رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعددت الثورات والأسباب واحدة


منذ صراخ الفلاح الفصيح فى العصر الفرعونى مطالبا برفع الظلم عنه، والشعب المصرى لم يكف عن الصياح والصراخ لما يعانيه من ظلم حكامه، وفى هذه العجالة لن أستطيع سرد تاريخ ثورات الشعب المصرى على طوال هذه القرون، بل سأكتفى بلقطات

لبعض هذه الثورات، ففى عام 1798 اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد ظلم الفرنسيين وتعسفهم فى فرض الضرائب من المصريين، وقمعت هذه الثورة، ولكنها أكدت حيوية الشعب المصرى ومقاومته للظلم والظالمين، وفى عام 1800 قامت ثورة القاهرة الثانية وامتدت هذه الثورة لبقية أقاليم مصر لاستمرار ظلم وتجبر الاحتلال الفرنسى، ولم تصمد القوات الفرنسية أمام مقاومة الشعب المصرى، فغادرت القوات الفرنسية مصر.

وفشلت حملة نابليون فى غزوها العسكرى لمصر، وكان فشل هذه الحملة من الأسباب التى أسرعت بنهايته. وفى عام 1881 قامت الثورة العرابية بزعامة أحمد عرابى ضد الحاكم المستبد الخديو توفيق وتعطيله الحياة النيابية وتكبيله للحريات وزيادة أعداد الشراكسة فى الجيش المصرى وتفضيلهم على المصريين فى نظم الترقى، ووقف عرابى فى ميدان عابدين أمام الخديو، وقال له قولته المشهورة: «لن نظلم بعد اليوم» وقدم له مطالب الجيش والشعب.

ولكن تكالبت الدول الاستعمارية للقضاء على ثورة عرابى، ودبرت مؤامرة دولية اشتركت فيها إنجلترا، وانتهت هذه المؤامرة باحتلال بريطانيا لمصر عام 1882، ومنذ أن دنس الاحتلال البريطانى أرضنا الطيبة، لم يتوقف كفاح الشعب المصرى ضد هذا الاحتلال البغيض حتى قامت ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وشملت معظم أقاليم مصر وشارك فيها جميع طوائف الشعب من فلاحين وطلاب ومثقفين وعلماء الأزهر، واشتركت المرأة المصرية فى هذه الثورة.

واستمر كفاح الشعب المصرى ضد هذا الاحتلال منذ قيام هذه الثورة حتى قامت ثورة الضباط الأحرار فى يوليو عام 1952 ضد فساد الحكم الملكى وما عاناه الشعب المصرى من ظلم الإقطاعيين وحرمانه من حقوقه المشروعة فى تحقيق العدالة الاجتماعية. وسبق هذا التاريخ عدة إرهاصات كانت سبباً فى أحداث هذه الثورة، منها حادثة 4 فبراير عام 1942 وإجبار المندوب البريطانى الملك فاروق على تولى النحاس باشا رئاسة الوزارة، ومنها الأسلحة الفاسدة التى زود بها الجيش المصرى فى فلسطين عام 1948 وكانت من أسباب هزيمته فى هذه الحرب. ورجع الجيش من فلسطين وهو يحمل مرارة الهزيمة، وقرر الثأر لهزيمته غير المستحقة، فكون ما يعرف بتنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر.

واستطاع الجيش المصرى القضاء على الملكية وإعلان الجمهورية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإقامة العديد من المشروعات والمصانع العديدة، ولكن بعد وفاة جمال عبدالناصر وتولى السادات الحكم واتخاذ طريق معاكس لسياسة عبد الناصر.

فقامت سياسة الانفتاح وما تبع ذلك من سياسة الخصخصة التى تفاقمت فى عهد حسنى مبارك الذى بلغ الفساد فى عهده للركب، كما شهد شاهد منهم بذلك، والتف حول حسنى مبارك عدداً من الجشعين فوزع عليهم الأراضى والمشاريع، وعانى الشعب المصرى فى عهده الظلم والفقر والمرض، مما دفع بعض الشباب إلى تصدر الثورة الشعبية التى قامت فى 25 يناير 2011 واشترك فى هذه الثورة معظم طوائف وفئات الشعب من رجال ونساء من جميع الأعمار واستطاعت هذه الثورة إزاحة الحاكم الديكتاتور حسنى مبارك.

وتم اختطاف هذه الثورة من أصحابها الحقيقيين، حيث وصل مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى، عن طريق الانتخاب الذى انحصر بينه وبين الدكتور شفيق الذى كان من أنصار مبارك. ولكى يعود الحق لأصحابه، قام بعض الشباب المستنير بفكرة عبقرية أطلق عليها حركة «تمرد» استطاع هؤلاء الشباب فى شهور معدودة من تجميع أكثر من 22 مليون استمارة تطالب بسحب الثقة من رئيس الإخوان، وحددت يوم الأحد 30 يونيو 2013 يوم الخروج العظيم للرحيل، وهو يوافق مرور عام على تولى مرشح الإخوان للرياسة.

خرجت الجماهير والحشود فى كل ميادين مصر وبلغت أكثر من 32 مليوناً، ولم يشهد مثلها فى أى مكان ولا زمان، حتى إنها حطمت الرقم القياسى للمسيرة الكبرى التى حدثت فى الصين عام 1934، وطالبت بخلع الرئيس الإخوانى، لأنه لم يحقق أهداف الثورة وأحلام الثوار، ولم يظهر أى دليل على السير فى هذا الطريق، بل عمل على تمكين جماعته واختيار أهل الثقة لا أصحاب الخبرة فى المناصب المهمة للدولة.

وجاءت حركة المحافظين الأخيرة لتدل على التمكين الإخوانى، تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية القادمة والسيطرة على الناخبين، ودلت على الغباء الرياسى. وكانت القشة التى قسمت ظهر البعير. واستغاثت هذه الجماهير والحشود بجيشها الوطنى، فلبى النداء وحمى الثورة والثوار، ووضع خريطة مستقبلية لفترة انتقالية، وأكد هذا الجيش الوطنى أنه سيحمى الشعب ويحنو عليه، حيث لم يجد من حكامه غير الجحود.

■ عضو اتحاد المؤرخين العرب