رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الرئاسى بين معايير التوازن وقيم الرشـد.. وتظاهرات 30 يونيو


تميز الخطاب ببعـض الخصائص التى ربما تجعـله فريـدا بين خطابات الرؤساء الثلاثة السابقين شكلا ومضمونا، إذ جاء متأخرا للغاية فى توقيت لا يتسق مع سرعة وكثافة وتراكم تفاعلات المجتمع المصرى.

من المؤكد أنه عـند نشر هذا المقال ستكون الأحداث قد تجاوزته كثيرا وذلك لسرعة وكثافة وتراكم هذه الأحداث، إلاَ أن ما دعانى لكتابته هى الرغـبة الأكيدة للمشاركة بالكلمة فى هذه الفترة التى تعـد من أهم فترات تاريخ مصر المعاصر، حيث أزعم أن خطاب الدكتور مرسى الذى ألقاه ليلة الأربعاء قبل الثلاثين من يونيو قد أدى إلى زيادة تصميم جموع الأمة المصرية لإسقاط النظام، وقد أثار هذا الخطاب جدلا واسعا على الساحة المصرية والإقليمية والدولية، الأمر الذى جعـله هدفا للدراسة والتحليل، فقد جاء هذا الخطاب بعـيدا عن معايير التوازن وقيم الرشد، كما جاء فقيرا لأدنى درجات الحس الوطنى والإنتماء القومى، وقبل أن نبدأ فى تحليله وتأثيره فى ثورة 30 يونيو يتعـين أن نطرح سؤالا أحسبه فى غاية الأهمية، وهو هل تم عرض هذا الخطاب على آن باترسون للتصديق عليه قبل إلقائه لينال الرضا والقبول؟

وعموما فقد تميز الخطاب ببعـض الخصائص التى ربما تجعـله فريـدا بين خطابات الرؤساء الثلاثة السابقين شكلا ومضمونا، إذ جاء متأخرا للغاية فى توقيت لا يتسق مع سرعة وكثافة وتراكم تفاعلات المجتمع المصرى، وجاء طويلا مملا استغـرق ساعـتين و45 دقيقة، ووضعـت مصفوفة من أعلام مصر فى خلفية المنصة وكأن الرئيس يريد أن يذكر الشعـب بإنتمائه وولائه لمصر، وقام بإلقائه أمام نفس الوجوه من الأهـل والعشيرة الذين أقسم أمامهم اليمين الدستورية بعـد إعلان فوزه فى ميدان التحرير، نفس الذيـن خرج إليهم وخطب فيهم أمام الاتحادية، وهم الذين التقى بهم فى مركز المؤتمرات لمناقشة تداعيات سد النهضة فى اللقاء السرى المعـلن على الهواء مباشرة، والذين إلتقى بهم فى الصالة المغـطاة لنصرة سوريا، وقد حملت لهجته نبرات التعالى تارة، والسخرية تارة أخرى، والتملق والتزلف تارة ثالثة، والتهديد والوعـيد تارة رابعة، حتى بدا كأنه خطاب إنتقامى وإنقسامى، فافـتقـر إلى سلامة المنطق ووضوح البيان.

كما تميز بكثرة الخروج عن السياق المكتوب حتى يتيح لنفسه الفرصة ليتعرض طويلا لفساد النظام السابق ورموزه، بالتهكم عـليهم وتوجيه الإتهامات لهم، خاصة للفريق أحمد شفيق والقضاة وتناول أحدهم بالسب والتشهير واتهمه بالتزوير على أعين الناس، وفى نبرة تصعـيدية ضد الإعلاميين ومالكى القنوات الفضائية الخاصة تناول أحد القامات الصحفية فى سخرية فجة، كما افتقر إلى قيم الشهامة والمروءة والنبل، حين تناول أشخاصا بعـينهم باتهامات أظنها باطلة خاصة ما جاء بحق الوزير كمال الشاذلى، فقد عاصرت هذه الفترة كرجل دولة أتردد على مجلس الشعـب بحكم عملى، وأشهد أن هذه الحادثة التى تحدث عنها الدكتور مرسى بعـيدة تماما عن الحقيقة، فما كان لأحد من الجماعة أن يواجه الوزير كمال الشاذلى بهذا الاسلوب، إذ كانوا يعـتبرونه رمزا من رموز الوطن مثل الذين تناولهم الدكتور مرسى بجريدة «المصرى اليوم» فى تصريحه الشهير، ثم تحولت نبرة الخطاب للتودد والتزلف للجيش والشرطة، وردد كثيرا أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وكأنه يريد أن يذكر الناس بما ليس فيه، كما اعـتـرف فى نبرة عاطفية بارتكاب أخطاء أثناء إدارته لشئون الدولة خلال مدة حكمه القصيرة ولم يشر من قريب أو بعـيـد إلى خطئه الكبيرالذى يكمن فى عـدم إدراكه لمفهوم سيادة الأمة، فلم يدرك أن الحاكم يـسـتـمـد سلطانـه من إرادة جموع الأمة، وأن هذه الجموع وحدها هـى مصدر السلـطات وأساس الـسيـادة، وأن العـقـد الاجتماعى الذى أبرمه معهم لإدارة شئون الدولة يستند إلى إرادتهم، فإذا ما أخل الرئيس بما جاء فى العـقد جاز لهم فسخه، فجموع الأمة منحته شرعـية الإختيار، وأن هذه الجموع نفسها هى التى تملك أن تحجب عـنه شرعـية الإستمرار.

