يعزمنا» على العشاء فى بيته.
ومرة سألنى: «ليه هتخش قسم علاقات عامة وإعلان مش صحافة؟»، قلت له: «بسببك»، قال: «ليه؟»، قلت: «سيادتك عايش فى دور إنك فارس رومانى ولازم أبقى شبهك.. وأنا مش عايز أبقى شبهك»، ومرت الأيام وقابلته بعدها بسنوات فى الإسكندرية فقال لى: «كنت متوقع إنك هاتقول كده وقتها وتوقعت إنك هاتكون أول دفعتك وعميد كلية الإعلام كمان».
■ ما أكثر المواقف التى لن تنساها وأنت أستاذ جامعة؟
- لا أحب أى طالب يدخل المحاضرة بعدى بأكثر من ١٠ دقائق، وفى إحدى المرات وجدت طالبًا مصرًا على الدخول وقطع المحاضرة، فأدخلته وقلت له: «كلم لى أبوك ع التليفون»، وكان أبوه اسمه «المقدس جرجس»، قال لى بلهجة صعيدية: «ابنى بيموت فيك وبيحبك يا دكتور»، سألته: «هو عشان بيحبنى يدخل المحاضرة متأخر؟»، قال لى: «اقلع الجزمة واضربه فوق دماغه».
مرت الأيام وهذا الطالب أصبح مدير العلاقات العامة فى أكبر مطارات الخليج، حيث قابلنى وقال لى: «فاكر الطالب اللى أنت هزقته.. أنا بسبب الموقف ده أصريت إنى أنجح وأكون زى ما أنت شايف».
■ هل تتذكر أول قصة حب لك فى الجامعة؟
- كانت فى «أولى جامعة»، ولم تكن قصة حب «عاطفية»، بل «ارتياح» وإعجاب بشخصيتها وأدبها، لكن الأقدار شاءت أن تسافر بعد التخرج بسبب عمل والدها السفير.
■ كيف كانت علاقتك بوالديك؟
- نبع حنان، ولا أستطيع حتى الآن تفسير كيف نجحت أمى ووالدى فى إدارة أمور العائلة، وإتاحة كل ما نريده بأقل دخل، وكانت تجيد التدبير والتخطيط لدرجة إنى وصفتها بأنها «وزارة مالية».
ووالدى كان صديقى وأخًا أكبر، وكان «فاهم دماغ» كل ابن من أبنائه، ويعرف نقط ضعفه، مثلًا كنت ضعيفًا فى مواد الرياضيات فكان يجلس بجانبى وقت المذاكرة ويحفزنى.
■ ما دور زوجتك د. إيمان نعمان جمعة فى حياتك؟
- «ست جدعة» تمتلك شخصية قوية، وأدين لها بالفضل فى تربية أولادى، فهى تضحى من أجلهم، ورفضت الاستعانة بـ«مربية» لتعلمهم القيم والأخلاق والسلوكيات، كما أنها تجيد الجدل والحوار، خاصة أنها عاشت طفولتها فى فرنسا، وحصلت على الدكتوراه من جامعة «السوربون»، لذا يمكن أن يمتد عشاؤنا لـ٤ ساعات فى نقاشات.
■ ماذا عن أولادك؟
- لدىّ «نعمان» و«نورهان»، والأول يدرس بكلية الحقوق ومتفوق جدًا لكنه يأخد قرارات غريبة فى بعض الأحيان، مثلًا قال لى ذات مرة: «أنت اشتغلت كتير وماعملتش فلوس وأنا عايز أعوضك.. عشان كده قررت أبقى مدرب كرة قدم»، قلت: «لكن أنت عمرك ما لعبت كورة»، فقال: «مش شرط.. مورينيو عمره ما لعب كورة».
بعدها فوجئت بأنه قدم فعلًا فى أكاديمية تدريب فى إنجلترا، وأرسلوا له منحة كى يسافر ويكون مديرًا فنيًا، لكنه فاجأنى مرة أخرى وقال: «أنا قررت أتعلم ألمانى»، سألته: «ليه ما أنت بتعرف إنجليزى وفرنساوى؟»، قال: «مستقبل التدريب فى ألمانيا.. إنجلترا خلاص بقت مدرسة قديمة».
وفى إحدى المرات أصر يدخل فى «رجيم قاسٍ» ويستخدم أدوية لهذا الغرض، ولما اختلفنا كثيرًا أحضرت له خبيرًا يحكم بيننا، وكان طبيبًا مميزًا فى هذا المجال يعرفه، وبالفعل شرح له خطورة ما يريده على الجسم.
