رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التركة المنفلتة «7»

محمد الباز يكتب: خيانة الإعلاميين

محمد الباز
محمد الباز

الإعلاميون يتعاملون مع القضايا على طريقة «اليويو».. لا يستقرون على رأى وسرعان ما يتحولون ويغيرون منصاتهم

بعض الإعلاميين يتحدثون دون علم أو دراية أو دراسة.. والرئيس كشف الغطاء عنهم أكثر من مرة

وسائل الإعلام خانت الوطن حين انشغلت بالمسلسلات فى أول رمضان بعد ٣٠ يونيو وتركت الساحة للأعداء



يسأل الإعلاميون أنفسهم: لماذا لا يُصدقنا الناس؟، لماذا لا يثقون فينا؟، لماذا يهيلون التراب علينا، ويلعوننا كل صباح؟، لماذا يتركون منصاتنا الإعلامية ويذهبون إلى منصات أخرى، رغم أنها منصات معادية لا تعمل من أجل هذا الوطن؟.
قد تستسهل الإجابة وتقول إن ذلك يحدث لأن الإعلاميين المصريين يتحركون بالريموت كنترول، وهو الريموت الذى يمسك به أصحاب المصالح وجماعاتها، ولا فارق بين جماعات المصالح السياسية وجماعات المصالح الاقتصادية.
وقد تواصل الاستسهال وتقول إن الإعلاميين المصريين لا يقولون ما يعتقدون فى صحته، بل ما يملى عليهم، فهم يخالفون ضمائرهم، ولا يقولون الحقيقة حتى لو كانت واضحة أمامهم ولا تحتاج إلى من يدلهم عليها؟.
الإجابة قد تكون صحيحة بالنسبة لك، لكنها فى حاجة إلى إعادة نظر.
كنت ألقى محاضرة على طلاب الإعلام بأكاديمية الشروق، بدعوة كريمة من الدكتور محمد شومان، عميد الأكاديمية فى ذلك الوقت، قبل أن يصبح عميدًا لكلية الإعلام بالجامعة البريطانية، وبعد أن أنهيت ما لدىّ بدأت الأسئلة.
وقفت طالبة لتتحدث بنبرة فيها كثير من التحدى والغضب، قالت: أنا أكره الإعلام، الإعلاميون فى مصر لا يقولون الحقيقة ويخالفون ضمائرهم؟، متابعة أنها لا يشرفها العمل فى هذه المهنة فى مصر، وأنها ستترك البلد بعد أن تنتهى من دراستها، وتذهب إلى أى بلد آخر، تجد فيه مساحة من الصدق والمهنية فى الإعلام.
استوقفتها بسؤال عن الإعلامى الذى ترى أنه يفعل ذلك؟، فردت بدون تفكير: أحمد موسى طبعًا.
أخذت الكلام من على لسانها، قلت لها: أنت تخالفين الواقع والحقيقة، أنت تغضبين كل هذا الغضب من أحمد موسى ليس لأنه يخالف ضميره وهو يتحدث فى برنامجه «على مسئوليتى» عبر شاشة «صدى البلد»، ولكن لأنه يخالف ضميرك أنت.
بدا كلامى للفتاة الصغيرة غير مفهوم، فبدأت فى شرح ما أقصد، قلت لها «أنا أعرف أحمد موسى جيدًا، وأعرف أنه لا يتحدث عن شىء إلا بقناعة كاملة، فعندما يدافع عن الدولة المصرية، أو عن النظام، يفعل ذلك وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن ما يقوله صحيحًا جدًا، وبذلك فهو متوافق مع نفسه ومتسق مع ضميره الإنسانى والإعلامى أيضًا، لكن ولأنك فيما يبدو لا تعجبك الدولة المصرية ولا النظام المصرى، فهو بما يقوله يخالف ضميرك أنت.. وليس مطلوبًا من الإعلامى، أى إعلامى، أن يتفق مع ضميرِك حتى ترضى عنه».
هذه مشكلة كبيرة فى الإعلام المصرى، لا أحد يفهم اتساع مفهوم المهنية، التى يمكن أن تكون فى أحد تجلياتها توافق المنتج النهائى للوسيلة الإعلامية مع السياسة التحريرية المعلنة منها للناس، لا أكثر من هذا ولا أقل.