أما الخطأ الأكبر، فهو سماحه بالتدخل المباشر لمكتب الإرشاد وقادة الجماعة وحزب الحرية والعـدالة فى إدارة شئون الدولة، فإنحرفوا بها انحرافا حادا نحو الانهيار، الأمر الذى بدا معـه عـدم قدرتهم على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للشعب لضعـف الأداء فى مؤسسات وأجهزة الدولة، بعـد أن قام بتمكين أهل الثقة من الأهل والعـشيرة من هذه المؤسسات وتلك الأجهزة، فغابت عـنها الحنكة والخبرة اللازمة لتنفيذ السياسات، مما أدى إلى التراجع الحاد فى البعـد البنيانى للدولة، والبعـد السلوكى والقيمى للمجتمع المصرى، فانكشف الأمن الداخلى والخارجى للدولة وتراجعـت بالتالى مكانتها وهيبتها.

وقد أنهى الدكتور مرسى خطابه الرئاسى بخواتيم سورة البقرة حتى الآية «أنت مولانا فإنصرنا على القوم الكافرين» ويمكن تحليل هذه الخاتمة من وجهة نظر معايير التوازن بأنها إيذان لعمليات التعـبئة والحشد أمام مسجد رابعة العدوية لإحداث التوازن مع الحشود التى احتشدت تلقائيا فى ميادين جميع محافظات مصر، ومن حيث هدف هذا الحشد أمام مسجد رابعة العدوية شكلا فهو الدعـوة إلى نبذ العـنف وحماية شرعـية الرئيس وضرورة استكمال فترة رئاسته مع معالجة الأخطاء التى شابت حكمه خلال عامه الوحيد، كما يمكن تحليل هذه الخاتمة من وجهة نظر قيم الرشد والحكمة بأنها تعـبر عن الرغـبة الأكيدة لتحويل الخلاف السياسى إلى صراع دينى، فبدلا من أن يكون خلافا بين الخطأ والصواب، أراده صراعا بين الحق والباطل، صراعا بين المؤمنين والكافرين، وهى دعـوة صريحة إلى الغـلو والعـنف والكراهـية عـبَـر عـنها شيوخ اليوم، إرهابيو الأمس تحت دعوى الجهاد المقدس دفاعا عن الإسلام ضد الكافرين والمنافقين، هكذا أراد الرئيس وأهله وعشيرته وتابعـوه استدعاء الدين إلى ساحة الوغى، هكذا اتخذوا من الدين متكـئا لتـبـريـر اسـتـبـدادهم وطغـيانهم، ومبررا لإشعال حرب أهلية لا يعـلم مداها إلاَ الله، لكن الإدراك الكامل لمتظاهرى 30 يونيو بحكم التراكم الحضارى المخزون ستفوت عـليهم هذه الفرصة التى تهدف إلى حرق مصر، فقد أظهرت عـمليات التعـبئة والحشد الوجه الحقيقى والقبيح لجماعة الإخوان المسلمين وجماعات التيار الإسلامى إلاَ فيما ندر، حيث تزايدت دعـوات الحقـد والكراهـية والتحريض على العـنف كوسيلة للتعـبير والتفكير، التى ربما تدفع مصر إلى أتون حرب أهلية لا تبقى ولا تذر.

هذا هو التصور الذى أطرحه لدراسة وتحليل الخطاب الرئاسى الذى أحسبه الخطاب قبل الأخير قبل خطاب التنحى بإذن الله، والذى لم أجد فى طياته رؤية استراتيجية واضحة، أو رسالة محددة يمكن أن تنبع منها أهداف إستراتيجية تكون أساسا لتخطيط إستراتيجى حقيقى لإنقاذها من الانهيار الذى تعرضت إليه فى سنة الحكم الوحيدة للجماعة وربما تكون الأخيرة فى تاريخ مصر، وأعتقد أن هذا الخطاب سيكون سببا رئيسيا لخروج جموع الشعـب فى مشهد يوم عـظيم فى 30 يونيو فى حشود هادرة لتعلن عن بداية ثورة جديدة على من انقضوا على ثورة 25 يناير وهم منها براء، وإلى أن نلتقى فى الاسبوع القادم بإذن الله لنتواصل من خلال المقال القادم الذى سيكون تحت عـنوان «السقوط المهين والنصر المبين بإذن الله».

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل

■ أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة بورسعـيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.