■ ما فريق الكرة الذى تشجعه؟
- الأهلى، وأنا الذى نظمت مهرجان اعتزال الكابتن محمود الخطيب، وكنت صاحب فكرة أغنية «بيبو بيبو بيبو.. يا سلام يا خطيب».
■ ماذا عن الموسيقى والغناء فى حياتك؟
- أنا من الجيل المحظوظ الذى تربى على أنغام أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وعبدالمطلب ومحمد طه، بجانب ثريا حلمى أول من أطلق «المونولوج السياسى» عندما غنت: «طالع فيها ليه.. عملت لبلدك إيه؟»، كما أحب طبعًا هانى شاكر، ليس لأنه صديقى ودفعتى فى الجيش، لكن لأنه من المحافظين على القيم فى مصر.
وأحيانًا فى محاضراتى أحاول تقليد أم كلثوم وغيرها من هؤلاء العظماء فى طريقة الأداء، لذا عمرى ما جلست فى محاضرة، لأن لغة الجسد تخلق حالة من الاتصال مع الجمهور، ولذلك أعتبر أستاذ الجامعة فنانًا وممثلًا ومؤديًا.
■ ما سر علاقتك المتميزة بالموسيقار محمد الموجى؟
- كان جارى فى العباسية، وأولاده أصدقائى، ورغم فارق السن بيننا كان يحب الحوار معى، وفى يوم ندانى وجلست معه فأمسك العود ولحن أغنية «جبّار»، بدأ ١٢ منتصف الليل وانتهى منها ٤ فجرًا، بعدها نظر إلىّ وقال: «أنت وشك حلو عليا، عشان النص ده بقاله ٦ شهور ومش عارف أخلصه».
■.. وعبدالحليم حافظ؟
- الموجى عرفنى عليه، وفى مرة عبدالحليم حبسه فى فندق بالإسكندرية وقال له: «ما ترجعش القاهرة غير وأنت ملحن (قارئة الفنجان)، وجلست معهما وهما يؤديان اللحن، وعبدالحليم علق على سرعة إيقاع جملة: «بحياتك يا ولدى امرأة» وطلب تغييره، وعندما غادرنا نظر إلى الموجى وقال: «عبدالحليم هايموت أو مات لأنه فقد الإحساس، ودى كانت فعلًا آخر أغنياته!».
■ كيف أثرا فى حياتك؟
- عام ١٩٧٣، ذهبت إلى العندليب رفقة محمد الموجى، ليُسمعه أغنية «عاش اللى قال»، ففوجئت بعبدالحليم يسألنى: «هاتدخل قسم إيه؟» قلت له: «علاقات عامة وإعلان»، قال: «ليه مش صحافة؟.. دى فيها شهرة»، قلت: «الصحافة عايزة واسطة إنما الإذاعة أنا لا صوتى ولا شكلى حلو»، فقال: «إنت كده ولد ذكى لأنك اخترت فرع مافيهوش تنافس.. أنت عارف سر نجاحى.. أنا مش أقوى صوت.. لكن الناس كانت بتغنى من طبقة عالية تدخل ودن الناس وأنا بقى دخلت من قلبهم فاتميزت عنهم».
■ بعد هذا المشوار الثرى.. ما الذى ينقصك من الحياة؟
- أن أتعلم الكثير أيضًا، ومن وقت قريب كنت فى رحلة إلى إنجلترا لأتدرب على «فن التعامل مع وسائل الإعلام»، رغم أن كثيرين يعتبروننى متحدثًا جيدًا، ولما قدمت الطلب استغربوا وصاحبة الشركة الإنجليزية سألتنى: «إزاى أستاذ جامعى زى حضرتك جاى ياخد الدورة دى»، والمفاجأة كانت إنها قالت لى: «إحنا طالبين منك خدمة، فيه شخصية عالمية ستزور مصر قريبًا وعايزينك تديه دورة على التعامل مع الإعلام فى الشرق الأوسط، ولما دخلت القاعة لقيت رئيس دولة عظمى بياخد دورة مكثفة عن التواصل والتحدث مع وسائل الإعلام».
■ هل لديك هوايات غير سماع الموسيقى؟
- قراءة الكتب، لأنها- بداية من القرآن- شكلت فى عمق اللغة وجمالها. وتعلقت بكتب زكى نجيب محمود، وكتب الأمثال الشعبية و«وصف مصر» لجمال حمدان، وروايات يحيى حقى، و«الأيام» لطه حسين. وفى الصحف كنت أتابع أحمد رجب الذى تعلمت منه فن الاختصار، وصلاح منتصر، ومحمد التابعى، وجلال الدين الحمامصى، وعادل حمودة.