لقد عاب الكثيرون على التليفزيون المصرى، عندما كان يشرف عليه وزير الإعلام السابق أنس الفقى، ويدير شئون قطاع الأخبار فيه الكاتب الصحفى الكبير والإعلامى عبداللطيف المناوى، الذى يرأس تحرير جريدة «المصرى اليوم» الآن، عندما نقلت كاميرات القطاع الهدوء الذى يتمتع به كوبرى أكتوبر، فى الوقت الذى كان يشتعل فيه ميدان التحرير بأحداث موقعة الجمل، فى الثانى من فبراير ٢٠١١.
اعتبر أنصار يناير أن ما فعله التليفزيون المصرى يخاصم المهنية، لأنهم يتحدثون عن المهنية المطلقة، لكن، ولأن المهنية فى النهاية نسبية، فإن ما فعله التليفزيون المصرى فى هذه المعالجة كان مهنيًا جدًا، فهو لم يكذب عندما نقل الهدوء على كوبرى أكتوبر، لأنه كان هادئًا بالفعل، وكونه لم ينقل ما جرى فى ميدان التحرير لأنه كان يرى أن ما يحدث هناك مؤامرة على الدولة المصرية، ويجب ألا يشارك فى هذه المؤامرة، بما يعنى أنه انتقى ما يتفق مع توجهاته وترك ما يناقضها.
نفس الأمر يحدث مع قناة الجزيرة، فهى لا تتطرق أبدًا إلى ما يحدث فى قطر، وهو كثير، انطلاقًا من المهنية النسبية، فهى مهنية، لأن سياستها التحريرية تقتضى منها ألا تقترب من قطر وأحداثها ومؤامرتها، لكن لو قسنا الأمر بمنطق المهنية المطلقة، فهى ليست مهنية أبدًا.
أزمة الجمهور العام مع الإعلام المصرى أكبر من هذا بكثير، ويمكن أن نضع هنا أسباب انهيار جدار الثقة إلى ما يمكن اعتباره خيانة الإعلاميين لدورهم، وما يجب أن يقوموا به.
السبب الأول هو أن بعض الإعلاميين يتعاملون مع ما يباشرونه من قضايا على طريقة «اليويو»، لا يستقرون على رأى، سرعان ما يتحولون، ويغيرون منصاتهم، دون أن يكون هناك مبرر مقنع لهذا التحول، أو حتى مبرر من الأساس.
المثال الواضح أمامى هنا ما جرى مساء ١ فبراير ٢٠١١، خرج الرئيس السابق مبارك على الشعب المصرى متحدثًا بشكل عاطفى «فحسنى مبارك الذى يتحدث عاش وحارب من أجل هذا الوطن ومن أجل سيادته وفى أرضه سيموت»، أعلن أنه لن يرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى، وأنه سيستغل الشهور المتبقية فى فترته الرئاسية، وكانت ٦ شهور، فى إصلاح ما فسد.
كان الإعلاميون المصريون جميعًا يعملون ضده، يحشدون الشارع لإزاحته، ينافقون الشارع المتظاهر فى الشوارع والميادين بكل الطرق، لكن عندما تحدث انقلبت الصورة تمامًا.
كانت منى الشاذلى تقدم برنامجها «الـ١٠ مساءً»، أنهى مبارك حديثه، عادت الكاميرا على وجه «منى» التى بدأت فى الحديث وصوتها مخنوقًا بالدموع، ختم مبارك كلامه بقوله: حفظ الله هذا الوطن، والسلام عليكم ورحمته وبركاته، فبدأت منى المخنوقة بتأثير الدموع بقولها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قالت بعد ذلك: أنا معرفش المشاهدين اللى فى البيوت أو اللى فى ميدان التحرير تعليقهم إيه، بس اللى أعرفه فى اللحظات دى كلنا فى الاستديو وفى الكنترول عايشين لحظة تاريخية، أعلن الرئيس محمد حسنى مبارك أنه لن يترشح مرة أخرى، قالها نصًا: لم أكن أنتوى الترشح، تحدث عن تعديل المواد الخاصة بفترة الرئاسة فى مصر وتحديدها، تحدث عن متابعة الحكومة لتنفيذ تكليفاته، تحدث عن شهور قليلة سيقضيها فى إجراءات تسليم السلطة، كانت هذه مواجهة لم يتخيلها أحد، كلمات تم التنويه عن أنها ستظهر فى التليفزيون، ولم يتخيل أحد أن تكون بهذا الوضوح.
