رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"برّ دبي" بانوراما للأحلام والمصائر المتشابكة

جريدة الدستور

صدرت حديثًا عن منشورات المتوسط بإيطاليا، في 184 صفحة من القطع المتوسط٬ الطبعة الثانية لرواية "بر دبي" للكاتب السوري زياد عبدالله.

الرواية صدرت طبعتها الأولى في دمشق عن دار المدى عام 2008، واعتبرها الكثير من النقاد الرواية الأولى التي تقتحم عوالم حياة المهاجرين في الخليج العربي وفي قلب لؤلؤة مدنِه الأشهر دبي، بل يذهب الناقد محمد فرحات إلى أنها رواية مؤسسة في هذا المجال فيقول: «يمكن إدراج رواية "برّ دبي" في الأعمال الفنّيّة التأسيسية عن حياة الجاليات في دبي ومُدُن الخليج عمومًا، إذ يحفر الكاتب في شخصيات مغتربة، من دون الاتّكاء على مقارنة مع السّكّان الأصليّين، فنحن هنا أمام عنصرَيْن اثنَيْن: المغترب والمكان.
رواية زياد عبد الله عن عيش الاختلاط في دبي، فأبطالها وبطلاتها من أصول متنوّعة، وفي درجات عدّة من السّلّم الاجتماعي المتحرّك للمدينة الإماراتية الكوسموبوليتية، من صاحب الشركة والموظّف الى العامل المبتدئ».
أما الناقد الفلسطيني الراحل بشار إبراهيم فيؤكد وبوضوح أنها المحاولة العربية الأولى في كتابة سيرة المدينة الإمارة دبي، مُضيفًا: «هذه الرواية جاءت نتاج مختبر إبداعي فريد: (شعر + سينما = رواية)».
و"بر دبي" تقتحمُ قصةَ كل شخصيةٍ في لحظة ذروتها، وتقتحم كذلك العوالم المتوارية خلف الأبراج الزجاجية، مستبعدةً كل ما يعيق التصعيد الدرامي للأحداث، وملغيةً كل ما لا ينبع من الشخصيات وهي على المفترقات. عامل الوجبات السريعة يوسف الرشيد يبدأ من هجران نورا له وهاتفها الموصد في وجهه. الصحافية هدى مرتضى تضيء كل وساوسها من البداية متداخلة مع تحقيقاتها الصحافية والحوادث التي تغطيها. المدير المالي حسن المطوي يغرق في نزيف زوجته ولا يجد نجاته إلا بمساعدة سيده. المدير الإبداعي يوسف المشهداني يقرر العزلة فيعلو صخب حياته ويداهمه كل ما هرب منه. ومن ثم تستعاد حياة كل شخصية ودوافعها بموازاة تواتر الأحداث والوقائع.
ستلتقي الشخصيات في النهاية، وتتشابك مصائرها، وقد أوحت بدايةً بأنها تمضي في خطوط سردية تجعل من قصصها منفصلة عن بعضها البعض، وما أن تتلاقى حتى تتكامل خريطة الرواية وتتضح بنيتها التي تحاكي دبي وطرقاتها السريعة المتداخلة وأفضت ووصلت إلى خاتمة ليست إلا بداية جديدة.
روايةٌ تمضي عميقًا في أحشاء مدينةٍ تُملي بنية سردية تتناغم وطبيعتها، تقتحم العوالم السفلية وتنبش ما يتوارى خلف الأبراج والزجاج، بعيدًا عن الأضواء. هي بلا شكّ بانوراما توثيقية، لكنَّها تنتصر للحكايات والشخصيات والمصائر، بوفاءٍ إنساني وإبداعي خالص.