وأضافت منى: هذه اللحظة التاريخية وهذه الصدمة ربما يفيق الكثير من التحليل والتعليق بعدها، إنما المسألة باتت واضحة، الرئيس مبارك فضل مصلحة مصر على أى اسم وعلى أى مصالح أخرى، وقرر أنه ليس فقط لن يترشح، ولكن سيكون حريصًا فى الشهور المتبقية له فى الحكم أن ينفذ كثيرًا من المطالب التى هتف بها الشباب.
قارن الذين يتابعون منى بين هذه الحالة المزرية التى ظهرت بها وهى تتحدث عن خطاب مبارك العاطفى، وبين قوتها وهى تستضيف وائل غنيم بعد الإفراج عنه، ليكتشفوا أنهم أمام إعلامية هشة، لا تثبت على موقف، ولا تستطيع أن تصيغ رسالة إعلامية واضحة ومحددة.
الموقف نفسه تكرر فى هذه الليلة، ولكن مع المناضل الكبير (!!!) وعلامات التعجب من عندى بالطبع، يسرى فودة، لم يكن يسرى موجودًا فى استديو المتابعة المفتوح فى قناة «on tv» لتغطية أحداث ميدان التحرير، كانت تدير الحوار المذيعة ريم ماجد، طلب يسرى أن يجرى مداخلة وهو فى بيته.
قال يسرى فى مداخلته: لفت نظرى الفقرة العاطفية التى قال فيها الرئيس حسنى مبارك: إن حسنى مبارك الذى يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قدمه لوطنه، فيه عشت وحاربت من أجله وعلى أرضه أموت، وكأن الإعلامى الكبير كان يدون وراء مبارك ما يقوله، ولذلك أعاد كلامه نصًا.
لم يتوقف يسرى كثيرًا عند ما قاله، بل أكمل: هذه قيمة كبيرة، سوف تصل لقلب كل إنسان مصرى، هترشق فى قلبه، ودخلت قلبى أنا شخصيًا، لأن أنا شخصيًا الراجل ده لا يُنكَر دوره لا فى حرب أكتوبر ولا فيما أعقب حرب أكتوبر، الآن نحن أمام التزام وعهد أنه لن يترشح مرة أخرى، وقد حققنا مكاسب لم يكن أحد يحلم بنصفها من أسبوع.
كان هذا كلام يسرى، الذى عندما نقارنه بما قاله عن مبارك قبل الخطاب العاطفى أو بعده، سنجد أن الفارق كبير جدًا، وهو ما يؤكد للناس أن الإعلاميين المصريين بلا رؤية ولا موقف.
حدث هذا أيضًا مع عمرو أديب، الذى يفكر طوال الوقت بلسانه، فعقله مرفوع دائما من الخدمة.
فى حوار شهير مع المذيعة الشهيرة وفاء الكيلانى، تحدث عمرو أديب عن مبارك، وأنه يعمل فى حمايته هو شخصيًا، حيث ينعم برعايته، لكن وبعد دقائق من تخلى مبارك عن منصبه مساء ١١ فبراير ٢٠١١، كان عمرو موجودًا فى مدينة الإنتاج الإعلامى، طلب أن يظهر مع يسرى فودة الذى كان يتابع من الاستديو ما يجرى، تحدث عمرو يومها بما يخجل ويتناقض تمامًا مع ما كان يقوله علنًا عن مبارك، قال: اللى كان بيفتح بقه كانوا بيذلوه، هو نفسه- يقصد مبارك- قال إزاى الولد ده يتكلم عن وزير الإسكان- يقصد محمد إبراهيم سليمان- إزاى يتكلم عن البيه نوارة الشباب، هو اللى هيحكم البلد، لا يمكن هيجى أسوأ من اللى كنا فيه، ذل ومهانة، الناس كانت بتتنفخ فى الأقسام أمام زوجاتهم، كانوا بيتخروقوا، كنت أقول للناس والله ربنا هيحلها، يقولوا لى لا ده جامد، ده أجمد من ربنا.
لا أتحدث إليكم عن شىء خيالى، يمكن أن تحصلوا ببساطة على هذه الوثائق الصوتية ببحث سريع على اليوتيوب، فلا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلّا ويذكر، ولا شىء يذكر إلّا ويخلد، لكن الإعلاميين يعتقدون أن الناس تنسى، وهذه هى مأساتنا الكبرى.
سبب آخر يجعل المصريين لا يثقون فى الإعلام، وهو قناعتهم أن من يتحدثون إليهم، يفعلون ذلك دون علم ولا دراية ولا دراسة.
تذكرون ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الندوة التثقيفية الـ٢٠ التى نظمتها الشئون المعنوية للقوات المسلحة، كان هذا فى الأول من نوفمبر ٢٠١٥، وبعد أيام من أحداث غرق الإسكندرية فى مياه الأمطار.
قال الرئيس: هو أنت عشان قدام منك كلام عاوز تقوله تعمل كده فى بلدك ولا إيه؟ إحنا لازم نتعامل مع الموضوعات بالفهم اللازم، وأحد الإعلاميين بيقول: الرئيس قاعد مع بتوع سيمنز وسايب إسكندرية تغرق، ميصحش كده، هذا أمر لا يليق، انتوا بتعذبونى إنى جيت هنا ولا إيه؟
كان الرئيس وقتها يقصد المحامى خالد أبوبكر، الذى كان يشارك وقتها فى تقديم برنامج «القاهرة اليوم» على شاشة قناة «اليوم» بشبكة «أوربت».
قال خالد: طول ما بيقعَّدوا الرئيس مع رؤساء الشركات التنفيذيين، عاوزين إيه تانى؟ طول ما الرئيس بيقعد مع شركة سيمنز دى ١٤ مرة فى الشهر يبقى إحنا مش بنبنى كوادر، طيب فين وزير الكهرباء؟
وجه خالد بعد ذلك رسالة للرئيس، قال: السيد رئيس الدولة الناس بتقول لحضرتك مش عايزين عاصمة إدارية جديدة، بس عايزين نعيش.
لم يكن ما قاله خالد أبوبكر يُعبّر عن فهم أو إدراك لما تقوم به الدولة المصرية، وربما هذا ما رَسَخ عند رجال الدولة والجمهور العام عن الإعلاميين، فهؤلاء الذين يحتلون الشاشات كل مساء لا يجدون ما يقولونه، وإذا وجدوه فهم لا يجيدونه، وهى الأزمة التى لا يزال يعانى منها الإعلام حتى الآن.
لقد كشف الرئيس الغطاء عن الإعلام أكثر من مرة، ليس من باب التضييق عليه، ولكن من باب كشف هراء ما يقوله وتهافته، وقد لعب هذا الكشف دورًا كبيرًا فى علاقة الناس بالإعلام، فعندما يسمعون للرئيس فى اللقاءات الجماهيرية يجدونه دارسًا جيدًا لما يقول، بينما يردد الإعلاميون كلامًا إنشائيًا بائسًا وساذجًا، لا معلومات ولا آراء ولا أفكار، وكأننا أمام صحف كل ما فيها حبر أسود على ورق أبيض، وفضائيات ليست أكثر من لغو فارغ، يستمع إليه الناس لتزجية الوقت فقط.
يمكن أن تعتبر ما قلته هنا مجرد هنّات فى أداء الإعلاميين، لكن ما سأقوله لك الآن يعبر عن خيانة كبار من الإعلاميين للبلد كله، ولم تكن هذه الخيانة من الإعلاميين وحدهم، ولكن من أصحاب القنوات الفضائية أيضًا.
أعتبر أن هذا سبب ثالث لما نعانيه من خيبات.
انتهت أحداث ٣٠ يونيو بخلع محمد مرسى، أيام ودخل الناس إلى شهر رمضان، حيث موسم الدراما الأعظم، جهزت القنوات كلها خرائطها، وضعت المسلسلات والبرامج الترفيهية، وأخلت أوقاتًا مطولة للإعلانات «بقرة الفضائيات المقدسة»، وأخذ الإعلاميون إجازاتهم السنوية، فمعظم البرامج تتوقف فى رمضان، ليتفرغ الإعلاميون لحياتهم.
واجهت مصر فى الأيام التى أعقبت خلع مرسى هجومًا طاغيًا من قناة الجزيرة ووسائل الإعلام العالمية والمواقع والفضائيات التى دشنتها جماعة الإخوان الإرهابية، وكان اعتصام رابعة، وما يقال على منصته، مادة دسمة لهذه الوسائل جميعها.
حدث هذا فى الوقت الذى غاب فيه الإعلاميون المصريون عن الساحة، وانفرد الإعلام المعادى ليس بالساحة الخارجية، بل بالساحة الداخلية أيضًا، وأصبحت الجبهة الداخلية فى خطر، فهى هدف لخطاب واحد تروّج له جماعة الإخوان عما جرى.
بحثت الدولة عن الإعلام المصرى، فوجدته غارقًا فى المسلسلات والإعلانات حتى شوشته، وبدأ الحديث يدور عن ضرورة عودة البرامج مرة أخرى، على الأقل حتى يتحدث الإعلاميون للناس فى مصر، يضعون أمامهم حقيقة ما جرى.
المفاجأة أن بعض القنوات تلكأت فى الاستجابة، وهنا تأتى المفارقة، فقد نظر أصحاب الفضائيات إلى المكاسب التى سيحققونها من عائد الإعلانات، بصرف النظر عن المخاطر التى يتعرض لها الوطن، وعندما تجاوب بعض أصحاب القنوات أعادوا البرامج فى أوقات ميتة.
أذكر أننا وقتها كنا نعمل فى برنامج «آخر النهار»، على قناة «النهار»، كنت رئيسًا لتحرير الحلقة التى يقدمها عادل حمودة، الأحد من كل أسبوع، ويشاركه فى تقديم البرنامج خالد صلاح، الذى يقدم حلقتى الثلاثاء والأربعاء، ومحمود سعد الذى يقدم بقية أيام الأسبوع، وبدلًا من أن يعود البرنامج على قناة النهار الرئيسية، قررت إدارة القناة أن يعود البرنامج على قناة «النهار بلس» التى لم تكن تحظى بنسب مشاهدة عالية، وأعتقد أن هذا ما فعله أصحاب القنوات الأخرى.
الغريب أن يسرى فودة كان يواصل تقديم برنامجه «آخر كلام» على قناة «أون تى فى»، وفجأة تحول من مناصر للثورة ومهاجم لجماعة الإخوان، حيث أعلن أنه لا مكان فى مصر لمن يحمل السلاح، إلى ناقد وناقم ومناصر لجماعة الإخوان، ولم يكتف بما قاله فى برنامجه، بل كتب على صفحته الشخصية منتقدًا ما جرى فى حادث المنصة، ولم يكن غريبًا أن يرسل له جهاد الحداد رسالة خاصة بأنه يُثمِّن موقفه ويثنى عليه.
كان ما جرى فى الكواليس خيانة كاملة للثورة، وهو ما جعل الدولة تنظر إلى الإعلاميين بريبة طوال الوقت، فهم بالنسبة لها بلا موقف واحد، انحيازاتهم متأرجحة، تحددها مصالحهم الخاصة، وليذهب الوطن بعد ذلك إلى الجحيم، وربما تقف هذه النظرة تحديدًا خلف حالة الصعود والهبوط فى بورصة الإعلاميين إلى الآن، فالثقة مفقودة، ولا أحد من الإعلاميين المصريين لديه ما يقوله أو يقدمه، ويقنع الجميع بأنه يمكن أن يؤدى دورًا مهمًا فى معركة الوطن، سواء فى حربه ضد الإرهاب أو حربه من أجل التنمية والبناء.